+ A
A -

ثمّة علاقة وطيدة بين الفن والجمال وقد احتار الفلاسفة في تعريف ماهية الفن وهل هو انعكاس وتصوير للجمال أم أنه تجربة منفصلة يستطيع المرء أن يخوضها من خلال منظر طبيعي أو مذاق لنكهة ما، وهو ما يميز العمل الفني الذي اعتقد أنه منتج منفصل أوجده الفنان لذلك فإن الفن يتعلق بالفنان بينما الجمال يتعلق بالناظر إليه وهو كل ما يبعث على السعادة ولكن ماذا لو اختلط الفن بالجمال ونقل الفنان ما تراه عيناه جميلاً.. أعتقد من وجهة نظري أن هذا من أبسط أشكال الفنون وأكثرها وصولاً الى القلب، والجمال الرباني هو أرفع وأعلى درجات الجمال بلا جدال.. فالخالق هو الذي أبدع وأنتج هذا الفن وهو ما يجعلنا أمام نتاج متفرد لا يستطيع فنان أو كائن من كان أن يأتي بمثله، ولكننا نستطيع أن نصوره كل بمخيلته وعينيه لنقدمه للمتلقي من زوايا مختلفة. لقد شاهدت بنفسي جزء من الجمال الرباني وهو يتجلى في منظر الغروب في سماء إحدى رياض قطر الساحرة فسارعت إلى الفرشاة والألوان حتى أسجل تفاصيل تلك اللوحة الربانية والتي بفضل الله انتهيت منها مؤخراً، وحرصت على إعادة إنتاج الجمال الرباني المتمثل في لحظة الغروب التي نعشقها جميعاً ونقع في أسر جمالها خاصة وأنها لحظات قليلة تمر علينا يومياً ولكنها تطل في كل يوم بشكل جديد وبرؤية وبتفاصيل مختلفة، والمتأمل للوحة سيجد أن مفرداتها ثابتة فهي لم تعدو تخرج عن مفردة الشجر والسحب والشمس وجميعها مفردات البيئة القطرية، ولكن شكلها النهائي متغير، حيث يتم توظيف المفردات مع بعضها البعض لخلق عمل إبداعي جديد!

فالشمس والصحراء والبحر والجبال والمدينة وغيرها هي مفردات ثابتة ولكن المنضر يتغير كل يوم بقدرة الصانع الذي سخر الكون ليدور في منظومة تجعلنا جميعاً نقف مبهورين أمام صنع الخالق العظيم،بديع السماوات والأرضالذي لا يضاهيه جمال والذي يثبت للفنان أن التميز الحقيقي في الفن هو أن نصل لدرجة من الوعي لنتذوق جمال كل ما حولنا ونعمل على إعادة إنتاجه وتقديمه بصورة إبداعية جديدة.

وفي الحقيقة هناك اعتقاد عند كثير من الناسأن الغروب يدل دائما على النهاية

أعتقد أن هذه النظرة فيها ظلم كبير .. فلماذا لا نقول أن الغروب هو بداية ميلاد القمر ولما لا نرى في الغروب لحظات التقاط الأنفاس والسكينة والتأمل في خلق السموات والأرض.

فلطبيعة تأثير خاص على صحتنا العقلية والنفسية فهي تمدنا بالطاقة الإيجابية وتحسين المزاج العاملذلك لابد للإنسان أن يحظى ببعض الراحة الجسدية والروحية ويتأمل بين الحين والآخر هذا الجمال الرباني الذي يقودنا إلى عوالم مختلفة تعيد تواصلنا بالكون من حولنا بدلاً من حالة الانقطاع التي حولتنا الى ضحايا لنمط الحياة المتسارع …

ودائماً ما يحضرني قول الشاعر:

لله في الآفاق آيات لعل أقلها هو ما إليه هداك…

ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناك…

والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيرا لها أعياك…

ريم العبيدلي فنانة تشكيلية

copy short url   نسخ
18/02/2024
75