يقول إداوردو غاليانو:
كان في وسط الثكنة العسكرية مقعد صغير يحرسه جندي، لم يعرف أحد لماذا كان ينبغي أن يُحرس المقعد على مدار الساعة! من جيل ضباط إلى آخر كان الأمر يصدرُ والجنود ينفذونه، واستمر الأمر على هذه الحال إلى أن أراد جنرال أن يعرف لماذا يجب أن يُحرس المقعد!
كان عليه أن يُقلّب الملفات القديمة، وبعد بحث طويل عثر على الجواب، منذ ثلاثين عامًا أمر ضابط أحد الجنود أن يقف قرب المقعد الذي كان قد دُهن لتوه، كي لا يُفكر أحد بالجلوس على الدهان الطري!
هذه القصة على طرافتها تختصر كثيرًا من ممارسات الناس اليومية، وموروثاتهم الثقافية، وعاداتهم وتقاليدهم التي يقومون بها، وينظرون إليها بعين التقديس والإجلال وهم لا يعرفون حقيقتها ولا السبب وراءها!
يروي ابن كثير في تفسيره لسورة نوح حكاية بداية عبادة الأصنام في الأرض، فقد كانت أسماء الأصنام الواردة في السورة: «ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر» أسماء رجال صالحين في الأمم الغابرة، وعندما ماتوا، وسوس الشيطان لأهل ذلك الزمان أن ينحتوا تماثيل على صورهم كي لا ينسوا هؤلاء الصالحين، وهكذا كان...
وكانوا إذا مروا بتماثيل هؤلاء الصالحين أحنوا رؤوسهم أمامهم كنوع من التحية والإجلال، وهكذا جيلًا بعد جيل كان الناس ينسون أصحاب هذه التماثيل، ولا لأي شيء نُحتت ولم يبقَ من الإجلال القديم إلا إحناء الرأس الذي تحول من تحية إلى عبادة! وما أكثر الأنبياء الذين حاجُّوا أقوامهم في عبادة الأصنام فكان ردهم: «هذا ما وجدنا عليه آباءنا»!
إنه التقليد الأعمى، وإراحة العقل من التفكير بالسائد والمألوف الذي يكون له في الغالب سبب قديم لم تعد الحاجة تدعو إليه لزوال السبب القديم!
والشيء بالشيء يُذكر، قرأتُ مرة قصة طريفة مفادها أن فتاةً في مقتبل العمر تزوجتْ، وأرادت بعد زواجها بأيام أن تقلي السمك الذي أحضره لها زوجها، فاتصلتْ بأمها وسألتها كيف تفعل هذا، فقالت لها الأم: أولًا اقطعي رأس السمكة!
ولكن البنت قالت لأمها: وهل ستنضج بشكل أسرع إذا قطعتُ رأسها؟
فقالت الأم: لا أعرف، ولكن هذا ما كانت تفعله جدتك، سأسألها. واتصلت بأمها مستفسرة عن سبب قطع رأس السمكة، فكانت إجابتها أنها لا تدري، لقد ورثت مهارة قلي السمك عن أمها!
ولمحاسن الصدف فإن والدة الجدة كانت لا تزال حية، وعندما سألتها ابنتها عن سبب قطع رأس السمكة قالت لها: لا علاقة لقطع رأس السمكة بسرعة نضوجها ولكني كنتُ أقطع رأسها لأن مقلاتي كانت صغيرة ولا تتسع للسمكة إذا لم أقطع رأسها!
وما أشبه اليوم بالأمس، كثير من الروتين الإداري الذي نعاني منه في الدوائر الرسمية، كثير من الأعراف والعادات والتقاليد التي تحكم حياتنا اليومية، ليس لها علاقة باستواء السمكة ونضوجها، كل ما في الأمر أنه في أحد الأيام كانت المقلاة صغيرة، وعندما كبرت المقلاة لم يسأل أحد لماذا علينا أن نقطع رأس السمكة!
بقلم : أدهم شرقاوي
كان في وسط الثكنة العسكرية مقعد صغير يحرسه جندي، لم يعرف أحد لماذا كان ينبغي أن يُحرس المقعد على مدار الساعة! من جيل ضباط إلى آخر كان الأمر يصدرُ والجنود ينفذونه، واستمر الأمر على هذه الحال إلى أن أراد جنرال أن يعرف لماذا يجب أن يُحرس المقعد!
كان عليه أن يُقلّب الملفات القديمة، وبعد بحث طويل عثر على الجواب، منذ ثلاثين عامًا أمر ضابط أحد الجنود أن يقف قرب المقعد الذي كان قد دُهن لتوه، كي لا يُفكر أحد بالجلوس على الدهان الطري!
هذه القصة على طرافتها تختصر كثيرًا من ممارسات الناس اليومية، وموروثاتهم الثقافية، وعاداتهم وتقاليدهم التي يقومون بها، وينظرون إليها بعين التقديس والإجلال وهم لا يعرفون حقيقتها ولا السبب وراءها!
يروي ابن كثير في تفسيره لسورة نوح حكاية بداية عبادة الأصنام في الأرض، فقد كانت أسماء الأصنام الواردة في السورة: «ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر» أسماء رجال صالحين في الأمم الغابرة، وعندما ماتوا، وسوس الشيطان لأهل ذلك الزمان أن ينحتوا تماثيل على صورهم كي لا ينسوا هؤلاء الصالحين، وهكذا كان...
وكانوا إذا مروا بتماثيل هؤلاء الصالحين أحنوا رؤوسهم أمامهم كنوع من التحية والإجلال، وهكذا جيلًا بعد جيل كان الناس ينسون أصحاب هذه التماثيل، ولا لأي شيء نُحتت ولم يبقَ من الإجلال القديم إلا إحناء الرأس الذي تحول من تحية إلى عبادة! وما أكثر الأنبياء الذين حاجُّوا أقوامهم في عبادة الأصنام فكان ردهم: «هذا ما وجدنا عليه آباءنا»!
إنه التقليد الأعمى، وإراحة العقل من التفكير بالسائد والمألوف الذي يكون له في الغالب سبب قديم لم تعد الحاجة تدعو إليه لزوال السبب القديم!
والشيء بالشيء يُذكر، قرأتُ مرة قصة طريفة مفادها أن فتاةً في مقتبل العمر تزوجتْ، وأرادت بعد زواجها بأيام أن تقلي السمك الذي أحضره لها زوجها، فاتصلتْ بأمها وسألتها كيف تفعل هذا، فقالت لها الأم: أولًا اقطعي رأس السمكة!
ولكن البنت قالت لأمها: وهل ستنضج بشكل أسرع إذا قطعتُ رأسها؟
فقالت الأم: لا أعرف، ولكن هذا ما كانت تفعله جدتك، سأسألها. واتصلت بأمها مستفسرة عن سبب قطع رأس السمكة، فكانت إجابتها أنها لا تدري، لقد ورثت مهارة قلي السمك عن أمها!
ولمحاسن الصدف فإن والدة الجدة كانت لا تزال حية، وعندما سألتها ابنتها عن سبب قطع رأس السمكة قالت لها: لا علاقة لقطع رأس السمكة بسرعة نضوجها ولكني كنتُ أقطع رأسها لأن مقلاتي كانت صغيرة ولا تتسع للسمكة إذا لم أقطع رأسها!
وما أشبه اليوم بالأمس، كثير من الروتين الإداري الذي نعاني منه في الدوائر الرسمية، كثير من الأعراف والعادات والتقاليد التي تحكم حياتنا اليومية، ليس لها علاقة باستواء السمكة ونضوجها، كل ما في الأمر أنه في أحد الأيام كانت المقلاة صغيرة، وعندما كبرت المقلاة لم يسأل أحد لماذا علينا أن نقطع رأس السمكة!
بقلم : أدهم شرقاوي