في كتابِ نَثْرِ الدُّرِّ في المحاضرات لمنصور بن الحُسين الآبي:
قيلَ لأشعب: ما بلغَ من طمعكَ؟
فقالَ: ما رأيتُ عروساً تُزَفُّ إلا وقلتُ: سيحملونها إلى بيتي!
وما رأيتُ جنازةً إلا وقلتُ: أوصى لي الفقيدُ بشيءٍ!
وما رأيتُ بريدَ أمير المؤمنين خارجاً من قصره إلا وقلتُ: عقدَ لي ولاية!
فإنْ كنتَ تحسبُ أنَّ أشعب مجرَّدَ شخصٍ قد مضى فإنَّكَ واهم، أشعبُ فِكرة، والفكرة لا تموتُ! وما أكثر «الأشاعب» الذين يعتبرون أنفسهم محاور الكون، وأنَّ كلَّ شيءٍ يجري في هذا العالم يخصُّهم!
«الأشاعبُ» يشخصنون كلَّ قضيَّةٍ، حتى أنَّ خطيب الجمعة إذا خطبَ عن العقوق، يتساءلُ كلُّ واحدٍ منهم: من الذي أخبرَ الخطيبَ عنِّي؟!
مشكلة «الأشاعب» الأزليَّة أنهم لا يُؤمنون بوجود الأفكار، كلُّ كلمةٍ تُقال هي بالضرورة مُوجَّهة لشخصياتهم الكريمة!
وقد تكتبُ جملةً عن غادرٍ فيحسبُ كلُّ غادرٍ عرفتَه في حياتكَ أنَّكَ تعنيه، إحدى مشاكل «الأشاعب» هي ثقتهم المفرطة في النَّفس إلى درجة أن الواحد منهم واثقٌ أنَّه الغادر الوحيد في هذا الكوكب! ولتفهم كيف يُفكِّرون عليكَ أن تعرفَ أنَّ من على رأسه بطحة سيُحسِّسُ عليها دوماً، تماماً كما يسيرُ اللصُّ في الشَّارع مرتبكاً لأنه يحسبُ أنَّ وراء كلِّ شجرةٍ شرطيًّا!
وقد تستعذِبُ جملةً عن الأمانة وتضعها في الحالة عندكَ فيحسبُ كلَّ غشَّاشٍ تعرفه أنَّكَ قد اطلعتَ على دفاترِ حساباته!
وقد تنشرُ صورةً فيها كلامٌ عن الشَّوق، فيحسبُ الأشعبُ منهم أنَّكَ تقولُ له: قد اشتقتُ إليكَ! ولا يدري أنَّه إذا مرَّ في ذاكرتكَ عرضاً فإنَّكَ تُردِّدُ: اللهُمَّ غفرانكَ، الحمدُ للهِ الذي أبعدَ عنِّي الأذى وعافاني!
حتى الآية من القرآن تنشرُها يعتقدُ الأشعبُ منهم أنها أُنزلتْ فيه، وأنَّكَ قد جئتَ تتلوها على مسامعه! والحديثُ النَّبويُّ تُشاركه هو بالضرورة تعريضٌ في حضرة جنابه!
«والأشاعبُ» في هذا الزَّمانِ رُتبٌ وأنواع، حتى أن بعضَهم يُعاني من حالة متقدِّمة من «متلازمة الأشْعَبَة» فيسألُكَ: هل تقصدني؟!
فكانَ اللهُ في عونِ من ابتُليَ بواحدٍ منهم!