روى أبو علي القالي في رائعته الأمالي قال:
تغدى أبو جعفر المنصور ومعه ابن أخيه إبراهيم، فأخذ إبراهيم لقمة ثم وضعها على طرف المائدة.
فقال له المنصور: ما لكَ وضعتها يا بُنيّ؟
فقال إبراهيم: إنّ فيها شعرة!
فأخذ أبو جعفر اللقمة، ونزع الشعرة منها وأكلها، وقال له: لقد أفسدتك الكفاية!
عندما قرأتُ هذه القصة خطر لي على الفور أكوام الطعام التي تُلقى في حاويات القمامة، في منظر يقشعرُّ له البدن، وفي واحد من مشاهد كفران النعمة، ولا شيء أسرع في زوال النعم من كفرانها، وبالمقابل لا شيء أحفظ للنعمة من شكر الله عليها، وفي القرآن «لئن شكرتم لأزيدنكم»، على أن الشكر نوعان:
شكر لسان وشكر جوارح
وشكر اللسان على النعم يكون بلفظ الحمد لله، والثناء على كرم الله أنه لم يجعلنا في قوافل المحرومين، وأما شكر الجوارح فسعي متواصل وعمل دؤوب
شكر المال يكون عن طريق الصدقات
وشكر الجسد والصحة يكون عن طريق مساعدة الضعفاء
وشكر العلم يكون عن طريق تعليم الجاهل وإرشاد الحائر
وألا إنّ على كل نعمة زكاة من جنسها، وهي – بعض فضل الله- تكفل دوامها واستمرارها!
المبالغة في كمية الطعام الذي يُطبخ في البيوت يوميًا، أو في الولائم والمناسبات بحاجة إلى وقفة ومراجعة، أتفهم تمامًا حاجة صاحب المنزل إذا دعا ضيوفًا إلى طعام كثير ومتنوع، وهذا ما نفعله جميعًا، ولكن ما لا يمكن تفهمه أن يُلقى الفائض من الطعام في الحاويات وما من مدينة ولا حي من مدننا وأحيائنا إلا وفيها من لا يجد اللقمة!
رأى النبي صلى الله عليه وسلم تمرة ملقاةً على الأرض، فالتقطها، ومسحَ ما لحق بها من غبار، وأراد أن يأكلها ثم تراجع لأنه خشي أن تكون من تمر الصدقة الذي يُحمل إلى بيت المال، والنبي صلى الله عليه وسلم كما تعلمون جميعًا يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، لهذا دفع التمرة لمن كان معه!
إن القضية أبعد من تمرة ملقاة على الأرض، إنها قضية نعمة من نعم الله سبحانه لم توقر كما يجب، وحين التقطها النبي صلى الله عليه وسلم فليس لحاجته إليها وإنما أراد أن يعلمنا شكر النعمة!
ورأت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها حبة رمان ملقاة على الأرض، فقالت: «إن الله لا يُحبُّ الفساد»!
إلى هذا الحد كانوا يُحافظون على النعم!
قرأتُ منذ أيام عن أحد مطاعم «البوفيهات المفتوحة» كتب إعلانًا لزبائنه يقول: خُذ ما شئتَ من الطعام ولكن كُل ما أخذتَ، نحن نرمي كل يوم ما يكفي لإطعام مائتي شخص!
من الواضح أن هذا الطعام الذي يُرمى قد اختلط ببعضه، وصار من المستحيل فصله وتوزيعه، وهذا ظاهر ضمنًا من حرص المطعم على حفظ النعمة!
اطبخوا ما يكفي، وأكرموا ضيوفكم كيفما شئتم، فهذا من شكر النعمة أيضاً، ولكن ما يزيد عن الحاجة تعاهدوا به جارًا فقيرًا، ففيه أجران، أجر الصدقة وأجر حفظ النعمة، أما رمي الطعام المتبقي فمؤذن بزوال النعم، أدامها الله عليكم!
بقلم : أدهم شرقاوي
تغدى أبو جعفر المنصور ومعه ابن أخيه إبراهيم، فأخذ إبراهيم لقمة ثم وضعها على طرف المائدة.
فقال له المنصور: ما لكَ وضعتها يا بُنيّ؟
فقال إبراهيم: إنّ فيها شعرة!
فأخذ أبو جعفر اللقمة، ونزع الشعرة منها وأكلها، وقال له: لقد أفسدتك الكفاية!
عندما قرأتُ هذه القصة خطر لي على الفور أكوام الطعام التي تُلقى في حاويات القمامة، في منظر يقشعرُّ له البدن، وفي واحد من مشاهد كفران النعمة، ولا شيء أسرع في زوال النعم من كفرانها، وبالمقابل لا شيء أحفظ للنعمة من شكر الله عليها، وفي القرآن «لئن شكرتم لأزيدنكم»، على أن الشكر نوعان:
شكر لسان وشكر جوارح
وشكر اللسان على النعم يكون بلفظ الحمد لله، والثناء على كرم الله أنه لم يجعلنا في قوافل المحرومين، وأما شكر الجوارح فسعي متواصل وعمل دؤوب
شكر المال يكون عن طريق الصدقات
وشكر الجسد والصحة يكون عن طريق مساعدة الضعفاء
وشكر العلم يكون عن طريق تعليم الجاهل وإرشاد الحائر
وألا إنّ على كل نعمة زكاة من جنسها، وهي – بعض فضل الله- تكفل دوامها واستمرارها!
المبالغة في كمية الطعام الذي يُطبخ في البيوت يوميًا، أو في الولائم والمناسبات بحاجة إلى وقفة ومراجعة، أتفهم تمامًا حاجة صاحب المنزل إذا دعا ضيوفًا إلى طعام كثير ومتنوع، وهذا ما نفعله جميعًا، ولكن ما لا يمكن تفهمه أن يُلقى الفائض من الطعام في الحاويات وما من مدينة ولا حي من مدننا وأحيائنا إلا وفيها من لا يجد اللقمة!
رأى النبي صلى الله عليه وسلم تمرة ملقاةً على الأرض، فالتقطها، ومسحَ ما لحق بها من غبار، وأراد أن يأكلها ثم تراجع لأنه خشي أن تكون من تمر الصدقة الذي يُحمل إلى بيت المال، والنبي صلى الله عليه وسلم كما تعلمون جميعًا يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، لهذا دفع التمرة لمن كان معه!
إن القضية أبعد من تمرة ملقاة على الأرض، إنها قضية نعمة من نعم الله سبحانه لم توقر كما يجب، وحين التقطها النبي صلى الله عليه وسلم فليس لحاجته إليها وإنما أراد أن يعلمنا شكر النعمة!
ورأت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها حبة رمان ملقاة على الأرض، فقالت: «إن الله لا يُحبُّ الفساد»!
إلى هذا الحد كانوا يُحافظون على النعم!
قرأتُ منذ أيام عن أحد مطاعم «البوفيهات المفتوحة» كتب إعلانًا لزبائنه يقول: خُذ ما شئتَ من الطعام ولكن كُل ما أخذتَ، نحن نرمي كل يوم ما يكفي لإطعام مائتي شخص!
من الواضح أن هذا الطعام الذي يُرمى قد اختلط ببعضه، وصار من المستحيل فصله وتوزيعه، وهذا ظاهر ضمنًا من حرص المطعم على حفظ النعمة!
اطبخوا ما يكفي، وأكرموا ضيوفكم كيفما شئتم، فهذا من شكر النعمة أيضاً، ولكن ما يزيد عن الحاجة تعاهدوا به جارًا فقيرًا، ففيه أجران، أجر الصدقة وأجر حفظ النعمة، أما رمي الطعام المتبقي فمؤذن بزوال النعم، أدامها الله عليكم!
بقلم : أدهم شرقاوي