هل هناك مأزق سياسي واستراتيجي حقيقي، يُبرر عنوان هذا المقال، تعيشه إمارة أبوظبي اليوم، وتحديداً مركز صناعة القرار الوحيد فيها وهو ولي عهدها الشيخ محمد بن زايد، وما هو الطريق الذي تحتاج العودة منه، والطريق الذي تحتاج العودة إليه؟
وأين حصدت أبوظبي عكسياً، من رصيدها الذي كان مختلفاً قطعاً في عهد مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد بن نهيان، منذ مشروعه الوطني بعد إقناعه الإمارة الشقيقة الخصم بقيام الاتحاد، وهي إمارة دبي، حيث خاضت الإمارتين قبل الاتحاد 3 حروب مؤلمة.
فعاد حلف بني ياس بين البوفلاح والبوفلاسة، ليعقد أسس دولة قُطرية جمعت أشتات بقية ساحل عُمان، الذي كان يُطلق عليه قديما في مصطلح أهل الساحل (عمان الظاهرة) وسلطنة عمان حالياً (عمان الباطنة)، وأُطلقت مسيرة نهضة وتنمية، توحد الداخل ومتصالحة مع شعوب الخارج، لا يُنكرها أحد.
فأين تلك الصورة، وأين ذلك المشروع من واقع اليوم، وصورة الإمارات المفجعة في الوطن العربي، والعالم الإسلامي والشرق الكبير؟
وقبل ذلك سنُجيب على تحفظ البعض، لتكرارنا لنعت المشروع السياسي الاستراتيجي الجديد، بمشروع إمارة أبوظبي، والذي اتخذ قرار الحرب، مع البنية الإسلامية الفكرية في المنطقة، ثم مع دول عديدة ليُخضعها لسطوته الأمنية وترغيبه الاقتصادي، بناءً على أن أبوظبي رُشّحت غربياً، لتبنّي المشروع الذي يقوده ولي عهدها، كشريك استراتيجي مع التصور الأميركي المتطرف لخنق الإسلام السُني.
إن المراقب العام، أو المتخصص في الشأن الخليجي، يُدرك بوضوح، أن وضع دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن نظامها الدستوري، يوثّق في أسسه الأولى المدونة في الدستور النهائي، وفي فقرات رئيسية متتالية، تنص على طبيعة الدولة الاتحادية، التي تؤصّل الحكم المركزي عبر المنظومات الاتحادية:
• المجلس الأعلى للاتحاد
• رئيس الاتحاد ونائب رئيس الاتحاد
• مجلس وزراء الاتحاد
• المجلس الوطني الاتحادي
• القضاء الاتحادي
ويُعطي الدستور مساحات فدرالية واسعة لكل إمارة بما فيها:
مسؤولية كل إمارة في حفظ الأمن والنظام داخل أراضيها، وتوفير المرافق العامة، ورفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي بها.
(نقلا عن دستور دولة الإمارات العربية المتحدة الموقع الرسمي)
فما الذي تعنيه هذه النصوص الدستورية، في الدولة الاتحادية الوحيدة في المجلس الخليجي، التي قامت على اعتراف كامل بحقوق كل إمارة وممارسة قضايا الدولة، عبر روح ومنطوق النصوص الدستورية للاتحاد.
فهل الواقع السياسي اليوم، يُشير إلى أي مرجعية اتحادية، هل طرح ولي عهد أبوظبي، لو اعتبرنا أن تفويضه طبيعي، من قبل الشيخ خليفة بين زايد، رئيس الدولة، وهل يعرض قراراته عبر جولات حوار، ويشرح لكل أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، توجهات مشروعه الخطير الذي أطلقه منذ وفاة والده، في نوفمبر 2004؟
وهل استرشد بموقفهم وهم في حرية سيادية وفقاً للدستور؟
المشهد واضح أن كل أعضاء المجلس بمن فيهم، حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، ليس لهم أي دور حقيقي في قيادة هذا المشروع ولا كبحه، وإن شاركوا في المتطلبات التنفيذية له، وقد كان لدبي وضع مختلف، قبل نكستها الاقتصادية، وتدخل أبوظبي حينها، الذي حيّدها عن أي خصوصية.
المحصلة هنا أن هذه الدولة الاتحادية، لا تُمارس سلطاتها المنصوص عليها، وتقوم على التوجهات الشخصية لولي عهد أبوظبي، ولذلك استخدام هذا المصطلح دقيق جداً، بأنه مشروع أبوظبي وليس مشروع دولة الإمارات العربية المتحدة.
لكن المأزق الكبير، هو أن كل تلك الإمارات بموجب القانون الدولي، أو بموجب الانتكاسات السياسية، سوف تُسدد فاتورة فشل هذه الاستراتيجية الخطيرة، التي فقدت عبرها كل إمارة عدداً ليس بالسهل من ضحايا الحروب المتنقلة، واستُنفدت الطبقة الاجتماعية والنخب التي تعتمدها كل إمارة، حيث كان يشكل منها كل حاكم الطبقة الاجتماعية الخاصة، والتكنوقراط المشارك في المؤسسات الاتحادية، والحكم المحلي.
كل ذلك انتهى إلى أن تتحول هذه الشرائح والقدرات الوظيفية، إلى أدوات تنفيذية أو مغردين، في مشروع ولي عهد أبوظبي، ولم يعد لمقعد المجلس الأعلى أي قيمة سياسية، ولا كرامة اعتبارية تناسب مكانته التي نص عليها الدستور، وفوق ذلك كله فقدت الإمارات المتعددة، تلك الروح التي تصطبغ بها أسرها، من الود والمروءة الاجتماعية، عندما زُج بهم في معركة إعلامية سياسية شرسة ضد بقية الخليج والشعوب العربية، ويكفي فيها أن بوقاً قذراً كحمد المزروعي، هو رمز الشهرة الذي يُقدم كنموذج لمواطنة هذا العهد.
ولا يعني ذلك أن كل أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة وأسرها، سقطت في السوء الذي تمارسه عناصر البذاءة المنحطة، المتهجمة على شعوب الخليج العربي، أو بقية شعوب الوطن العربي، الرافضة لسياسة أبوظبي، فلا تزر وازرة وزرَ أخرى.
ولكن المشكلة في انتشار هذه الصورة القبيحة، التي أُلصقت بمواطني دولة الإمارات العربية المتحدة، رغم أن المشروع كان من فئة محدودة، في قيادة أبوظبي، بل حتى أشقاء الشيخ محمد بن زايد، كانت هناك تسريبات مهمة، بعدم موافقتهم عليها، قبل أن يخضع الجميع لسلطته الأمنية وتهديده.
هنا تبدو لوحة التأثيرات على مستقبل أبوظبي أو الإمارات أكثر تركيزاً، فالحفُر التي تفاجئ المشروع، تتراكم اليوم، في حرب اليمن، وانكسار مشروع حصار قطر، الذي سيواجه مباحثات صعبة في قمة الخريف، سواءً استجابت دول المحور لضغط ترامب، أو أجل الأمر، والملف القانوني الذي يتعزز قَطريا، يواصل مسيرته، فيما تعامل العالم مع انتكاسة مشروع أبوظبي تتزايد، وآخرها رسالة التوبيخ القاسية، من رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد التي قرأتها جيداً من مصدرها المصوّر، ولن يتغيّر مفهومها حتى لو صدر توضيح دبلوماسي عن أديس أبابا.
فما هو موقف حكام الإمارات بعد كل هذا الواقع، وهل رسالة نجل حاكم الفجيرة الشيخ راشد الشرقي، هي رسالة معزولة، أم إشارة عميقة للأزمة التي سببتها سياسة أبوظبي لأعضاء الاتحاد، ولشعب دولة الإمارات العربية المتحدة.
والخيط الذي يفصل بين دعم الأميركيين منذ عهد أوباما، لحرب الشيخ محمد بن زايد للإسلاميين الحركيين، الذين لا تزكّى كل سياساتهم، وقد أفردنا لنقد تجربتهم مساحة رئيسية من الكتب والمقالات.
لكن ذلك كله، لا يُمكن أبداً أن يُبرّر، هذه الحملة لمشروع أبوظبي، التي باتت تضرب العالم السُني في استقراره وسلمه الأهلي، بعد أن شاركت بقوة في هدم أمل إعادة صناعته، بقوة الدولة المدنية والحريات الدستورية، التي بعثها الربيع العربي.
والسؤال هنا ليس في واقع الخسائر الكبرى وارتداداتها على الاتحاد والشعب الاتحادي، وإنما في فرص التراجع والعودة، فعودة صعبة خير من ألا تعود، فتتحول حرب اليمن إلى داخل عمق الإمارات، وتبدأ تسديد وعود الوهم، التي قدمتها للرياض وغيرها، ولا يوجد في حصاد السياسة ثابت، وإنما غريق أو ناجٍ يتدارك سفينته.
بقلم : مهنا الحبيل
وأين حصدت أبوظبي عكسياً، من رصيدها الذي كان مختلفاً قطعاً في عهد مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد بن نهيان، منذ مشروعه الوطني بعد إقناعه الإمارة الشقيقة الخصم بقيام الاتحاد، وهي إمارة دبي، حيث خاضت الإمارتين قبل الاتحاد 3 حروب مؤلمة.
فعاد حلف بني ياس بين البوفلاح والبوفلاسة، ليعقد أسس دولة قُطرية جمعت أشتات بقية ساحل عُمان، الذي كان يُطلق عليه قديما في مصطلح أهل الساحل (عمان الظاهرة) وسلطنة عمان حالياً (عمان الباطنة)، وأُطلقت مسيرة نهضة وتنمية، توحد الداخل ومتصالحة مع شعوب الخارج، لا يُنكرها أحد.
فأين تلك الصورة، وأين ذلك المشروع من واقع اليوم، وصورة الإمارات المفجعة في الوطن العربي، والعالم الإسلامي والشرق الكبير؟
وقبل ذلك سنُجيب على تحفظ البعض، لتكرارنا لنعت المشروع السياسي الاستراتيجي الجديد، بمشروع إمارة أبوظبي، والذي اتخذ قرار الحرب، مع البنية الإسلامية الفكرية في المنطقة، ثم مع دول عديدة ليُخضعها لسطوته الأمنية وترغيبه الاقتصادي، بناءً على أن أبوظبي رُشّحت غربياً، لتبنّي المشروع الذي يقوده ولي عهدها، كشريك استراتيجي مع التصور الأميركي المتطرف لخنق الإسلام السُني.
إن المراقب العام، أو المتخصص في الشأن الخليجي، يُدرك بوضوح، أن وضع دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن نظامها الدستوري، يوثّق في أسسه الأولى المدونة في الدستور النهائي، وفي فقرات رئيسية متتالية، تنص على طبيعة الدولة الاتحادية، التي تؤصّل الحكم المركزي عبر المنظومات الاتحادية:
• المجلس الأعلى للاتحاد
• رئيس الاتحاد ونائب رئيس الاتحاد
• مجلس وزراء الاتحاد
• المجلس الوطني الاتحادي
• القضاء الاتحادي
ويُعطي الدستور مساحات فدرالية واسعة لكل إمارة بما فيها:
مسؤولية كل إمارة في حفظ الأمن والنظام داخل أراضيها، وتوفير المرافق العامة، ورفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي بها.
(نقلا عن دستور دولة الإمارات العربية المتحدة الموقع الرسمي)
فما الذي تعنيه هذه النصوص الدستورية، في الدولة الاتحادية الوحيدة في المجلس الخليجي، التي قامت على اعتراف كامل بحقوق كل إمارة وممارسة قضايا الدولة، عبر روح ومنطوق النصوص الدستورية للاتحاد.
فهل الواقع السياسي اليوم، يُشير إلى أي مرجعية اتحادية، هل طرح ولي عهد أبوظبي، لو اعتبرنا أن تفويضه طبيعي، من قبل الشيخ خليفة بين زايد، رئيس الدولة، وهل يعرض قراراته عبر جولات حوار، ويشرح لكل أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، توجهات مشروعه الخطير الذي أطلقه منذ وفاة والده، في نوفمبر 2004؟
وهل استرشد بموقفهم وهم في حرية سيادية وفقاً للدستور؟
المشهد واضح أن كل أعضاء المجلس بمن فيهم، حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، ليس لهم أي دور حقيقي في قيادة هذا المشروع ولا كبحه، وإن شاركوا في المتطلبات التنفيذية له، وقد كان لدبي وضع مختلف، قبل نكستها الاقتصادية، وتدخل أبوظبي حينها، الذي حيّدها عن أي خصوصية.
المحصلة هنا أن هذه الدولة الاتحادية، لا تُمارس سلطاتها المنصوص عليها، وتقوم على التوجهات الشخصية لولي عهد أبوظبي، ولذلك استخدام هذا المصطلح دقيق جداً، بأنه مشروع أبوظبي وليس مشروع دولة الإمارات العربية المتحدة.
لكن المأزق الكبير، هو أن كل تلك الإمارات بموجب القانون الدولي، أو بموجب الانتكاسات السياسية، سوف تُسدد فاتورة فشل هذه الاستراتيجية الخطيرة، التي فقدت عبرها كل إمارة عدداً ليس بالسهل من ضحايا الحروب المتنقلة، واستُنفدت الطبقة الاجتماعية والنخب التي تعتمدها كل إمارة، حيث كان يشكل منها كل حاكم الطبقة الاجتماعية الخاصة، والتكنوقراط المشارك في المؤسسات الاتحادية، والحكم المحلي.
كل ذلك انتهى إلى أن تتحول هذه الشرائح والقدرات الوظيفية، إلى أدوات تنفيذية أو مغردين، في مشروع ولي عهد أبوظبي، ولم يعد لمقعد المجلس الأعلى أي قيمة سياسية، ولا كرامة اعتبارية تناسب مكانته التي نص عليها الدستور، وفوق ذلك كله فقدت الإمارات المتعددة، تلك الروح التي تصطبغ بها أسرها، من الود والمروءة الاجتماعية، عندما زُج بهم في معركة إعلامية سياسية شرسة ضد بقية الخليج والشعوب العربية، ويكفي فيها أن بوقاً قذراً كحمد المزروعي، هو رمز الشهرة الذي يُقدم كنموذج لمواطنة هذا العهد.
ولا يعني ذلك أن كل أبناء دولة الإمارات العربية المتحدة وأسرها، سقطت في السوء الذي تمارسه عناصر البذاءة المنحطة، المتهجمة على شعوب الخليج العربي، أو بقية شعوب الوطن العربي، الرافضة لسياسة أبوظبي، فلا تزر وازرة وزرَ أخرى.
ولكن المشكلة في انتشار هذه الصورة القبيحة، التي أُلصقت بمواطني دولة الإمارات العربية المتحدة، رغم أن المشروع كان من فئة محدودة، في قيادة أبوظبي، بل حتى أشقاء الشيخ محمد بن زايد، كانت هناك تسريبات مهمة، بعدم موافقتهم عليها، قبل أن يخضع الجميع لسلطته الأمنية وتهديده.
هنا تبدو لوحة التأثيرات على مستقبل أبوظبي أو الإمارات أكثر تركيزاً، فالحفُر التي تفاجئ المشروع، تتراكم اليوم، في حرب اليمن، وانكسار مشروع حصار قطر، الذي سيواجه مباحثات صعبة في قمة الخريف، سواءً استجابت دول المحور لضغط ترامب، أو أجل الأمر، والملف القانوني الذي يتعزز قَطريا، يواصل مسيرته، فيما تعامل العالم مع انتكاسة مشروع أبوظبي تتزايد، وآخرها رسالة التوبيخ القاسية، من رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد التي قرأتها جيداً من مصدرها المصوّر، ولن يتغيّر مفهومها حتى لو صدر توضيح دبلوماسي عن أديس أبابا.
فما هو موقف حكام الإمارات بعد كل هذا الواقع، وهل رسالة نجل حاكم الفجيرة الشيخ راشد الشرقي، هي رسالة معزولة، أم إشارة عميقة للأزمة التي سببتها سياسة أبوظبي لأعضاء الاتحاد، ولشعب دولة الإمارات العربية المتحدة.
والخيط الذي يفصل بين دعم الأميركيين منذ عهد أوباما، لحرب الشيخ محمد بن زايد للإسلاميين الحركيين، الذين لا تزكّى كل سياساتهم، وقد أفردنا لنقد تجربتهم مساحة رئيسية من الكتب والمقالات.
لكن ذلك كله، لا يُمكن أبداً أن يُبرّر، هذه الحملة لمشروع أبوظبي، التي باتت تضرب العالم السُني في استقراره وسلمه الأهلي، بعد أن شاركت بقوة في هدم أمل إعادة صناعته، بقوة الدولة المدنية والحريات الدستورية، التي بعثها الربيع العربي.
والسؤال هنا ليس في واقع الخسائر الكبرى وارتداداتها على الاتحاد والشعب الاتحادي، وإنما في فرص التراجع والعودة، فعودة صعبة خير من ألا تعود، فتتحول حرب اليمن إلى داخل عمق الإمارات، وتبدأ تسديد وعود الوهم، التي قدمتها للرياض وغيرها، ولا يوجد في حصاد السياسة ثابت، وإنما غريق أو ناجٍ يتدارك سفينته.
بقلم : مهنا الحبيل