مؤكد أن المقاومة في غزة اليوم أهم شكل من أشــكال النضال في الوقــت الحالي وأكثرها تأثيرا على الحالة الفلسطينية، غير أن نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والاستعمار يسبق معركة طوفان الأقصى بأكثر من 100 عام منها ثلاثون عاما تحت الاستعمار البريطاني البغيض والمسمى زورا «انتداب»، وخمسة وسبعون عاما تالية من الاحتلال الصهيوني الأشد بغضا.
وهذه الرواية التاريخية ليست مجرد سرد زمني للأحداث الماضية؛ بل ذاكرة جماعية محفورة في وعي الأجيال المتعاقبة من الفلسطينيين، وشهادة على الروح التي ترفض الخضوع لعقود من الظلم والتنكيل والطغيان كإرث حي ينتقل من جيل إلى جيل وهي شهادة على الالتزام الثابت بالعدالة واستعادة حقوقهم المشروعة.
فالجيل الرابع، الذين ولدوا في أعقاب تهجير أجدادهم، أثبتوا أن ارتباطهم بفلسطين يتجاوز كل الحدود، وخلافاً للآمال الإسرائيلية الخائبة، «الكبار يموتون والصغار ينسون»، فقد تحدى هذا الجيل فكرة فقدان الذاكرة الجماعية، حين اعتنقوا هويتهم وتاريخهم الفلسطيني، ونسجوه في وجودهم حتى عندما تفصل بعضهم أميال وعقودا عن التهجير الفعلي، وهذه المقولة، التي ترتكز على افتراض أن الزمن يقوض ذاكرة الظلم، أثبتت عدم جدواها في مواجهة جيل صامد يرفض التخلي عن القصص المتوارثة عبر الأجيال.
وتبقى معركة طوفان الأقصى بحق بمنزلة بوصلة تشير إلى تحول جدير بالملاحظة في الاستراتيجيات التي يستخدمها الشعب الفلسطيني في مقاومته المستمرة، وتشي عن القدرة على استخدام وسائل غير تقليدية لمواجهة تحديات آلة الحرب والقمع التي يفرضها العدو الصهيوني.
إذن لا يمكن النظر إلى أحداث 7 أكتوبر بمعزل عن الفهم الشامل للسياق الأوسع لنضالات التحرير ضد الاستعمار والاحتلال الأجنبي والفصل العنصري عبر التاريخ المعاصر، وهذا الأمر حقيقة عالمية - فحيثما يوجد اضطهاد، ينشأ تصميم ثابت على استعادة الاستقلال والكرامة.
ويجب على المجتمع الدولي ومناصري القضايا الإنسانية أن يتضامنوا مع نضال الشعب الفلسطيني ضد أطول احتلال في العصر الحديث من قبل سلطة احتلالٍ واحدة، مع ضرورة الاعتراف بأن السعي إلى التحرير هو مسعى إنساني مشترك يمهد الطريق لعالم حيث الأمن والاستقرار متجذران في العدالة والمساواة والسعي الجماعي للحرية.
وبالنسبة لنا فإن أرض فلسطين ليست مجرد ذكرى بعيدة، بل هي حضور حي في وعينا وضميرنا والتزامنا المشترك كشعب مصمم على الحفاظ على هويته واستعادة وطنه، حتى من مسافة بعيدة.