+ A
A -
نبدأ سطور هذا المقال بأفضل الكلام وأصدق القول، وهو الذكر الحكيم، وآيات من القرآن الكريم إذ يقول المولى عز وجل في سورة الحجرات: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ».
وفي الحديث الشريف، يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً».
«التجسس».. هذا العمل الوضيع الذي نهانا عنه الشرع في الكتاب والسنة مما يدل على حجم إفساده وسوء تبعاته، وتسببه في إثارة البغضاء والحقد والكراهية وغيرها من الصفات المنبوذة وسوء الأخلاق التي قد تصل في نهاية المطاف إلى ما لا تحمد عقباه.
التجسس يفتح باب الفتن والغيبة والنميمة وسوء الظن، ومنها يبني المتجسس مواقفه على معلومات منقوصة ومذمومة، وكأنه يقصد بذلك إحداث الفرقة والانقسام والقطيعة للوصول لأهدافه الدنيئة وتحقيق مطامعه الوضيعة.. وهذه الفئة من الناس التي تعتمد أسلوب «التجسس» هي من تعاني من عقدة النقص والتفكير النجس.. وفعلها شيطاني ورجس!
اختارت الإمارات إنفاق الملايين، بل المليارات، للتجسس على شعبها أولاً وعلى تحركاته وتصرفاته وعلى المقيمين والمواطنين معاً دون استثناء، فالكاميرات في كل مكان وأجهزة التنصت تملأ الجدران، تحصي أنفاسهم، تراقب إحساسهم، تحاسبهم حتى على مشاعرهم، وتعاقبهم إذا أبدوا عواطفهم!
ثم انتقلت لمرحلة أكثر دناءة بالتجسس على دول وشخصيات وانتخابات واجتماعات، ومن ضمن الذين استهدفتهم المؤامرة الظبيانية، بتصرفاتها الصبيانية شخصيات حكومية قطرية، باختراق الهواتف المحمولة، ومتابعة التحركات والتقارير والسفارات، بأسلوب مريض بغيض، ولو أنها أنفقت هذا المال على شعبها وتنميتها والسياسة الهادفة، وليست الهادمة، لأصبحت أبوظبي منارة بارقة وليست كما هي اليوم «إمارة مارقة»..!
لو عملت بالنصوص الشرعية، والأخلاق الإسلامية، والمروءة العربية، لكانت واحة خير وسلام ومحبة وليس لديها ما تخشاه، لكن هي سلكت الطريق الخطأ و«خاشرت» إسرائيل في فكرها، وشاركتها في منهجها، واتفقت معها في سياستها، فنتج عن ذلك روابط أمنية وتنسيق دائم بين الطرفين.
وتهورها أدى إلى تدهورها، وبدأت فضائحها تملأ صفحات وفضائيات الإعلام العالمي، وأصبحت عاصمة منبوذة، الجميع يخشى التعاون معها أو الوثوق بها نتيجة اعتمادها على المؤامرات والتجسس والغدر في سياساتها الخارجية.
وما تم الكشف عنه مؤخرا من قيام أبوظبي بالتجسس على شخصيات سيادية وحكومية وانتخابات وقبلها قرصنة مواقع ووكالات.. هذه الأخبار لم تبثها الجزيرة أو الصحافة القطرية، حتى يقول قائل إنها تفتقد للحياد، باعتبار قطر طرفا في الأزمة، ولكن جاءت من صحف ومجلات أميركية وأوروبية، عمرها الإعلامي أكبر من عمر دولة الإمارات كلها، والمصداقية والموضوعية هما رأس مالها وسبب سمعتها، ومكانتها وقوتها وشعبيتها، بعكس أبوظبي التي تنتهج الكذب والفجور، مما جعلهما ضمن شعاراتها، وربما قريبا يدخلان في نشيدها الوطني!
ما نسمع عنه اليوم ليس سوى حلقة من مسلسل عقيم، وهو يعيدنا لمسببات الأزمة الخليجية التي بدأت بعملية إرهاب إلكترونية وقرصنة لموقع وكالة الأنباء القطرية، واليوم تؤكد هذه التقارير الإعلامية أن هذه الممارسات العدوانية كانت موجودة حتى في أيام الصلح والسلام، مما يعني بأنهم ليس لهم أمان!
حصار قطر من قبل اربع دول هي: السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ودور الإمارات ممثلة بمحمد بن زايد بالتحديد، أعاد إلى الذاكرة قضية محاولات أبوظبي زعزعة استقرار سلطنة عمان قبل سنوات، لكن مخابرات السلطنة كانت لهم بالمرصاد، ونجحت في تفكيك شبكة التجسس التي تقف وراءها «جنود الإمارات.. البواسل»!!
وتبيّن لاحقا أن مهمتها كانت أكثر من جمع المعلومات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية عن سلطنة عمان، حيث استهدفت كسب ولاءات ضباط وسياسيين عمانيين، لخدمة مشروع استراتيجي، يتمثل في احتواء سلطنة عمان ومصادرة قرارها وسيادتها.
وكعادته تدخل حكيم الخليج وأمير الإنسانية سمو الشيخ صباح الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت، في احتواء الأزمة بجهود خيرة ليست غريبة عنه، للحفاظ على منظومة مجلس التعاون، ومع ذلك يبدو أن أبوظبي لم تعِ الدرس ولم تبادر إلى الاستفادة من الأخطاء، بدليل قيادتها عملية حصار قطر لاحقا.. مما يعني أن بذور الشر مغروسة لديهم، وغرورهم وحقدهم وغيرتهم تغذيها.. من أجل حلم التوسع والسيطرة على المنطقة وهو مثل «حلم إبليس بالجنة»!
ما يتم تداوله حاليا عن عمليات التجسس الإماراتية، والصلات الأمنية مع إسرائيل، والتي كشفت عنها صحيفة «نيويورك تايمز» المعروفة برصانتها وصدقيتها، يؤكد أن أبوظبي سلكت هذا الطريق منذ سنوات عدة، والآن فإن ربط الأحداث ببعضها البعض سوف يضعنا أمام حقائق مختلفة ومخجلة، من بينها أن العلاقات مع إسرائيل قديمة تعود لسنوات خلت، عندما استطاع الإسرائيليون ان يوجدوا موطئ قدم في دولة الإمارات من خلال مستشارين أمنيين وعاملين في مشاريع أمنية، رأوا أن الفرصة متاحة لتقديم تصورات استراتيجية لبعض الشخصيات المتنفذة في أبو ظبي، فيما يتعلق بضمان الأمن الاستراتيجي لدولة الإمارات، وكان من بين ما طرحوه التدخل في شؤون سلطنة عمان وزعزعة استقرارها، حتى تجد الإمارات نفسها الدولة الأقوى والأكثر نفوذا على بحر العرب والمحيط الهادئ، وصولا إلى الحدود اليمنية.. علماً بأنها حتى وقت قريب كانت مسفوهة وغير معترف بها كدولة، بل إن أكبر اسم لها في ذلك الوقت هو «ساحل عمان»..!!
السؤال الآن: ما هو مكسب إسرائيل من هذه الخطة؟
حسب خبراء تل أبيب فإن مثل هذا التغيير في الجغرافيا السياسية والديمغرافية من شأنه أن يعزز فكرة خلق قوة أمنية وسياسية في المنطقة لمواجهة إيران، فكانت شبكة التجسس في سلطنة عمان، وكانت حرب اليمن، ومحاولة اقتطاع عدن وسقطرى.
كل هذا القتل في اليمن كان لهدف أبعد وأشمل، فهو في محصلته خدمة لمشروع صهيوني، تم تتويجه بما يعرف بـ«صفقة القرن»، كدفعة أولى على الحساب «عربون»، لإثبات حسن النوايا من جانب الإمارات تجاه مغتصب الأرض العربية، وعندما نتحدث عن هذه الأفكار الشيطانية فلابد أن نتذكر فورا مستشار أبوظبي الأمني محمد دحلان، مخطط المؤامرات ومدبّر الانقلابات!
واستمر التنسيق مع إسرائيل لمواصلة عملية التجسس المكلفة لسببين:
أولا: مراقبة أي شخص في الإمارات من لحظة خروجه من منزله إلى حين عودته إلى بيته، وفي هذا الصدد يشير تقرير «نيويورك تايمز» إلى أن الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور كشف في عام 2016 عن استخدام الإمارات تكنولوجيا التجسس للشركة الإسرائيلية «NSO غروب»، حيث لاحظ رسائل غريبة للقرصنة على هاتفه «آي فون»، واعتقلته الإمارات في العام التالي، بتهم لا علاقة لها بالقرصنة.
ثانيا: مراقبة مسؤولين في دول أخرى بغرض إحداث تغييرات تلبي أطماع أبوظبي، وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنه بحسب الرسائل الإلكترونية، فإن الإماراتيين طلبوا التجسس على مكالمات رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، الذي اتُهم بأنه لم يقم بما فيه الكفاية للحد من تأثير حزب الله وإيران في لبنان، كما استهدف الإماراتيون السعودية أيضا، فقد سأل الإماراتيون شركة «أن أس أو غروب» الإسرائيلية إن كانت النسخة المحسنة تستطيع اختراق هاتف رئيس الحرس الوطني في حينه الأمير متعب بن عبدالله، الذي كان مرشحا لوراثة العرش، وكان الإماراتيون يدعمون محمد بن سلمان، الذي قام العام الماضي بعزل الأمير متعب عن قيادة الحرس الوطني.
وفي حادثة طريفة وحقيقية ذات صلة بالموضوع، لدي صديق وزميل عزيز من جنسية عربية، كان يقيم في أبوظبي، وأثناء وجودي هناك لمناسبة رياضية وقبل أزمة سحب السفراء 2014 بشهرين .. قام مشكورا بدعوتي على العشاء في أحد مطاعم أبوظبي للحديث عن ذكرياتنا بالقاهرة .. في وقت مضى، ورغم أن الحديث لم يتجاوز قصصا عن النيل والحسين والكشري والمشلتت ..
وإذا به يدخل في دوامة من التحقيقات انتهت بترحيله أو رحيله من تلقاء نفسه بعد أن شعر بالإهانة نتيجة أوهام أمنية معشعشة في أجهزة قائمة على مراقبة الناس وعقولهم وألسنتهم ومشاعرهم ..!
لقد وقعت الإمارات، وكله بحسب نيويورك تايمز، عقدا للحصول على رخصة برنامج الشركة في أغسطس 2013، وبعد عام طلبت شركة بريطانية مرتبطة بـ «NSO غروب» من الإمارات دفعة سادسة، وهي «3» ملايين دولار بناء على العقد الأصلي، ما يشير إلى أن ثمن الرخصة الإجمالي يصل إلى 18 مليون دولار.
يلفت التقرير إلى أنه تمت القرصنة على وكالة الأنباء القطرية، ونشر كلمة مفبركة لصاحب السمو، وتكشف الرسائل عن محاولات الإماراتيين مراقبة هواتف شخصيات قطرية، بما في ذلك محاولة التجسس على هاتف صاحب السمو، منذ عام 2014، وبقية القصة معروفة وكان من أبرز نتائجها تمزيق عرى التعاون والأخوة بين الأشقاء في الخليج في الوقت الذي كانت شعوبنا تتطلع فيه إلى مزيد من التكامل.
تجسس أبوظبي أو ما يعرف بـ «EMIRATEGATE» على وزن فضيحة «WATERGATE» والتي قامت بها على قطر وسلطنة عمان ومسؤولين في دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، أمر يفتقد للقيم والأخلاق، وهو انتهاك للخصوصية يحتاج إلى ردع من قبل الأسرة الدولية بأسرها..
ويذكرنا بأبرز قضايا التجسس في العالم وأشهرها ووترجيت التي حدثت في أميركا 1972 و«طار» فيها الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون نتيجة قراره بالتجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي قبيل الانتخابات.
وكذلك لا ننسى ما حدث في لندن 2011 حيث التنصت على هواتف المشاهير من قبل شركة وورلدنيوز التي يملكها رجل الأعمال والإعلام اليهودي روبرت مردوخ، وهو بالمناسبة مالك سكاي نيوز التي تشاركه أبوظبي فيها، مما يوجد رابطا بينهما في الخباثة والتجسس والطباع المشتركة!
وأبوظبي منطلقة بقوة على هذا النهج، فهي تتجسس على قيادات وحكومات وانتخابات.. وسيأتي يوم لا ينفع فيه الندم.. فلن يتم السكوت على هذه الممارسات المرفوضة إنسانيا وقانونيا.. وسيتم تقليم أظافرها لتعود لحجمها الطبيعي وحينها ستعلم أن مرآة الطمع صورتها على أنها أسد وله أنياب.. وهي في الحقيقة.. قطة بلا مخالب!
آخر نقطة..
لمن يريد أن يعرف كيف هي صفات المتخاصمين في الأزمة الخليجية، فلينظر إلى رأسي حلف الحصار، سيجد الرياض تسير في طريق «التسييس» للحج والعمرة، ويرى أبوظبي ماضية في نهج «التيسّس» كما ينطقونها بلهجتهم ورمستهم الغاوية!
حتى في «التيسّس» موزعون الأدوار..
الإمارات تخصصت في اختراق الهواتف والمواقع والتنصت على الآخرين.. والسعودية تفرغت لقرصنة الشاشات وسرقة حقوق البث والمباريات في وضح النهار..
واحد يدعي أنه يمثّل الدين، والآخر محاربة الإرهاب
والاثنان اشتهرا بالسرقة والتجسس والخبث وانتهاك حقوق الإنسان.. وسيأتي يوم يقعون في شر أعمالهم.. وتقتص منهم شعوبهم.. ونعلم أنهم كرهوا قطر لأنها أصبحت منارة للعلم والمعرفة والعدل وكعبة للمضيوم.. وما نقول إلا الله يحفظ بلادنا وأميرنا.. وعسى اللي بلاهم يعافينا.
بقلم:محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
وفي الحديث الشريف، يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً».
«التجسس».. هذا العمل الوضيع الذي نهانا عنه الشرع في الكتاب والسنة مما يدل على حجم إفساده وسوء تبعاته، وتسببه في إثارة البغضاء والحقد والكراهية وغيرها من الصفات المنبوذة وسوء الأخلاق التي قد تصل في نهاية المطاف إلى ما لا تحمد عقباه.
التجسس يفتح باب الفتن والغيبة والنميمة وسوء الظن، ومنها يبني المتجسس مواقفه على معلومات منقوصة ومذمومة، وكأنه يقصد بذلك إحداث الفرقة والانقسام والقطيعة للوصول لأهدافه الدنيئة وتحقيق مطامعه الوضيعة.. وهذه الفئة من الناس التي تعتمد أسلوب «التجسس» هي من تعاني من عقدة النقص والتفكير النجس.. وفعلها شيطاني ورجس!
اختارت الإمارات إنفاق الملايين، بل المليارات، للتجسس على شعبها أولاً وعلى تحركاته وتصرفاته وعلى المقيمين والمواطنين معاً دون استثناء، فالكاميرات في كل مكان وأجهزة التنصت تملأ الجدران، تحصي أنفاسهم، تراقب إحساسهم، تحاسبهم حتى على مشاعرهم، وتعاقبهم إذا أبدوا عواطفهم!
ثم انتقلت لمرحلة أكثر دناءة بالتجسس على دول وشخصيات وانتخابات واجتماعات، ومن ضمن الذين استهدفتهم المؤامرة الظبيانية، بتصرفاتها الصبيانية شخصيات حكومية قطرية، باختراق الهواتف المحمولة، ومتابعة التحركات والتقارير والسفارات، بأسلوب مريض بغيض، ولو أنها أنفقت هذا المال على شعبها وتنميتها والسياسة الهادفة، وليست الهادمة، لأصبحت أبوظبي منارة بارقة وليست كما هي اليوم «إمارة مارقة»..!
لو عملت بالنصوص الشرعية، والأخلاق الإسلامية، والمروءة العربية، لكانت واحة خير وسلام ومحبة وليس لديها ما تخشاه، لكن هي سلكت الطريق الخطأ و«خاشرت» إسرائيل في فكرها، وشاركتها في منهجها، واتفقت معها في سياستها، فنتج عن ذلك روابط أمنية وتنسيق دائم بين الطرفين.
وتهورها أدى إلى تدهورها، وبدأت فضائحها تملأ صفحات وفضائيات الإعلام العالمي، وأصبحت عاصمة منبوذة، الجميع يخشى التعاون معها أو الوثوق بها نتيجة اعتمادها على المؤامرات والتجسس والغدر في سياساتها الخارجية.
وما تم الكشف عنه مؤخرا من قيام أبوظبي بالتجسس على شخصيات سيادية وحكومية وانتخابات وقبلها قرصنة مواقع ووكالات.. هذه الأخبار لم تبثها الجزيرة أو الصحافة القطرية، حتى يقول قائل إنها تفتقد للحياد، باعتبار قطر طرفا في الأزمة، ولكن جاءت من صحف ومجلات أميركية وأوروبية، عمرها الإعلامي أكبر من عمر دولة الإمارات كلها، والمصداقية والموضوعية هما رأس مالها وسبب سمعتها، ومكانتها وقوتها وشعبيتها، بعكس أبوظبي التي تنتهج الكذب والفجور، مما جعلهما ضمن شعاراتها، وربما قريبا يدخلان في نشيدها الوطني!
ما نسمع عنه اليوم ليس سوى حلقة من مسلسل عقيم، وهو يعيدنا لمسببات الأزمة الخليجية التي بدأت بعملية إرهاب إلكترونية وقرصنة لموقع وكالة الأنباء القطرية، واليوم تؤكد هذه التقارير الإعلامية أن هذه الممارسات العدوانية كانت موجودة حتى في أيام الصلح والسلام، مما يعني بأنهم ليس لهم أمان!
حصار قطر من قبل اربع دول هي: السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ودور الإمارات ممثلة بمحمد بن زايد بالتحديد، أعاد إلى الذاكرة قضية محاولات أبوظبي زعزعة استقرار سلطنة عمان قبل سنوات، لكن مخابرات السلطنة كانت لهم بالمرصاد، ونجحت في تفكيك شبكة التجسس التي تقف وراءها «جنود الإمارات.. البواسل»!!
وتبيّن لاحقا أن مهمتها كانت أكثر من جمع المعلومات العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية عن سلطنة عمان، حيث استهدفت كسب ولاءات ضباط وسياسيين عمانيين، لخدمة مشروع استراتيجي، يتمثل في احتواء سلطنة عمان ومصادرة قرارها وسيادتها.
وكعادته تدخل حكيم الخليج وأمير الإنسانية سمو الشيخ صباح الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت، في احتواء الأزمة بجهود خيرة ليست غريبة عنه، للحفاظ على منظومة مجلس التعاون، ومع ذلك يبدو أن أبوظبي لم تعِ الدرس ولم تبادر إلى الاستفادة من الأخطاء، بدليل قيادتها عملية حصار قطر لاحقا.. مما يعني أن بذور الشر مغروسة لديهم، وغرورهم وحقدهم وغيرتهم تغذيها.. من أجل حلم التوسع والسيطرة على المنطقة وهو مثل «حلم إبليس بالجنة»!
ما يتم تداوله حاليا عن عمليات التجسس الإماراتية، والصلات الأمنية مع إسرائيل، والتي كشفت عنها صحيفة «نيويورك تايمز» المعروفة برصانتها وصدقيتها، يؤكد أن أبوظبي سلكت هذا الطريق منذ سنوات عدة، والآن فإن ربط الأحداث ببعضها البعض سوف يضعنا أمام حقائق مختلفة ومخجلة، من بينها أن العلاقات مع إسرائيل قديمة تعود لسنوات خلت، عندما استطاع الإسرائيليون ان يوجدوا موطئ قدم في دولة الإمارات من خلال مستشارين أمنيين وعاملين في مشاريع أمنية، رأوا أن الفرصة متاحة لتقديم تصورات استراتيجية لبعض الشخصيات المتنفذة في أبو ظبي، فيما يتعلق بضمان الأمن الاستراتيجي لدولة الإمارات، وكان من بين ما طرحوه التدخل في شؤون سلطنة عمان وزعزعة استقرارها، حتى تجد الإمارات نفسها الدولة الأقوى والأكثر نفوذا على بحر العرب والمحيط الهادئ، وصولا إلى الحدود اليمنية.. علماً بأنها حتى وقت قريب كانت مسفوهة وغير معترف بها كدولة، بل إن أكبر اسم لها في ذلك الوقت هو «ساحل عمان»..!!
السؤال الآن: ما هو مكسب إسرائيل من هذه الخطة؟
حسب خبراء تل أبيب فإن مثل هذا التغيير في الجغرافيا السياسية والديمغرافية من شأنه أن يعزز فكرة خلق قوة أمنية وسياسية في المنطقة لمواجهة إيران، فكانت شبكة التجسس في سلطنة عمان، وكانت حرب اليمن، ومحاولة اقتطاع عدن وسقطرى.
كل هذا القتل في اليمن كان لهدف أبعد وأشمل، فهو في محصلته خدمة لمشروع صهيوني، تم تتويجه بما يعرف بـ«صفقة القرن»، كدفعة أولى على الحساب «عربون»، لإثبات حسن النوايا من جانب الإمارات تجاه مغتصب الأرض العربية، وعندما نتحدث عن هذه الأفكار الشيطانية فلابد أن نتذكر فورا مستشار أبوظبي الأمني محمد دحلان، مخطط المؤامرات ومدبّر الانقلابات!
واستمر التنسيق مع إسرائيل لمواصلة عملية التجسس المكلفة لسببين:
أولا: مراقبة أي شخص في الإمارات من لحظة خروجه من منزله إلى حين عودته إلى بيته، وفي هذا الصدد يشير تقرير «نيويورك تايمز» إلى أن الناشط الحقوقي الإماراتي أحمد منصور كشف في عام 2016 عن استخدام الإمارات تكنولوجيا التجسس للشركة الإسرائيلية «NSO غروب»، حيث لاحظ رسائل غريبة للقرصنة على هاتفه «آي فون»، واعتقلته الإمارات في العام التالي، بتهم لا علاقة لها بالقرصنة.
ثانيا: مراقبة مسؤولين في دول أخرى بغرض إحداث تغييرات تلبي أطماع أبوظبي، وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنه بحسب الرسائل الإلكترونية، فإن الإماراتيين طلبوا التجسس على مكالمات رئيس وزراء لبنان سعد الحريري، الذي اتُهم بأنه لم يقم بما فيه الكفاية للحد من تأثير حزب الله وإيران في لبنان، كما استهدف الإماراتيون السعودية أيضا، فقد سأل الإماراتيون شركة «أن أس أو غروب» الإسرائيلية إن كانت النسخة المحسنة تستطيع اختراق هاتف رئيس الحرس الوطني في حينه الأمير متعب بن عبدالله، الذي كان مرشحا لوراثة العرش، وكان الإماراتيون يدعمون محمد بن سلمان، الذي قام العام الماضي بعزل الأمير متعب عن قيادة الحرس الوطني.
وفي حادثة طريفة وحقيقية ذات صلة بالموضوع، لدي صديق وزميل عزيز من جنسية عربية، كان يقيم في أبوظبي، وأثناء وجودي هناك لمناسبة رياضية وقبل أزمة سحب السفراء 2014 بشهرين .. قام مشكورا بدعوتي على العشاء في أحد مطاعم أبوظبي للحديث عن ذكرياتنا بالقاهرة .. في وقت مضى، ورغم أن الحديث لم يتجاوز قصصا عن النيل والحسين والكشري والمشلتت ..
وإذا به يدخل في دوامة من التحقيقات انتهت بترحيله أو رحيله من تلقاء نفسه بعد أن شعر بالإهانة نتيجة أوهام أمنية معشعشة في أجهزة قائمة على مراقبة الناس وعقولهم وألسنتهم ومشاعرهم ..!
لقد وقعت الإمارات، وكله بحسب نيويورك تايمز، عقدا للحصول على رخصة برنامج الشركة في أغسطس 2013، وبعد عام طلبت شركة بريطانية مرتبطة بـ «NSO غروب» من الإمارات دفعة سادسة، وهي «3» ملايين دولار بناء على العقد الأصلي، ما يشير إلى أن ثمن الرخصة الإجمالي يصل إلى 18 مليون دولار.
يلفت التقرير إلى أنه تمت القرصنة على وكالة الأنباء القطرية، ونشر كلمة مفبركة لصاحب السمو، وتكشف الرسائل عن محاولات الإماراتيين مراقبة هواتف شخصيات قطرية، بما في ذلك محاولة التجسس على هاتف صاحب السمو، منذ عام 2014، وبقية القصة معروفة وكان من أبرز نتائجها تمزيق عرى التعاون والأخوة بين الأشقاء في الخليج في الوقت الذي كانت شعوبنا تتطلع فيه إلى مزيد من التكامل.
تجسس أبوظبي أو ما يعرف بـ «EMIRATEGATE» على وزن فضيحة «WATERGATE» والتي قامت بها على قطر وسلطنة عمان ومسؤولين في دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، أمر يفتقد للقيم والأخلاق، وهو انتهاك للخصوصية يحتاج إلى ردع من قبل الأسرة الدولية بأسرها..
ويذكرنا بأبرز قضايا التجسس في العالم وأشهرها ووترجيت التي حدثت في أميركا 1972 و«طار» فيها الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون نتيجة قراره بالتجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي قبيل الانتخابات.
وكذلك لا ننسى ما حدث في لندن 2011 حيث التنصت على هواتف المشاهير من قبل شركة وورلدنيوز التي يملكها رجل الأعمال والإعلام اليهودي روبرت مردوخ، وهو بالمناسبة مالك سكاي نيوز التي تشاركه أبوظبي فيها، مما يوجد رابطا بينهما في الخباثة والتجسس والطباع المشتركة!
وأبوظبي منطلقة بقوة على هذا النهج، فهي تتجسس على قيادات وحكومات وانتخابات.. وسيأتي يوم لا ينفع فيه الندم.. فلن يتم السكوت على هذه الممارسات المرفوضة إنسانيا وقانونيا.. وسيتم تقليم أظافرها لتعود لحجمها الطبيعي وحينها ستعلم أن مرآة الطمع صورتها على أنها أسد وله أنياب.. وهي في الحقيقة.. قطة بلا مخالب!
آخر نقطة..
لمن يريد أن يعرف كيف هي صفات المتخاصمين في الأزمة الخليجية، فلينظر إلى رأسي حلف الحصار، سيجد الرياض تسير في طريق «التسييس» للحج والعمرة، ويرى أبوظبي ماضية في نهج «التيسّس» كما ينطقونها بلهجتهم ورمستهم الغاوية!
حتى في «التيسّس» موزعون الأدوار..
الإمارات تخصصت في اختراق الهواتف والمواقع والتنصت على الآخرين.. والسعودية تفرغت لقرصنة الشاشات وسرقة حقوق البث والمباريات في وضح النهار..
واحد يدعي أنه يمثّل الدين، والآخر محاربة الإرهاب
والاثنان اشتهرا بالسرقة والتجسس والخبث وانتهاك حقوق الإنسان.. وسيأتي يوم يقعون في شر أعمالهم.. وتقتص منهم شعوبهم.. ونعلم أنهم كرهوا قطر لأنها أصبحت منارة للعلم والمعرفة والعدل وكعبة للمضيوم.. وما نقول إلا الله يحفظ بلادنا وأميرنا.. وعسى اللي بلاهم يعافينا.
بقلم:محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول