بين الحلم وخياله، والواقع وآلامه !. وبعد مضي أكثر من ( 75 ) عاما من الاحتلال الاسرائيلي؛ وقرار التقسيم عام ( 1947)، ثم نكبة عام ( 1948)، والشعب الفلسطيني، ينتظر حل الدولتين ؛ وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم ( 242 ) الصادر في نوفمبر عام ( 1967)، والذي ارتضاه الفلسطينيون والإسرائيليون؛ وباعتباره وثيقة أممية؛ تُلزم إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها منذ (56 ) عاماً. وانقضت عقود زمنية كثيرة، طُرحت خلالها مبادرات عديدة لحل الدولتين؛ ومن أجل رسم مسار للتعايش المشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مرورا باتفاق أوسلو عام ( 1993)، ووصولا إلى مبادرة السلام العربية، التي أقرتها قمة بيروت العربية عام ( 2002)؛ والتي حملت بين طياتها عرضاً عربياً، لإنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي، على أساس الأرض، مقابل إقامة علاقات طبيعية مع العرب، والاعتراف بدولة فلسطينية؛ وفقا للقرار الأممي رقم (242 ).

ومن المؤسف؛ فقد تحطمت كافة مشاريع حل الدولتين، على صخرة مراوغة الاحتلال، وسعيه الدائم لابتلاع باقي الأرض الفلسطينية، من خلال توسعه في بناء المستوطنات، لقتل أي أمل في إقامة دولة فلسطينية مستقلة. وهذا السلوك، يؤكد إصرار الاحتلال على فرض سياسة الأمر الواقع، مع استمرار غطرسة اليمين المتطرف؛ والمشبع بالعقلية الصهيونية، التي ترسخ لدولة يهودية من النيل إلى الفرات، والتعامل مع اليهود الإسرائيليين، الذين يعيشون في الضفة الغربية، بحزمة من القوانين المدنية؛ في حين يتم تطبيق القوانين العسكرية على الفلسطينيين؛ مما يعيد للذاكرة، جريمة الأبارتهايد «الفصل العنصري»، التي عاشتها دولة جنوب إفريقيا، رَدْحاً من الزمن !.

وقد ظن رئيس حكومة الاحتلال نيتانياهو، أنه عندما وقف على منصة الأمم المتحدة، خلال شهر سبتمبر العام الماضي، وهو يلوح بخريطة جديدة للشرق الأوسط، وجاءت خالية من فلسطين؛ فإنه بذلك، توهم قدرته في القضاء على فكرة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة نهائياً، إلا أن أوهامه لم تدم طويلا !. وكرسالة للاحتلال الصهيوني؛ جاءت معركة «طوفان الأقصى»، كالصاعقة على رؤوس اليمين الإسرائيلي المتطرف، بينما كانت وميض ضوء تنير بالأمل قلوب اليائسين، وتمنح قبلة الحياة لقضية الأمتين العربية والإسلامية؛ وتعيد طرح حل الدولتين من جديد.

وتعد مسألة الأمن والسلم الدوليين، أمرا لا ينتطح فيها عنزان؛ ولذا ارتأت الأمم المتحدة، أن الطريق إليه، يمر عبر تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي، في حل الدولتين، وإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي. وقد وضعت إسرائيل يدها على مساحة (78%)، ولم يتبق للفلسطينيين، سوى نسبة (22%)، وهي مساحة الضفة الغربية، وقطاع غزة، بما فيها القدس الشرقية؛ والمحتلة منذ عام( 1967). ومنذ اتفاق أوسلو، والسلطة الفلسطينية تفاوض على إقامة الدولة المستقلة، وبعد ماراثون من المراوغات الصهيونية، حصلت على حكم ذاتي، ناقص السيادة؛ بينما اتسم قطاع غزة بتعقيدات سياسية، وانسحبت منه قوات الاحتلال عام ( 2005) وظل تحت سيطرة حركة المقاومة «حماس».

وحقيقة، كان انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة؛ انسحاباً شكلياً، وتم استبداله بفرض طوق خانق على الشعب الفلسطيني – أقل تكلفة- !. وطوال عقدين من الزمن، والاحتلال لم يهنأ يوما، بما أغتصب من أرض فلسطين !. وما أن يخفت الاهتمام بالقضية الفلسطينية، أو تتراجع على سلم أولويات الأجندة العربية، والإقليمية، والدولية؛ حتى تلقي المقاومة بحجر، فتحرك المياه الراكدة؛ وتعيد قضية الشعب المقهور لنيل حقوقه المشروعة، بإقامة دولته المستقلة، للسطح من جديد. واليوم أصبح الشغل الشاغل للعالم كله، هو الحديث عن «حل الدولتين»، كخيار عملي، ومستدام، ووحيد؛ لأنه لا خيارات أخرى، بديلا عن دولة فلسطينية مستقلة.

ومن أطروحات الماضي، كيان يتمتع فيه الفلسطينيون بحكم ذاتي كامل، منزوع السلاح، يشمل: جميع المناطق ( أ ) و( ب ) و80 -90 % من المنطقة ( ج ) في الضفة الغربية، وقطاع غزة بأكمله. وكان هذا أحد الخيارات؛ التي تبناها بعض الأكاديميين، وربما مسؤولين عرب من قبل، في لحظة يأس، وانسداد أفق حل الدولتين؛ على أمل الوصول إلى مسار آخر يُنهي الاحتلال الإسرائيلي؛ إلا أنه لم يحظ بالقبول الفلسطيني؛ الذي ظل متمسكا بحقه في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس.

ويبدو أن حكمة الزعيم الجنوب الإفريقي نيلسون مانديلا في قوله: «بواسطة إطلاق وميض الضوء لدينا، نحن نقدم للآخرين فرصة للقيام بنفس الأمر»، قد أثرت في وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي حرص خلال زيارته الأخيرة إلى تل أبيب؛ على نصيحة الحكومة الإسرائيلية، بالتحرك نحو حل الدولتين؛ إذا كانت تريد مساعدة شركائها العرب في المنطقة، مع المضي قدمًا في الأمن الدائم. وهذا يتفق مع توجه المجتمع الدولي، وكذلك مع الهدف النهائي للكتلة الأوروبية، المكونة من (27 ) دولة، كما صرح جوزيب بوريل - ممثل الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية.

وإذا كان الروائي البرازيلي – باولو كويلو، قال: «خلقت الفرص لكي تقتنص على الفور». فنحن بدورنا نقول: على العالم - بما فيه أميركا القوى العظمى- اللحاق بالفرصة الأخيرة، وتحويل الحلم إلى واقع، بالضغط على «تل أبيب» من أجل وقف الحرب في غزة، والبحث عن شريك إسرائيلي، بديلا عن حكومة نيتانياهواليمينية المتطرفة، ويرغب في السلام؛ من أجل إنجاز حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، تعيد الاستقرار إلى المنطقة، وتحقق الأمن والسلم الدوليين.