مهنا الحبيل
أقل ما يقال عن الواقع الخليجي المضطرب إنه اليوم في مرحلة فقدان السيطرة النسبية، وهو اضطراب شرس تطورت عبره الأزمة الخليجية، إلى واقع تجاوز أزمتها، وإن كان قرار الأزمة المجنون، الذي استَدرجت به أبوظبي العهد السعودي الجديد، كان المدخل لكل ما يجري، مذكّرين أن أزمة الإنسان العربي في الخليج، وحرمانه من حقوقه السياسية والمشاركة الشعبية، سبقت الأزمة بعقود، وميلاد الأزمة بهذه البشاعة، كان من أسباب التفرد المطلق بالحكم، وتغييب المؤسسات ومطاردة الحريات.
وهنا أول سؤال يخص الأزمة اليمنية، وهو موقع السعودية في الإعصار الذي يجري، بسبب قضية الشهيد جمال خاشقجي، بحكم أن الرياض هي الحاضن المُقيد لطرف الشرعية العاجزة، عن أي مساحة استقلال ضروري، والفاقد لقواعد لعبة مختلفة ممكن أن تُفرض اليوم، على الأقل كمناورة تضمن خروج اليمن، من الحرب المهلكة وتعود به دولة مستقرة من العنف المسلح.
وهنا نحتاج أن نحدد ما هو الخيار الوحيد الممكن أن يتحقق لليمن، في ظل هذا الحاضر الصعب، والنزف اليمني، من قصف قوات التحالف وإجراءاتها، ومن بغي الحوثيين الطائفي والمسلح، فالجميع يخوض حرباً ضد استقلال الإنسان اليمني، فنقول إن هذا الممكن هو أن تخرج اليمن من الحرب، مع الاحتفاظ بجسم ورمزية الدولة، مهما اختلفت التقديرات حول وضع الرئيس عبدربه هادي، وضعفه واختلاط الأوراق من حوله.
وبالتالي تخرج اليمن من الحرب، وتأسيس استقرار عسكري، بدمج قوات الشرعية من المؤتمريين العائدين، والمنضمين إليهم، من القوات المسلحة اليمنية التي أممها الحوثي، والمساحة السياسية للحوثي ستبقى بكل تأكيد ولا يمكن سحب كل سلاحه، في ظل إصرار طهران التي استفادت كالعادة من مواسم الغباء العربي، وها هو ترامب، يهدد الرياض بالعقوبات ويحتشد الكونغرس ضدها، لا ضد طهران.
هذا بالطبع، لا يُجزم باستمراره، والوصول إلى ترضية ودفع فواتير مجدداً لترامب، من قبل الرياض وارد جداً، لكن تظل الصورة المضطربة والمبعثرة لأمن المنطقة مؤثراً كبيراً على استقرار اليمن، فيبقى أن البنية التحتية للتسوية، هي وقف الحرب وبقاء الدولة ورمزيتها وسيادتها، رغم بقاء النفوذ السياسي وبعض السلاح لجماعة الحوثي الآثمة، كونه ضرورة مرحلية، لإنقاذ اليمن، قبل أي فرصة لاستدعاء إنسانه الحضاري، لترميم اليمن الحزين.
ولا يُمكن لوقف أي حرب إلا بالتعامل مع قواعد اللعبة الممكنة، وهنا سؤال مهم: ما هي قوة التوازن الأخرى، التي ممكن أن تلعب دوراً في الضغط لصالح إخراج اليمن من الحرب، رغم أن هذه القوى ضمن دوائر الصراع، ولا يُمكن للحوثيين أن يسقطوها، وهذه العناصر، الجيش الشرعي الوطني الذي رغم غدر أبوظبي، وفوضى السعوديين المستمرة ضده، شكّل قوة ضغط، ولو أُخرجت قوات أبوظبي وحيدت مخابراتها، لتغير الوضع الميداني، الذي يسهم في إعلان وقف إطلاق النار وبدأ التسوية.
الثاني قوة الإصلاح الاجتماعية، والتي فشلت المؤامرة الظبيانية والإسناد السعودي في سحقها، وأنا أتحدث اليوم إنسانياً وعربياً لصالح اليمن، فمهما اختلفنا مع الإصلاح فهو قوة توازن اجتماعية خلّاقة، خاصة في ظل المراجعات الفكرية المهمة، التي تتصاعد وإيمان إسلاميي اليمن بالتخلص من الإرث والأيديولوجية الوهابية، التي أسهمت فيها قيادات إصلاحية تاريخية، مولتها السعودية عبر جامعة الإمام وغيرها.
فهذه القضية اليوم هي المدخل لإعادة إنتاج المشروع الفكري الحضاري لليمن العروبي الإسلامي، منذ قاعدة إنسان التاريخ العظيم لأرض بلقيس، وهو أكبر حافز رشاد لإسقاط كهنوت الطائفية الإيرانية، وعودة الفقه الإسلامي الرشيد، الذي كان لليمن قاعدة صلبة أسهمت فيه كلتا مدرستيه الدينية، واللتان يحتاجهما اليمن للإسناد الروحي، لا الطائفية المقيتة الوهابية أو الشيعية السياسية، ودعم دولة الحقوق الإنسانية الراشدة، والتي لا تولد بسهولة، ولكن أولى مهامها وقف الحرب. وكون اليمن معقلاً تاريخياً للتيارات القومية باختلافها، لا يجب أن يكون محفزاً للصراع، بل دافعاً وداعماً للتكامل، وهو ما يجب على أبناء التيار القومي والتيار الإسلامي بما فيه تيار الرشاد السلفي، أن يعلموا عليه منذ الأمس وليس اليوم، وتنظيم وثيقة الحقوق والحريات اليمنية.
(يتبع)
بقلم : مهنا الحبيل
أقل ما يقال عن الواقع الخليجي المضطرب إنه اليوم في مرحلة فقدان السيطرة النسبية، وهو اضطراب شرس تطورت عبره الأزمة الخليجية، إلى واقع تجاوز أزمتها، وإن كان قرار الأزمة المجنون، الذي استَدرجت به أبوظبي العهد السعودي الجديد، كان المدخل لكل ما يجري، مذكّرين أن أزمة الإنسان العربي في الخليج، وحرمانه من حقوقه السياسية والمشاركة الشعبية، سبقت الأزمة بعقود، وميلاد الأزمة بهذه البشاعة، كان من أسباب التفرد المطلق بالحكم، وتغييب المؤسسات ومطاردة الحريات.
وهنا أول سؤال يخص الأزمة اليمنية، وهو موقع السعودية في الإعصار الذي يجري، بسبب قضية الشهيد جمال خاشقجي، بحكم أن الرياض هي الحاضن المُقيد لطرف الشرعية العاجزة، عن أي مساحة استقلال ضروري، والفاقد لقواعد لعبة مختلفة ممكن أن تُفرض اليوم، على الأقل كمناورة تضمن خروج اليمن، من الحرب المهلكة وتعود به دولة مستقرة من العنف المسلح.
وهنا نحتاج أن نحدد ما هو الخيار الوحيد الممكن أن يتحقق لليمن، في ظل هذا الحاضر الصعب، والنزف اليمني، من قصف قوات التحالف وإجراءاتها، ومن بغي الحوثيين الطائفي والمسلح، فالجميع يخوض حرباً ضد استقلال الإنسان اليمني، فنقول إن هذا الممكن هو أن تخرج اليمن من الحرب، مع الاحتفاظ بجسم ورمزية الدولة، مهما اختلفت التقديرات حول وضع الرئيس عبدربه هادي، وضعفه واختلاط الأوراق من حوله.
وبالتالي تخرج اليمن من الحرب، وتأسيس استقرار عسكري، بدمج قوات الشرعية من المؤتمريين العائدين، والمنضمين إليهم، من القوات المسلحة اليمنية التي أممها الحوثي، والمساحة السياسية للحوثي ستبقى بكل تأكيد ولا يمكن سحب كل سلاحه، في ظل إصرار طهران التي استفادت كالعادة من مواسم الغباء العربي، وها هو ترامب، يهدد الرياض بالعقوبات ويحتشد الكونغرس ضدها، لا ضد طهران.
هذا بالطبع، لا يُجزم باستمراره، والوصول إلى ترضية ودفع فواتير مجدداً لترامب، من قبل الرياض وارد جداً، لكن تظل الصورة المضطربة والمبعثرة لأمن المنطقة مؤثراً كبيراً على استقرار اليمن، فيبقى أن البنية التحتية للتسوية، هي وقف الحرب وبقاء الدولة ورمزيتها وسيادتها، رغم بقاء النفوذ السياسي وبعض السلاح لجماعة الحوثي الآثمة، كونه ضرورة مرحلية، لإنقاذ اليمن، قبل أي فرصة لاستدعاء إنسانه الحضاري، لترميم اليمن الحزين.
ولا يُمكن لوقف أي حرب إلا بالتعامل مع قواعد اللعبة الممكنة، وهنا سؤال مهم: ما هي قوة التوازن الأخرى، التي ممكن أن تلعب دوراً في الضغط لصالح إخراج اليمن من الحرب، رغم أن هذه القوى ضمن دوائر الصراع، ولا يُمكن للحوثيين أن يسقطوها، وهذه العناصر، الجيش الشرعي الوطني الذي رغم غدر أبوظبي، وفوضى السعوديين المستمرة ضده، شكّل قوة ضغط، ولو أُخرجت قوات أبوظبي وحيدت مخابراتها، لتغير الوضع الميداني، الذي يسهم في إعلان وقف إطلاق النار وبدأ التسوية.
الثاني قوة الإصلاح الاجتماعية، والتي فشلت المؤامرة الظبيانية والإسناد السعودي في سحقها، وأنا أتحدث اليوم إنسانياً وعربياً لصالح اليمن، فمهما اختلفنا مع الإصلاح فهو قوة توازن اجتماعية خلّاقة، خاصة في ظل المراجعات الفكرية المهمة، التي تتصاعد وإيمان إسلاميي اليمن بالتخلص من الإرث والأيديولوجية الوهابية، التي أسهمت فيها قيادات إصلاحية تاريخية، مولتها السعودية عبر جامعة الإمام وغيرها.
فهذه القضية اليوم هي المدخل لإعادة إنتاج المشروع الفكري الحضاري لليمن العروبي الإسلامي، منذ قاعدة إنسان التاريخ العظيم لأرض بلقيس، وهو أكبر حافز رشاد لإسقاط كهنوت الطائفية الإيرانية، وعودة الفقه الإسلامي الرشيد، الذي كان لليمن قاعدة صلبة أسهمت فيه كلتا مدرستيه الدينية، واللتان يحتاجهما اليمن للإسناد الروحي، لا الطائفية المقيتة الوهابية أو الشيعية السياسية، ودعم دولة الحقوق الإنسانية الراشدة، والتي لا تولد بسهولة، ولكن أولى مهامها وقف الحرب. وكون اليمن معقلاً تاريخياً للتيارات القومية باختلافها، لا يجب أن يكون محفزاً للصراع، بل دافعاً وداعماً للتكامل، وهو ما يجب على أبناء التيار القومي والتيار الإسلامي بما فيه تيار الرشاد السلفي، أن يعلموا عليه منذ الأمس وليس اليوم، وتنظيم وثيقة الحقوق والحريات اليمنية.
(يتبع)
بقلم : مهنا الحبيل