طرح الرئيس الجديد للمؤسسة الوطنية للنفط الالتجاء للاقتراض لتوفير التمويل اللازم لتطوير قطاع النفط والذي يعاني كثيرا ويحتاج إلى مليارات للعودة به إلى مستويات إنتاجية عالية عرفتها البلاد نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات من القرن الماضي، فقد تجاوز سقف إنتاج النفط الليبي الثلاثة ملايين برميل في اليوم مع وصول القذافي إلى السلطة العام 1969م.ربما الخلفية المالية للرئيس الجديد للمؤسسة، كونه من قطاع المال والتمويل المصرفي، هو ما دفعه إلى إطلاق هكذا تصريح، لكن من المفترض أن معرفته وخبرته تجره إلى نقطة التوازن التي عندها يقرع جرس الإنذار وترفع الشارات الحمراء للتنبيه إلى خطر الانزلاق إلى مستنقع الديون.ما أظن أن رئيس مؤسسة النفط يرى أنه يحق ويمكن للمؤسسة أن تلجأ للاقتراض لتمويل خطط تطوير حقولها وموانئها وبنيتها التحتية، ذلك أن المؤسسة الوطنية للنفط لا تتمتع بالذمة المالية المستقلة كأي شركة ربحية يمكن لها أن تجتهد لتوفير التمويل من مختلف مصادره.المؤسسة جسم تابع للحكومة وتمول من الخزانة العامة للدولة ولا علاقة لها بتوفير التمويل لبرامجها ومشروعاتها وخططها التطويرية، لذا سنعتبر كلام رئيسها الجديد اقتراحا موجها للجهات المعنية وهي رئاسة الحكومة ووزارة النفط.الاقتراض مصدر تمويل معتبر إذا توفرت المبررات، وفي مقدمة تلك المبررات شح التمويل اللازم لبرامج التنمية والتطوير الاقتصادي والاجتماعي، وقدرة الدولة على السداد المنتظم من خلال توظيف القروض في مجالات تدر عائد يسهم في تغطية الالتزامات المترتبة على تلك القروض.في الحالة الليبية، خاصة هذه الفترة، فإن مستوى الإنتاج المعهود والذي يصل إلى 1.3 مليون برميل يوميا، وعند مستوى أسعار مرتفعة، تتجاوز المائة دولار للبرميل، وهو سعر مرشح للاستمرار بسبب الظروف السياسية والاقتصادية الدولية، فإن فائض الإيرادات العامة يمكن أن يعادل ما يمكن الحصول عليه من قروض ويفيض عنه.ما أراه الأنجع والأولى هو التركيز على وقف الصراع وجسر هوة الخلاف بين الفرقاء الليبيين والولوج إلى باحة الاستقرار السياسي والأمني ثم التوافق على خطة تنموية واعدة وواقعية تعالج بكفاءة مختنقات الاقتصاد وتواجه بحكمة أبرز مثيرات التوتر بين المكونات المختلفة للمجتمع، فهذا المسار هو الكفيل بإخراجنا من الأزمة الراهنة، وخلافه هو عبث وهدر قد يضاعف من حالة التأزيم ويرهن البلاد إلى ضغوط من نوع جديد أداتها المديونية الخارجية.{ عربي 21