+ A
A -
بينما الرشيد يطوف بالبيت الحرام، إذ استوقفه رجل وقال له: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أكلمك بكلامٍ فيه غلظة، فاحتمله مني !
فقال له الرشيد: لا، فقد بعثَ الله من هو خير منك، إلى من هو شر مني، فأمره أن يقول له قولاً ليناً !
واستطراداً -على مذهب الجاحظ شيخ النثر العربي- علَّق ابن الجوزي رحمه الله على قول الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: «اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى»
قال: قولاً ليناً ! يا رب هذه رحمتك بمن قال: «أنا ربكم الأعلى»! فكيف هي رحمتك بمن قال: «سبحان ربي الأعلى»
المهم أني لأقسمُ غير حانث أنه ما من أحدٍ منكم، إلا وفعلَ على الأقل فعلاً لم يكن له رغبة فيه إلا لأن الذي طلب منه طلبه بأدب جم، وقلب لين، وأسلوب عذب ! وما من أحدٍ منكم إلا ولم يفعل على الأقل فعلاً كانت له رغبة فيه إلا لأن الذي طلب منه طلب بقلة أدب، وقلب قاسٍ، وأسلوب خشن ! فلطالما عدَّ اللغويون الأسلوب جزءاً لا يتجزأ من المعنى ! وإنه قبل اللغة واللغويين هي سُنة الله في الناس، لا أحد يطيق الإنسان الفظ الغليظ ولو كان على حق، مع أننا نعذر المخطئ متى وجدنا منه عذب التبرير وندم المخطئ، ولا حقَّ أكثر جلاءً من هذا الدين، ولا رجل جاء إلى هذا الكوكب يوماً بدعوة أصوب مما جاء به رسول الله صلى عليه وسلم، ومع هذا قال له ربنا جل في علاه: «ولو كنتَ فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»! ومن جميل ما قيل في التعقيب على هذه الآية: حتى لو كان خطابك مقنعاً، وحجتك ظاهرة، والحق معك، الأخلاق أولاً!
يكره الناس النقد ويُحبون النصح، ولكنهم على كرههم للنقد يتقبلونه إذا أُهدي على طبق من اللطف! وعلى حبهم للنصح إلا أنهم لا يتقبلونه إذا جاء إملاءً خشناً، وإرشاداً فيه فوقية، ومساعدة فيها وصاية! ومن جميل ما قال فيلسوف الهند، رابندرانات طاغور: لين الكلام قيد القلوب! وخير منه قول نبينا عليه الصلاة والسلام: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيءٍ إلا شانه»!
وانظر لأدب القرآن، ورفق الله سبحانه بالناس، وحلو كلامه حين يقول: «قلْ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله»!
المُخاطِبُ هو الله، الغني عن الناس طائعهم وعاصيهم، ولو أطاعوه جميعاً ما زاد ذلك في ملكه شيئاً، ولو عصوه جميعاً ما أنقص ذلك من ملكه شيئاً!
والمُخاطَبُ: عصاة الخلق المسرفون على أنفسهم في اقتراف الذنوب، ومع غناه عنهم وفقرهم إليه إلا أنه يناديهم تحبباً «يا عبادي»، ويبشرهم تحبباً «لا تقنطوا»، ويفصِّلُ لهم تحبباً «إن الله يغفر الذنوب جميعاً»!
تذكروا وأنتم تخاطبون الناس أن المعنى الجميل يفسده الأسلوب القبيح، وأن الأسلوب العذب يُصلِحُ من المضمون غير العذب بعض الشيء! وفي الحديث: «إن شر الناس منزلة يوم القيامة من يتقيه الناس مخافة لسانه»!
بقلم : أدهم شرقاوي
فقال له الرشيد: لا، فقد بعثَ الله من هو خير منك، إلى من هو شر مني، فأمره أن يقول له قولاً ليناً !
واستطراداً -على مذهب الجاحظ شيخ النثر العربي- علَّق ابن الجوزي رحمه الله على قول الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: «اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى»
قال: قولاً ليناً ! يا رب هذه رحمتك بمن قال: «أنا ربكم الأعلى»! فكيف هي رحمتك بمن قال: «سبحان ربي الأعلى»
المهم أني لأقسمُ غير حانث أنه ما من أحدٍ منكم، إلا وفعلَ على الأقل فعلاً لم يكن له رغبة فيه إلا لأن الذي طلب منه طلبه بأدب جم، وقلب لين، وأسلوب عذب ! وما من أحدٍ منكم إلا ولم يفعل على الأقل فعلاً كانت له رغبة فيه إلا لأن الذي طلب منه طلب بقلة أدب، وقلب قاسٍ، وأسلوب خشن ! فلطالما عدَّ اللغويون الأسلوب جزءاً لا يتجزأ من المعنى ! وإنه قبل اللغة واللغويين هي سُنة الله في الناس، لا أحد يطيق الإنسان الفظ الغليظ ولو كان على حق، مع أننا نعذر المخطئ متى وجدنا منه عذب التبرير وندم المخطئ، ولا حقَّ أكثر جلاءً من هذا الدين، ولا رجل جاء إلى هذا الكوكب يوماً بدعوة أصوب مما جاء به رسول الله صلى عليه وسلم، ومع هذا قال له ربنا جل في علاه: «ولو كنتَ فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»! ومن جميل ما قيل في التعقيب على هذه الآية: حتى لو كان خطابك مقنعاً، وحجتك ظاهرة، والحق معك، الأخلاق أولاً!
يكره الناس النقد ويُحبون النصح، ولكنهم على كرههم للنقد يتقبلونه إذا أُهدي على طبق من اللطف! وعلى حبهم للنصح إلا أنهم لا يتقبلونه إذا جاء إملاءً خشناً، وإرشاداً فيه فوقية، ومساعدة فيها وصاية! ومن جميل ما قال فيلسوف الهند، رابندرانات طاغور: لين الكلام قيد القلوب! وخير منه قول نبينا عليه الصلاة والسلام: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيءٍ إلا شانه»!
وانظر لأدب القرآن، ورفق الله سبحانه بالناس، وحلو كلامه حين يقول: «قلْ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله»!
المُخاطِبُ هو الله، الغني عن الناس طائعهم وعاصيهم، ولو أطاعوه جميعاً ما زاد ذلك في ملكه شيئاً، ولو عصوه جميعاً ما أنقص ذلك من ملكه شيئاً!
والمُخاطَبُ: عصاة الخلق المسرفون على أنفسهم في اقتراف الذنوب، ومع غناه عنهم وفقرهم إليه إلا أنه يناديهم تحبباً «يا عبادي»، ويبشرهم تحبباً «لا تقنطوا»، ويفصِّلُ لهم تحبباً «إن الله يغفر الذنوب جميعاً»!
تذكروا وأنتم تخاطبون الناس أن المعنى الجميل يفسده الأسلوب القبيح، وأن الأسلوب العذب يُصلِحُ من المضمون غير العذب بعض الشيء! وفي الحديث: «إن شر الناس منزلة يوم القيامة من يتقيه الناس مخافة لسانه»!
بقلم : أدهم شرقاوي