المتابع للأحداث السياسية، خاصة القضية الفلسطينية، وحكم محكمة العدل الدولية الصادر مؤخرا بحقها، يصاب بالحيرة وينتابه الشك، في فحواه ومقصده ومحتواه، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أنه صدر لصالح إسرائيل، باعتبار أنه بدّد آمال الفلسطينيين في إصدار قرار ملزم بوقف الحرب فورا في غزة، ولم يعترف صراحة بقيام إسرائيل بإبادة جماعية في غزة، لذلك سعدت به أميركا، وفرحت به إسرائيل كثيرا، حتى أن نتانياهو شخصيا رحب به، إلا أننا نراه إيجابيا جدا لأسباب كثيرة، واعتبارات غزيرة، منها مثلا:

- مجرد قبول قضية جنوب إفريقيا في حد ذاته مكسب كبير.. كيف وقد تم القبول بها شكلا وموضوعا ورد دفوع إسرائيل برفض الدعوى وعدم الدخول في أساسها والحق في مساءلة إسرائيل وبالتالي للمحكمة اتخاذ التدابير اللازمة ضد أي ضرر وخطر، والحق في إصدار حكم نهائي في القضية، وهذا ما دفع رئيس جنوب افريقيا للإشادة بالحكم ووصفه بأنه «خطوة على طريق العدالة»، مع الوضع في الاعتبار أنه صدر بشبه إجماع من أعضاء المحكمة الـ 17 باستثناء القاضية الأوغندية والقاضي الإسرائيلي، لذلك سارعت الكثير من الدول بالترحيب به ووصفه بأنه «انتصار للإنسانية وسيادة حكم القانون والعدالة الدولية».

- هذا القرار وما تضمنه من حيثيات ووقائع يعتبر سابقة في تاريخ الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وسيكون علامة فارقة، وسيشكل معيارا ستستند إليه المحكة الجنائية في معاقبة المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم من الأميركيين والأوروبيين، الذين ساهموا في قتل وتهجير وتشريد الفلسطينيين.

- لم تعد إسرائيل بعد هذا الحكم بمنأى عن العقاب والمحاسبة والمساءلة، ولم تعد فوق القانون كما كانت تعتبر نفسها، خاصة بعد أن أقرت المحكمة بأن الفلسطينيين هم جماعة محمية بموجب اتفاقيات الإبادة الجماعية، بالنظر لأحاديث رسمية من قبل مسؤولين رسميين تثبت النية الإسرائيلية بإبادة الفلسطينيين، وعلى رأسهم الرئيس الإسرائيلي نفسه، واستنادا إلى اقتباسات تم نقلها على لسان مسؤولين في الأمم المتحدة والوكالات الدولية التابعة لها.

- قرار المحكمة يفرض التزامات قانونية ودولية على إسرائيل وأن عليها ضمان توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في قطاع غزة بشكل فوري، والتأكد من أن جيشها لا يرتكب جرائم حرب واتخاذ الإجراءات الملحة في القطاع لمنع التأجيج على الكراهية وارتكاب الإبادة، ووقف تدمير البيوت وتدمير شهادات ارتكاب الأعمال الإبادية ورفع تقرير بالتزامها بهذه الإجراءات في غضون شهر.

.. أخيرا نقول إنه على المسؤولين وأصحاب القرار وكل المهتمين بحقوق الإنسان، بل كل منتمٍ إلى الإنسانية أن يسعد أولا، ويسعى ثانيا إلى تنفيذ هذا الحكم وتحويله إلى واقع ملموس، وفق نصه، وخيرا ما فعلته الجزائر بتحويله إلى مجلس الأمن الذي اجتمع أمس الأربعاء، وأعرب عن القلق «بشأن تدهور الوضع»، ودعا إلى «ضرورة زيادة المساعدات على وجه السرعة»، وهي لاشك خطوة مقدرة وجيدة في طريق «طويييل»، راحلته: الصبر، وزاده: الحكمة، ورفيقه: الشجاع القوي، لا المستسلم العليل.Moustafafathi1970@gmail.com