تواردت الأنباء مؤخرا هنا وهناك في الصحف العالمية وغيرها في وسائل التواصل الاجتماعي، حول نية إسرائيل، ومن ورائها أميركا بقيادة بايدن «الديمقراطي»، ومن يسير سيرها ويدور في دورانها، كبريطانيا وكندا وايطاليا واستراليا وفنلندا وغيرها، استهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والتخلص منها، وإنهاء عملها، واستبدالها بمنظمات أممية غيرها، تقوم مقامها، وتؤدي وظيفتها، وذلك على خلفية مزاعم إسرائيلية بمشاركة 12 من موظفيها في «طوفان الأقصى» الذين يبلغ عددهم حوالي 30 ألفا، منتشرين في الضفة والقطاع ولبنان وسوريا والأردن، يخدمون أكثر من ستة ملايين إنسان!
وهنا يقفز السؤال: لماذا هذا الاستهداف في هذا التوقيت بالذات وما سببه؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤال المركب، لابد من التأكيد على أن هذا الاستهداف لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقه استهدافات كثيرة وأهمها 2019، عندما دعا نتانياهو إلى إنهاء عمل المنظمة وتصفيتها، وتبنى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب «الجمهوري» نفس النهج، وذلك بتعليق مساعداتها والتشكيك بأعداد اللاجئين الذين تقوم برعايتهم.
أما إجابة السؤال فنقول: إن هذا الاستهداف جاء بعد استناد محكمة العدل الدولية إلى تقارير لـ«الاونروا»، في حكمها الصادر مؤخرا في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل باعتبارها «منظمة أممية» تتمتع بالمصداقية، وهو ما تسبب في رفض المحكمة إسقاط دعوى الإبادة الجماعية.
هذه التقارير أكدت أن القصف الإسرائيلي المستمر على غزة تسبب في نزوح عدد كبير من السكان عن بيوتهم ومغادرتهم لها، ناهيك عن الأضرار النفسية والبدنية على الجميع، خاصة النساء والأطفال، وهو ما كان سببا في جنون إسرئيل وعداوتها لهذه الوكالة مؤخرا.
ولمعرفة السبب الرئيسي لهذه العداوة، لابد من الرجوع إلى بدايات تأسيس الوكالة، حيث تم إنشاؤها بمبادرة «غربية» بعد نكسة عام 1948، وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 302 في ديسمبر 1949 لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين، خصوصا في التعليم والصحة والإسكان والغذاء، وذلك لصبغ قضية اللاجئين بصبغة إنسانية وإبقائها حاضرة في الأذهان حتى يتم حلها، وهنا يكمن السر، فإسرائيل تحاول بكل ما أوتيت من قوة إنهاء عمل وإسقاط الوكالة- رغم أنه لا يمكن ذلك إلا بقرار مماثل من «الأمم»- باعتبارها تذكر باللاجئين وحق عودتهم، وهو ما يقف بوجه محاولات إنهاء «القضية»، حيث يعتبر الكثير من الإسرائيليين، أن «العودة» معناها القضاء على كيانهم، لأنهم سيصبحون قلة، بالمقارنة بأصحاب الدار الأصليين.
إذن المطلوب الآن: حذو كل الدول المعنية والمهتمة بالقضية الفلسطينية حذو دولة قطر بـ «دعم الوكالة التي تضاعفت مسؤولياتها، والمحافظة عليها، وتقدير الدور الذي تضطلع به»، وذلك كما جاء على لسان رئيس وزرائها معالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، عند استقباله مفوضها العام فيليب لازاريني منذ يومين بالدوحة.. ليس باعتبارها شريان الحياة الوحيد الذي يمنح الفلسطينيين بعض ما يبقيهم على الحياة فقط، ولكن كشاهد حي على حق العودة، وهو «حق أصيل».. صاحبهُ مازال به يطالب، وسيحصل عليه «حتما»، مهما تعرض لمتاعب، وقوبل بمصاعب[email protected]