بنظرة سريعة إلى بعض الممالك القديمة والامبراطوريات، وبقراءة بسيطة في التاريخ والحضارات، ثمة إشارات مستندة إلى إيماءات، ومرتكزة على إيحاءات، تطل برأسها، وتعلن عن نفسها، من هنا وهناك، تشير إلى «قرب تحقيق» ما سبق وأعلن عنه صاحب الطلعة البهية، والنبرة القوية، أبو عبيدة، الناطق الرسمي لكتائب «القسام».

أبوعبيدة كان قد صرح منذ فترة في خطاب متلفز بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وأركان حربه، «سيجثون على الركب نهاية المعركة»، مؤكدا أن «هذه الحرب ستكون سببا في نهاية نتانياهو السياسية»، وقد يتعجب القارئ من هذا الطرح الآن مع تصعيد نتانياهو الحالي وتهديده بتهجير سكان رفح قبل الاجتياح البري للمدينة، باعتبارها-من وجهة نظره- الملاذ والمعقل الأخير لحماس.

غير أن هذا التعجب سرعان ما يزول، عند الاقتراب وتلمّس الحالة الجنونية التي تعيشها حكومة «بيبي»، خاصة مع فشلها في تحقيق الأهداف التي سبق وأن أعلنتها للحرب على غزة، والتي على رأسها محو كل مقاومة ووجود لحماس في القطاع، والإفراج عن كل المحتجزين من الإسرائيليين لديها، وهي في الواقع لم تستطع أن تحقق أيا منهما، فلا على المقاومة قضت، ولا عن المحتجزين أفرجت، مع تحفظنا على الاعلان من جانبهم عن الإفراج عن أسيرين في رفح، لم يكونا في قبضة «القسام»، حتى أن وزير الخارجية الأميركي صرح: «لا يوجد حل عسكري بشأن حماس».

هذا الفشل الذريع في تحقيق الأهداف، رافقه صمود المقاومة المذهل، والذي أثار إعجاب الجميع، بمن فيهم الأعداء قبل الأصدقاء، خصوصا في ضوء أدائها البطولي، وعملها الرجولي، الذي شهد به القاصي قبل الداني، هذا إلى جانب ما تقوم به مجموعات المقاومة في المنطقة، خاصة من الجهة الشمالية لإسرائيل والمتمثلة في حزب الله، الذي أشعل جبهته في عمليات مختلفة، قدم على إثرها الكثير من الشهداء، وهو ما حدا برئيس الأركان، هذا الأسبوع، بنقل الفرقة المدرعة 36، وهي أكبر فرقة نظامية في الجيش الاسرئيلي، من غزة إلى الحدود مع لبنان، تحسبا لاندلاع مواجهة أكبر مع الحزب، كذلك ما يقوم به اليمنيون في البحر الأحمر من تعطيل بعض المصالح الأميركية والبريطانية، وإصابة بعض الأهداف العسكرية بصواريخ دقيقة، لدرجة أن قائد الأسطول الأميركي في اليمن قال إن صواريخ الحوثي «متطورة تصيب أهدافها بدقة».

ولم يكتف «الحوثي» بذلك بل إنه صرح على لسان أحد أعضائه، منذ يومين «فلتعلموا أن مسارنا التصعيد، فلطالما استمر القتل والظلم، فستتسع عملياتنا وفق المعطيات الميدانية». وأضاف «العمليات مستمرة حتى إيصال الغذاء والدواء والاحتياجات الإنسانية لكل القطاع».

ولا ننسى في خضم كل هذه الأحداث، الخلافات التي بدأت تطفو على السطح بين نتانياهو والإدارة الأميركية والتي بدأت تأخذ منحى تصاعديا غير مسبوق، حتى أن بايدن وصف نتانياهو مؤخرا بـ«الرجل السيئ»، واعتبر أن «الرد العسكري الإسرائيلي في غزة تجاوز الحد»، مشيرا إلى أنه «يضغط لزيادة المساعدات والتوصل لوقف القتال».

إذن المؤشرات كلها تشير إلى تضييق الخناق على نتانياهو وحكومته خاصة مع الخسائر البشرية، وآخرها كمين خانيونس الأخير، والخسائر الاقتصادية وتكاليف الحرب الباهظة، مع تعطل عدد من القطاعات الاقتصادية.

أخيرا.. لا نستطيع أن ننكر صعوبة الحياة، ومدى المأساة التي يعيشها إخواننا الفلسطينيون مع تضييق الخناق عليهم والتهديد باقتحام رفح، وهذا التهديد والاقتحام يعدان آخر مرحلة في «المخاض العسير»، الذي سيتبعه، بمشيئة الله، الانعتاق والتحرير، وسقوط الحكومة الإسرائيلية اليمينية، وظهور الدولة الفلسطينية، إيمانا بـ «سنة الله في كونه» المتمثلة في: أن الشدّة والعسر سيتبعهما فرج ويسر، والظلم والقهر، سيتبعهما تمكين ونصر.مصطفى خطاب

صحفي مصريMoustafafathi1970@gmail.com