الأوضاع في غزة ممعنة في المأساوية: شلالات دماء ودمار وخراب وجوع وعطش، ومع هذا فللصورة العامة في غزة جماليات مبهرة، يتغنى بها العالم بمختلف اللغات، فهذه الرقعة من الأرض التي تبلغ مساحتها عدد أيام السنة (365 كيلومترا مربعا)، ويقطنها مليونان وثلاثمائة ألف نسمة، صارت أيقونة لشرف الدفاع عن الأرض والعرض، في وجه عدوان كاسح من جيش أكثر عددا وعدة من أي جيش في أي بلد أوروبي، فبينما يتساقط الشهداء بالعشرات يوميا، ينهض حملة لواء جُدُد، فلا وقت للعويل والانتحاب ولطم الخدود وشق الجيوب.

تتعرض غزة للرجم بشتى صنوف المقذوفات برا وبحرا وجوا منذ مائة ونيف يوما، ومع هذا ما زالت آلة الحرب الإسرائيلية عاجزة عن كسر شوكة الغزاويين وتحقيق الغاية المعلنة: «إعادة احتلال غزة، والقضاء على جميع أشكال المقاومة فيها، بتهجير معظم سكانها قسرا»، والبطولات العظيمة للغزاويين التي صار العالم كله شاهدا عليها، درس لكل الشعوب المقهورة، وموعظة لقوى البغي والعدوان.

البسالة والجسارة التي كانت شاهد عيان عليها في غزة خلال الشهور الماضية، هي التي جعلت إيميلي كلهان مديرة شؤون التمريض في منظمة أطباء بلا حدود، تقول لشبكة سي أن أن «قلبي في غزة وسيظل في غزة.. الفلسطينيون الذين عملت معهم في مستشفى أندونيسيا من أروع من عرفت من خلق الله»، وأضافت كلهان إنها عندما سألت العاملين معها ما إذا كانوا يرغبون في مغادرة القطاع قالوا بصوت واحد: هذا مجتمعنا، وهؤلاء عائلاتنا وأصدقاؤنا، ونحن على استعداد للموت في سبيل العمل على إنقاذ أكبر عدد منهم من الهلاك.

ولك يا غزة، يا أرض البطولات وميراث الحضارات، تغني شعوب الأرض، تغني للصمود العذب، والموت الفدائي العظيم.عربي 21