يُحكى أن كبير الهررة قد هَرِم، فنبذه قومه لكثرة كلامه بلا علم، وأكله بلا عمل!
لجأ الهر إلى كلبٍ يتربصُ بالقطط العداء، ويريدُ بها شراً.
حشدَ الكلب أقرانه، وجعلوا الهر العجوز في المقدمة ليكون لهم دليلاً، فنجحت الغارة، وتمت مفاجأة الهررة في عقر دارها وهُزمتْ شرّ هزيمة!
عندها اهتزّ ذيل الهر العجوز منتشياً بالنصر، وبدأ يشكرهم على إعادتهم له إلى وكره..
فقال له كبير الكلاب: أيها المغفل، إن وكراً طردتك منه الهررة لن تبقيك فيه الكلاب، لو علم فيك قومك خيراً ما نبذوك، ولو كنتَ وفياً ما كشفتَ قومك، ولو كنتَ قوياً ما لجأت إلينا، الحقْ بقومك، أما الكلاب فلا تنشئ جمعيات خيرية!
العبرة من هذه القصة أن الوطنَ قد يعقُّ أحد أبنائه، ولكن بر الوطن واجب ولو كان ظالماً! على أنَّ الوطن ليس الحكومة! فكما نحن مأمورون ببر آبائنا وأمهاتنا سواء قاموا بواجبهم نحونا أو لم يقوموا، فليس الأمر واحدة بواحدة، وإخلال الأبوين بواجب التربية لا يُسقط عنهما حق برهما، وكذلك الوطن! وكما لا شيء يُبرر عقوق الوالدين كذلك لا شيء يبرر خيانة الوطن، ولم يحدث في التاريخ أن خائناً لوطنه لقي احتراماً ممن عمل لديهم خنجراً في خاصرة وطنه!
في معاركه ضد النمسا قام نابليون بتجنيد ضابط نمساوي ينقل إليه تحركات الجيش خطوة خطوة، وبفضل خيانة هذا الضابط استطاع نابليون إنزال هزيمة ساحقة في الجيش النمساوي.. وعندما جاء الضابط ليقبض ثمن خيانته، لم يقم نابليون عن كرسيه وإنما تناول صرة من الذهب ورماها أمامه على الأرض، فقال له الضابط: ولكني أريد أن أحظى بشرف مصافحة يد الإمبراطور!
فقال له نابليون: الذهب لأمثالك، أما يدي فلا تصافح رجلاً يخون بلاده!
ويعلمنا النبي، صلى الله عليه وسلم، أعظم درس في التاريخ في بر الوطن! كذّبه قومه، اتهموه بالسحر والجنون، وحاصروه في شعب أبي طالب، نكّلوا بأصحابه، وتوّجوا كل هذا بالتآمر على قتله! ولكنه يوم هاجر وقف على مشارف مكة، وقال لها والأسى يملأ قلبه: واللهِ إنكِ لأحب بلاد الله إليّ، ولولا أن قومكِ أخرجوني ما خرجتُ!
ثم دار الزمان بينه وبين قومه، في صراع عقيدة، لا صراع تراب وحدود وغنائم، ثم قضى الله أن النبي الذي خرج وصاحبه خلسة تحت جنح الظلام مهاجرَين إلى المدينة أن يدخلها في وضح النهار من أبوابها الأربعة بجيش جرار، لم تستطع قريش أن تقاتله فسلمت له، ثم لما ملكَ الرقاب، قال لهم قولته الشهيرة: اذهبوا فأنتم الطلقاء! أراد أن يعلمنا شيئاً غير العفو عند المقدرة، أراد أن يعلمنا أن الأوطان لا تُطعن مهما عقّتْ!
بقلم : أدهم شرقاوي
لجأ الهر إلى كلبٍ يتربصُ بالقطط العداء، ويريدُ بها شراً.
حشدَ الكلب أقرانه، وجعلوا الهر العجوز في المقدمة ليكون لهم دليلاً، فنجحت الغارة، وتمت مفاجأة الهررة في عقر دارها وهُزمتْ شرّ هزيمة!
عندها اهتزّ ذيل الهر العجوز منتشياً بالنصر، وبدأ يشكرهم على إعادتهم له إلى وكره..
فقال له كبير الكلاب: أيها المغفل، إن وكراً طردتك منه الهررة لن تبقيك فيه الكلاب، لو علم فيك قومك خيراً ما نبذوك، ولو كنتَ وفياً ما كشفتَ قومك، ولو كنتَ قوياً ما لجأت إلينا، الحقْ بقومك، أما الكلاب فلا تنشئ جمعيات خيرية!
العبرة من هذه القصة أن الوطنَ قد يعقُّ أحد أبنائه، ولكن بر الوطن واجب ولو كان ظالماً! على أنَّ الوطن ليس الحكومة! فكما نحن مأمورون ببر آبائنا وأمهاتنا سواء قاموا بواجبهم نحونا أو لم يقوموا، فليس الأمر واحدة بواحدة، وإخلال الأبوين بواجب التربية لا يُسقط عنهما حق برهما، وكذلك الوطن! وكما لا شيء يُبرر عقوق الوالدين كذلك لا شيء يبرر خيانة الوطن، ولم يحدث في التاريخ أن خائناً لوطنه لقي احتراماً ممن عمل لديهم خنجراً في خاصرة وطنه!
في معاركه ضد النمسا قام نابليون بتجنيد ضابط نمساوي ينقل إليه تحركات الجيش خطوة خطوة، وبفضل خيانة هذا الضابط استطاع نابليون إنزال هزيمة ساحقة في الجيش النمساوي.. وعندما جاء الضابط ليقبض ثمن خيانته، لم يقم نابليون عن كرسيه وإنما تناول صرة من الذهب ورماها أمامه على الأرض، فقال له الضابط: ولكني أريد أن أحظى بشرف مصافحة يد الإمبراطور!
فقال له نابليون: الذهب لأمثالك، أما يدي فلا تصافح رجلاً يخون بلاده!
ويعلمنا النبي، صلى الله عليه وسلم، أعظم درس في التاريخ في بر الوطن! كذّبه قومه، اتهموه بالسحر والجنون، وحاصروه في شعب أبي طالب، نكّلوا بأصحابه، وتوّجوا كل هذا بالتآمر على قتله! ولكنه يوم هاجر وقف على مشارف مكة، وقال لها والأسى يملأ قلبه: واللهِ إنكِ لأحب بلاد الله إليّ، ولولا أن قومكِ أخرجوني ما خرجتُ!
ثم دار الزمان بينه وبين قومه، في صراع عقيدة، لا صراع تراب وحدود وغنائم، ثم قضى الله أن النبي الذي خرج وصاحبه خلسة تحت جنح الظلام مهاجرَين إلى المدينة أن يدخلها في وضح النهار من أبوابها الأربعة بجيش جرار، لم تستطع قريش أن تقاتله فسلمت له، ثم لما ملكَ الرقاب، قال لهم قولته الشهيرة: اذهبوا فأنتم الطلقاء! أراد أن يعلمنا شيئاً غير العفو عند المقدرة، أراد أن يعلمنا أن الأوطان لا تُطعن مهما عقّتْ!
بقلم : أدهم شرقاوي