دعا جوزف فوتيل قائد القيادة المركزية الأميركية، خلال اجتماع ما أطلق عليه القمة العسكرية في الكويت لـ 6+3، في الثاني عشر من سبتمبر الجاري، ويقصد بها دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر والأردن والولايات المتحدة الأميركية، دعا دول الخليج إلى وضع خلافاتها جانباً، ورص الصفوف لمواجهة حاسمة مع إيران، وهذا ليس أول اجتماع تحضره قطر، وبدون أي تحفّظ واستجابة كاملة غير مشروطة، من دول المحور، فقد سبقه لقاء في جدة، في شهر أغسطس الماضي.
وهو يُشير إلى قضية تقييم الدور الأميركي، حين يحتاج إلى جمع هذه الأطراف أو لا يحتاج لذلك، وفقاً لمصالحه القومية الخاصة، ولن نُطيل في هذا الجدل غير أن التقييم الموضوعي يُدرك، أن واشنطن لا يزال موقفها حاسماً في فك الاشتباك الخليجي، حتى مع توتّر وتصعيد الأجواء الإعلامية، والتي باتت مرتبطة اليوم بالوضع الداخلي السعودي، ومسألة تسلم ولي العهد العرش، وقياسات فريقه، على ما الذي يحتاجه في سياساته الخارجية والداخلية، قبل إعلانه ملكاً ثامناً للسعودية.
وهناك مساحة غامضة غير مفهومة، في تصعيدات فريق ولي العهد السعودي، فالمفترض أن استمرار توتير الوضع الوطني الداخلي، وزيادة اضطراباته، والتي بلغت أوجها بالسعي لإعدام الرموز الدينية للمجتمع، وخاصة العلامة سلمان العودة، الذي لا يُمثل رمزاً فقهيا أو وعظيا، بقدر ما كان داعية إصلاح فكري وأخلاقي، ساهمت جهوده وخطابه، في استقرار المجتمع الوطني السعودي، وانسجام شرائحه وأقاليمه بخطاب حضاري إسلامي معتدل.
وهذا لا ينفي عن البقية، من معتقلي الخطاب الإسلامي، مشاركات إيجابية فعّالة في هذا الصدد، لكن الشيخ العودة كان رائداً لتلك التوجهات، التي ابتعدت عن الاشتباك السياسي، والخطاب التحريضي على مكونات السعودية الفكرية، وعليه فإن التصعيد غير المسبوق ضده، تصدّر ضمن لائحة الاهتمام العالمي، إضافة إلى اعتقال الرموز الوطنية الاجتماعية، كالدكتور الحامد ود. إبراهيم المديميغ وعزيزة اليوسف وجميل الفارسي وغيرهم،
والعشرات الذين وحدّهم الاعتقال مع التيار الديني الواسع الانتشار، ثم أضيف مؤخراً استهداف الباحث الإعلامي سلطان الجميري، الذي شكّل مع رفيقه عبد الله المالكي، أحد دعامات المعرفة السعودية الحديثة، بين الشباب، والرؤى الفكرية التجديدية عن الإسلام والمواطنة الدستورية.
هذه المساحة من الغموض، تتجه إلى السؤال القديم الجديد، ما الذي يحمل ولي العهد السعودي على مواصلة التوتير المجتمعي، وربطه بقضيته مع قطر، في حين أن أحد أسس الانتقال في السلطة، أن يتم التحضير لها، بتخفيض التوتر، وخاصة أن كل ما يقال عن منافسة حقيقية له، لا يوجد لها أرضية صلبة، بقدر ما هي حملات إعلامية، ساهمت سياسة الرياض في تحشيدها، بدلاً من البدء بمرحلة مختلفة يحتاجها العهد الجديد.
هذا ملف واسع لن نحسمه في هذا المقال، لكن الرابط هنا، هو أن واشنطن، التي فرضت لقاءات المواجهة مع إيران، قادرة على فك الاشتباك، لو كان ضرورة استراتيجية لها، ولكنه ليس كذلك، ففرص استحلاب الأزمة لا تزال قائمة!
وهنا يبرز سؤال التحشيد، بعد أن نؤكد على كارثية المسار، الذي تختطه تفاعلات الأزمة الخليجية، على المستوى القومي لمصالح أهل الخليج وكل العرب، وأن الاستنزاف مستمر في جدول متدفق لا يتوقف، خاصة في ظل ما شكلته ذكرى حدث التاسع من سبتمبر 2001، والملفات الأمنية الخطيرة التي قدمتها دول الخليج، في حملتها الإعلامية المتبادلة، لاتهامات الإرهاب الأميركية.
وهناك سؤال مهم عن غرض واشنطن من هذا التحشيد، هل هو إعداد لحملة عسكرية ضد إيران؟
أم أنه رسالة ضغط مركزية، ترفع من بطاقات التهديد، لتحقيق اختراق في المفاوضات السرية القائمة أو المجمدة؟
حَضَرت مسقط القمة رغم موقفها المعروف، والذي تعامل معه الأميركيون سابقاً باهتمام خاص، ولم يتغير موقف مسقط من حيادها، في حال حصل أي اشتباك عسكري حقيقي، وهي التي ترفض أي حرب عسكرية مع إيران، وهو موقف ذكّرنا به سابقا، كبنية أساسية للمصالح العربية والقُطرية لكل الخليج العربي، وهو أن الحرب العسكرية هي خيار غربي مدمر، لا يخدم المنطقة وإنما يفتحها على الجحيم.
والفرق هنا بين الموقف الخاص بمسقط، والموقف القومي العام للمنطقة، هو الإيمان الكلي، بحجم جريمة إيران في أزمات المنطقة، وخاصة الصراعات الطائفية والاجتماعية، ومساندتها للاحتلال الأميركي للعراق والروسي لسوريا، وكل ما صاحبه من جرائم حرب، وتورط بقية الأطراف لا يعني تبرأت إيران من جرائمها التاريخية.
غير أن الخط الثاني في هذا المسار، وهو الراجح بصورة كبيرة، هو أن واشنطن ترفع تكلفة الضغط على طهران، لتخضع لتسوية مع واشنطن، فالأميركيون ورغم انفتاح طهران على وساطة مسقط المؤكدة، يراقبون خسائرهم الإقليمية الذي لم يمنعها، الحساب الخليجي المفتوح، لاستنزاف أكبر مستوى من ميزانية الشعوب والأجيال.
لكن فقدانهم لكردستان العراق، ومضي المشروع الروسي بقوة ما بعد إدلب، بما فيه إعادة التوطين الجزئي، الذي بدأ اليوم دون إعلان، والمشهد الذي ستسفر عنه سوريا ما بعد الثورة، يُقلق صناعة القرار الاستراتيجي في واشنطن، حين تُضم دمشق رسميا لنفوذ روسيا المطلق، كأوزبكستان وغيرها.
وهذا يتزامن مع توتر متصاعد، مع حليف تاريخي في المنطقة، وهو الجمهورية التركية الحديثة، والذي لم يعد يستطيع كحليف، أن يقيس على حساباته مع واشنطن، بعد أن رأى ما فعله ترامب في الاقتصاد التركي، والترويع المحلي والعالمي، ضد العملة الوطنية الذي لا يزال تحت الضغط.
ورغم حرص أنقرة على عدم فقدان الجسر الأميركي التاريخي، على مستوى الناتو أو العلاقات الثنائية، غير أن ذلك لا يغيّر من واقع سياستها الإقليمية، رغم صلف موسكو وتنسيقها الثنائي مع طهران والنظام، قبل مراعاة أي مصالح مع تركيا، باعتبار أن موسكو هي من يملك القوة على الأرض في مستقبل سوريا، وأن تحييد هذا الملف لصالح المشاعر والمخاوف القومية التركية.
وإعادة توطين من لم تشمله خطة التجنيس التركي للسوريين، بعد أن ضمنت موسكو لتركيا، إسقاط المغامرة الكردية في الشمال السوري، وهو ما فعلته طهران في شمال العراق.
البعد الثاني لتركيا مع موسكو، هو تعويضها في مناطق ما يصطلح عليه (الأمة التركية)، وهو البعد التركي الجامع للأصول العرقية، لشعوب وأقاليم عديدة تتحد مع أتراك الجمهورية، في الأرومة الكبرى، وهي مساحات واسعة من الاقتصاد التبادلي الخاضع لنفوذ روسيا السياسي، هذا التوجه على الأقل سيُكرس، حتى تتبين أنقرة مستقبلها مع الحليف الأميركي، دون أن تخاطر بخسارة موسكو، وهو ما خضعت له معادلة إدلب النهائية.
وعليه فإن هذا الوحل الإقليمي قد يخرج منه اللاعبون الكبار، كلٌ وإمكاناته، وتبقى مسارات الواقع العربي في دول الهلال الخصيب والخليج العربي، في مضيق صعب، لا يستطيع أن يخلق أي بعد توازني، بل العكس فهو يهدم كل قدرة، على إيجاد لعبة إقليمية مقابلة، تحوله من طرف يُستخدم في اللعبة، إلى عضو شريك في إدارتها لمصالحه القومية.
بقلم : مهنا الحبيل
وهو يُشير إلى قضية تقييم الدور الأميركي، حين يحتاج إلى جمع هذه الأطراف أو لا يحتاج لذلك، وفقاً لمصالحه القومية الخاصة، ولن نُطيل في هذا الجدل غير أن التقييم الموضوعي يُدرك، أن واشنطن لا يزال موقفها حاسماً في فك الاشتباك الخليجي، حتى مع توتّر وتصعيد الأجواء الإعلامية، والتي باتت مرتبطة اليوم بالوضع الداخلي السعودي، ومسألة تسلم ولي العهد العرش، وقياسات فريقه، على ما الذي يحتاجه في سياساته الخارجية والداخلية، قبل إعلانه ملكاً ثامناً للسعودية.
وهناك مساحة غامضة غير مفهومة، في تصعيدات فريق ولي العهد السعودي، فالمفترض أن استمرار توتير الوضع الوطني الداخلي، وزيادة اضطراباته، والتي بلغت أوجها بالسعي لإعدام الرموز الدينية للمجتمع، وخاصة العلامة سلمان العودة، الذي لا يُمثل رمزاً فقهيا أو وعظيا، بقدر ما كان داعية إصلاح فكري وأخلاقي، ساهمت جهوده وخطابه، في استقرار المجتمع الوطني السعودي، وانسجام شرائحه وأقاليمه بخطاب حضاري إسلامي معتدل.
وهذا لا ينفي عن البقية، من معتقلي الخطاب الإسلامي، مشاركات إيجابية فعّالة في هذا الصدد، لكن الشيخ العودة كان رائداً لتلك التوجهات، التي ابتعدت عن الاشتباك السياسي، والخطاب التحريضي على مكونات السعودية الفكرية، وعليه فإن التصعيد غير المسبوق ضده، تصدّر ضمن لائحة الاهتمام العالمي، إضافة إلى اعتقال الرموز الوطنية الاجتماعية، كالدكتور الحامد ود. إبراهيم المديميغ وعزيزة اليوسف وجميل الفارسي وغيرهم،
والعشرات الذين وحدّهم الاعتقال مع التيار الديني الواسع الانتشار، ثم أضيف مؤخراً استهداف الباحث الإعلامي سلطان الجميري، الذي شكّل مع رفيقه عبد الله المالكي، أحد دعامات المعرفة السعودية الحديثة، بين الشباب، والرؤى الفكرية التجديدية عن الإسلام والمواطنة الدستورية.
هذه المساحة من الغموض، تتجه إلى السؤال القديم الجديد، ما الذي يحمل ولي العهد السعودي على مواصلة التوتير المجتمعي، وربطه بقضيته مع قطر، في حين أن أحد أسس الانتقال في السلطة، أن يتم التحضير لها، بتخفيض التوتر، وخاصة أن كل ما يقال عن منافسة حقيقية له، لا يوجد لها أرضية صلبة، بقدر ما هي حملات إعلامية، ساهمت سياسة الرياض في تحشيدها، بدلاً من البدء بمرحلة مختلفة يحتاجها العهد الجديد.
هذا ملف واسع لن نحسمه في هذا المقال، لكن الرابط هنا، هو أن واشنطن، التي فرضت لقاءات المواجهة مع إيران، قادرة على فك الاشتباك، لو كان ضرورة استراتيجية لها، ولكنه ليس كذلك، ففرص استحلاب الأزمة لا تزال قائمة!
وهنا يبرز سؤال التحشيد، بعد أن نؤكد على كارثية المسار، الذي تختطه تفاعلات الأزمة الخليجية، على المستوى القومي لمصالح أهل الخليج وكل العرب، وأن الاستنزاف مستمر في جدول متدفق لا يتوقف، خاصة في ظل ما شكلته ذكرى حدث التاسع من سبتمبر 2001، والملفات الأمنية الخطيرة التي قدمتها دول الخليج، في حملتها الإعلامية المتبادلة، لاتهامات الإرهاب الأميركية.
وهناك سؤال مهم عن غرض واشنطن من هذا التحشيد، هل هو إعداد لحملة عسكرية ضد إيران؟
أم أنه رسالة ضغط مركزية، ترفع من بطاقات التهديد، لتحقيق اختراق في المفاوضات السرية القائمة أو المجمدة؟
حَضَرت مسقط القمة رغم موقفها المعروف، والذي تعامل معه الأميركيون سابقاً باهتمام خاص، ولم يتغير موقف مسقط من حيادها، في حال حصل أي اشتباك عسكري حقيقي، وهي التي ترفض أي حرب عسكرية مع إيران، وهو موقف ذكّرنا به سابقا، كبنية أساسية للمصالح العربية والقُطرية لكل الخليج العربي، وهو أن الحرب العسكرية هي خيار غربي مدمر، لا يخدم المنطقة وإنما يفتحها على الجحيم.
والفرق هنا بين الموقف الخاص بمسقط، والموقف القومي العام للمنطقة، هو الإيمان الكلي، بحجم جريمة إيران في أزمات المنطقة، وخاصة الصراعات الطائفية والاجتماعية، ومساندتها للاحتلال الأميركي للعراق والروسي لسوريا، وكل ما صاحبه من جرائم حرب، وتورط بقية الأطراف لا يعني تبرأت إيران من جرائمها التاريخية.
غير أن الخط الثاني في هذا المسار، وهو الراجح بصورة كبيرة، هو أن واشنطن ترفع تكلفة الضغط على طهران، لتخضع لتسوية مع واشنطن، فالأميركيون ورغم انفتاح طهران على وساطة مسقط المؤكدة، يراقبون خسائرهم الإقليمية الذي لم يمنعها، الحساب الخليجي المفتوح، لاستنزاف أكبر مستوى من ميزانية الشعوب والأجيال.
لكن فقدانهم لكردستان العراق، ومضي المشروع الروسي بقوة ما بعد إدلب، بما فيه إعادة التوطين الجزئي، الذي بدأ اليوم دون إعلان، والمشهد الذي ستسفر عنه سوريا ما بعد الثورة، يُقلق صناعة القرار الاستراتيجي في واشنطن، حين تُضم دمشق رسميا لنفوذ روسيا المطلق، كأوزبكستان وغيرها.
وهذا يتزامن مع توتر متصاعد، مع حليف تاريخي في المنطقة، وهو الجمهورية التركية الحديثة، والذي لم يعد يستطيع كحليف، أن يقيس على حساباته مع واشنطن، بعد أن رأى ما فعله ترامب في الاقتصاد التركي، والترويع المحلي والعالمي، ضد العملة الوطنية الذي لا يزال تحت الضغط.
ورغم حرص أنقرة على عدم فقدان الجسر الأميركي التاريخي، على مستوى الناتو أو العلاقات الثنائية، غير أن ذلك لا يغيّر من واقع سياستها الإقليمية، رغم صلف موسكو وتنسيقها الثنائي مع طهران والنظام، قبل مراعاة أي مصالح مع تركيا، باعتبار أن موسكو هي من يملك القوة على الأرض في مستقبل سوريا، وأن تحييد هذا الملف لصالح المشاعر والمخاوف القومية التركية.
وإعادة توطين من لم تشمله خطة التجنيس التركي للسوريين، بعد أن ضمنت موسكو لتركيا، إسقاط المغامرة الكردية في الشمال السوري، وهو ما فعلته طهران في شمال العراق.
البعد الثاني لتركيا مع موسكو، هو تعويضها في مناطق ما يصطلح عليه (الأمة التركية)، وهو البعد التركي الجامع للأصول العرقية، لشعوب وأقاليم عديدة تتحد مع أتراك الجمهورية، في الأرومة الكبرى، وهي مساحات واسعة من الاقتصاد التبادلي الخاضع لنفوذ روسيا السياسي، هذا التوجه على الأقل سيُكرس، حتى تتبين أنقرة مستقبلها مع الحليف الأميركي، دون أن تخاطر بخسارة موسكو، وهو ما خضعت له معادلة إدلب النهائية.
وعليه فإن هذا الوحل الإقليمي قد يخرج منه اللاعبون الكبار، كلٌ وإمكاناته، وتبقى مسارات الواقع العربي في دول الهلال الخصيب والخليج العربي، في مضيق صعب، لا يستطيع أن يخلق أي بعد توازني، بل العكس فهو يهدم كل قدرة، على إيجاد لعبة إقليمية مقابلة، تحوله من طرف يُستخدم في اللعبة، إلى عضو شريك في إدارتها لمصالحه القومية.
بقلم : مهنا الحبيل