لو لم تكُنْ إنساناً ماذا كنتَ تتمنى أن تكون؟
هذا هو موضوع التعبير الذي طلبتْ مُدرِّسة اللغة العربية من طلابها أن يكتبوه في حصة التعبير!
في البيت كانت المُدرسة تصحح مواضيع طلابها وعندما وصلت إلى موضوع تلميذتها سارة وجدتها قد كتبت ما يلي:
حوِّلني يا الله إلى جوال، أريد أن يطالعني أبي باهتمام عندما يعود مساءً إلى البيت، وأن تمسك أمي بي بكلتا يديها حتى وهي غاضبة من الدنيا كلها، وأن تبحث عني أختي بجنون إذا نظرتْ حولها ولم تجدني، وأن أكون آخر ما يتفقده أخي الكبير قبل أن ينام!
هل تلاحظون معي أن إدماننا للأجهزة الالكترونية، ومواقع التواصل، أوجد فينا بعض البرود العاطفي، وقتل فينا مشاعر إنسانية لذيذة كنا نشعر بها قبل أن تحتل هذه الأجهزة وتلك المواقع هذه المساحة من حياتنا؟!
الجلسات العائلية لم تعد كما كانت قديماً، تجلس العائلة معاً بأجسادها وكل واحد يمسك جواله ويعيش عالمة الافتراضي، الأجساد متلاصقة والعقول والمشاعر غائبة! منذ مدة كانت جدتي في زيارة إلى بيتنا، تذكرتُ كيف كنا قديماً وكيف نحن اليوم، في الماضي كانت هي نافذتنا على العالم، نرجوها أن تخبرنا قصة، وأن تحدثنا عن موقف طريف، كان سماع صوتها سعادة، رؤية ابتسامات بعضنا البعض وهي ترتسم على وجوهنا لذة، أما اليوم فشيء من هذه الإلفة قد مات!
عندما كنت صغيراً، كانت أمي إذا أذَّنَ المغرب تخرج إلى الحارة وتشدني من أذني لتعيدني إلى البيت، كنتُ أريد أن ألعب أكثر، كانت المباريات جميلة، كنا نتشاجر ونتصالح، نسعد بالفوز ونحزن للهزيمة، وكان لنا أصدقاء نشعر بالفراغ إذا غابوا، ما يحدث اليوم هو العكس، منذ مدة أخذتُ الآيباد من يد ابني، وقلتُ له اذهبْ إلى الحارة والعبْ مع الأولاد، فذهب على مضض! ثمة طفولة لا يعيشها أولادنا كما يجب، صحيح أن الدنيا تغيرت، والتطور التكنولوجي والحضاري لا يمكن محاربته ولكن يمكن تنظيمه، وهذا ما نفشل به اليوم!
انظروا إلى جلسات الأصدقاء، نحن نخرج مع أصدقائنا بالاسم وإلا أنتم تعرفون أننا نذهب إلى المقاهي والمطاعم ونفتح جوالاتنا، ونأخذ فاصلاً إعلانياً للتحدث مع بعضنا!
جزء من إنسانيتنا ومشاعرنا صار بارداً، حتى الأم تُرضِع ابنها وهي تمسك جوالها وقد كانت قديماً تمسح على رأسه! وأنا كواحد من الآباء أقول نحن نفتقد أولادنا، إنهم لا يهرعون إلينا كما كنا نهرع إلى آبائنا، ولا يرجوننا لنصطحبهم معنا كما كنا نرجو آباءنا، إنهم لا يريدون أن يتركوا أجهزتهم! ولكن الحقيقة المُرَّة التي نغفل عنها هي أن أولادنا أيضاً يفتقدوننا! لقد أخذتنا مواقع التواصل منهم، وإن تعلقهم بأجهزتهم قد يكون بسبب عدم إفساح المجال لهم ليتعلقوا بنا! وإحدى الأشياء المهمة التي لا نلتفتُ لها هي أننا نحاول تنظيم وقت أولادنا بخصوص استعمالهم لأجهزتهم وهذا شيء جميل ولا بد منه، ولكن هل نظمنا أوقاتنا نحن، إننا نعيشُ في الحياة الافتراضية أكثر مما نعيش في الحياة الواقعية، ثم نتذمر من هذا الجفاء الذي نشعر به!
بقلم : أدهم شرقاوي
هذا هو موضوع التعبير الذي طلبتْ مُدرِّسة اللغة العربية من طلابها أن يكتبوه في حصة التعبير!
في البيت كانت المُدرسة تصحح مواضيع طلابها وعندما وصلت إلى موضوع تلميذتها سارة وجدتها قد كتبت ما يلي:
حوِّلني يا الله إلى جوال، أريد أن يطالعني أبي باهتمام عندما يعود مساءً إلى البيت، وأن تمسك أمي بي بكلتا يديها حتى وهي غاضبة من الدنيا كلها، وأن تبحث عني أختي بجنون إذا نظرتْ حولها ولم تجدني، وأن أكون آخر ما يتفقده أخي الكبير قبل أن ينام!
هل تلاحظون معي أن إدماننا للأجهزة الالكترونية، ومواقع التواصل، أوجد فينا بعض البرود العاطفي، وقتل فينا مشاعر إنسانية لذيذة كنا نشعر بها قبل أن تحتل هذه الأجهزة وتلك المواقع هذه المساحة من حياتنا؟!
الجلسات العائلية لم تعد كما كانت قديماً، تجلس العائلة معاً بأجسادها وكل واحد يمسك جواله ويعيش عالمة الافتراضي، الأجساد متلاصقة والعقول والمشاعر غائبة! منذ مدة كانت جدتي في زيارة إلى بيتنا، تذكرتُ كيف كنا قديماً وكيف نحن اليوم، في الماضي كانت هي نافذتنا على العالم، نرجوها أن تخبرنا قصة، وأن تحدثنا عن موقف طريف، كان سماع صوتها سعادة، رؤية ابتسامات بعضنا البعض وهي ترتسم على وجوهنا لذة، أما اليوم فشيء من هذه الإلفة قد مات!
عندما كنت صغيراً، كانت أمي إذا أذَّنَ المغرب تخرج إلى الحارة وتشدني من أذني لتعيدني إلى البيت، كنتُ أريد أن ألعب أكثر، كانت المباريات جميلة، كنا نتشاجر ونتصالح، نسعد بالفوز ونحزن للهزيمة، وكان لنا أصدقاء نشعر بالفراغ إذا غابوا، ما يحدث اليوم هو العكس، منذ مدة أخذتُ الآيباد من يد ابني، وقلتُ له اذهبْ إلى الحارة والعبْ مع الأولاد، فذهب على مضض! ثمة طفولة لا يعيشها أولادنا كما يجب، صحيح أن الدنيا تغيرت، والتطور التكنولوجي والحضاري لا يمكن محاربته ولكن يمكن تنظيمه، وهذا ما نفشل به اليوم!
انظروا إلى جلسات الأصدقاء، نحن نخرج مع أصدقائنا بالاسم وإلا أنتم تعرفون أننا نذهب إلى المقاهي والمطاعم ونفتح جوالاتنا، ونأخذ فاصلاً إعلانياً للتحدث مع بعضنا!
جزء من إنسانيتنا ومشاعرنا صار بارداً، حتى الأم تُرضِع ابنها وهي تمسك جوالها وقد كانت قديماً تمسح على رأسه! وأنا كواحد من الآباء أقول نحن نفتقد أولادنا، إنهم لا يهرعون إلينا كما كنا نهرع إلى آبائنا، ولا يرجوننا لنصطحبهم معنا كما كنا نرجو آباءنا، إنهم لا يريدون أن يتركوا أجهزتهم! ولكن الحقيقة المُرَّة التي نغفل عنها هي أن أولادنا أيضاً يفتقدوننا! لقد أخذتنا مواقع التواصل منهم، وإن تعلقهم بأجهزتهم قد يكون بسبب عدم إفساح المجال لهم ليتعلقوا بنا! وإحدى الأشياء المهمة التي لا نلتفتُ لها هي أننا نحاول تنظيم وقت أولادنا بخصوص استعمالهم لأجهزتهم وهذا شيء جميل ولا بد منه، ولكن هل نظمنا أوقاتنا نحن، إننا نعيشُ في الحياة الافتراضية أكثر مما نعيش في الحياة الواقعية، ثم نتذمر من هذا الجفاء الذي نشعر به!
بقلم : أدهم شرقاوي