يقال إنه سلة غذاء العالم العربي، وسلة غذاء أفريقيا، ويمضي البعض إلى أنه سلة غذاء العالم، ويقال إن في مقدور هذا البلد العربي إطعام مليار شخص إذا ما استثمرت أراضيه وثروته الحيوانية بطريقة سليمة، ومع ذلك فإن حوالي عشرة ملايين سوداني من بين «45.2» مليون نسمة هم عدد سكانه يرزحون تحت وطأة الجوع الحاد.الأزمات السياسية في السودان لا تنتهي، وفيما يعيش العالم رعبا حقيقيا من أزمة غذاء طاحنة بسبب الحرب على أوكرانيا، لا يبدو في الأفق ما يشير إلى أن السودان سوف يمضي قدما في الاستفادة من أراضيه الصالحة للزراعة، والتي تقدر بحوالي «175» مليون فدان، «20 %» منها فقط يتم زراعتها.في لبنان والعراق أوضاع مشابهة فاقمتهما «المحاصصة الطائفية»، ويبدو أن السودان اختار مثله الأعلى فقرر محاصصة من نوع آخر، بمكونين «عسكري ومدني»، لكن هذه المحاصصة فشلت وأصبح «المكون العسكري» هو الحاكم.لا شيء في الأفق يشي بأن الأمور تسير إلى الأمام، ولا شيء على الإطلاق ينبئ بأن السودان قد التقط اللحظة لجذب الاستثمارت الضخمة إلى أراضيه، والعالم ينوء تحت ضغط الأفواه الجائعة، لا شيء من ذلك على الإطلاق، والمشهد ما زال يتكرر يوميا، جنود يرصون الصفوف لمواجهة شعب غاضب ضد انقلاب يريدون من منفذيه تسليم السلطة، وحناجر تهتف «الثورة ثورة شعب، والسلطة سلطة شعب، والعسكر للثكنات»، و«الشعب أقوى والردة مستحيلة»، و«حرية، سلام، وعدالة»، و«لا تفاوض، لا شراكة»، و«لا مساومة»، و«نعم للحكم المدني الديمقراطي».منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه عبدالفتاح البرهان في «25» أكتوبر من العام الماضي، قُتل «114» متظاهراً، وما زالت شوارع الخرطوم ومدن عدة، مفتوحة يوما ومغلقة أياما، وكأن هذا البلد في كوكب آخر، لا يواجه مشكلة غذاء تؤرق الجميع. لا شيء سوى السياسة.. عاشت السياسة.