+ A
A -
انتشرتْ الحمَّامات العمومية زمن الخلافة العثمانية في بلادنا، وكان يُعيَّنُ على كل حمَّامٍ رجل مهمته الإشراف على نظافته، وملء الأباريق بالماء ليستخدمها من أراد أن يقضي حاجته... ويُحكى أنه في أحد هذه الحمامات دخل رجل لا يكاد يمسك نفسه، وتناول إبريقاً بسرعة وتوجّه إلى أحد المراحيض داخل الحمام العام، ولكن الرجل المشرف على الحمام نهره بصوتٍ عالٍ وقال له: أعطني الإبريق الذي في يدك وخذ هذا مكانه !
استجاب الرجل للأمر خصوصاً أن وضعه لم يكن يسمح له أن يجري أي نوع من المفاوضات والنقاشات، ولكنه أثناء قضاء حاجته -أكرمكم الله- كان يفكر بفعل المشرف على الحمام العام، ويقول في نفسه: كلها أباريق، لماذا نهرني بهذا الشكل !
المهم أنه وهو في طريقه لمغادرة الحمَّام العام قال للمشرف عليه: أريد أن أعرف الفرق بين الإبريقين من بعد إذنك
فقال له: لا فرق بينهما .
فقال له الرجل: ولمَ نهرتني إذاً.
فقال له مشرف الحمام: أنا المسؤول هنا، وأنا أحدد أي إبريق تستخدم !
الحمامات العمومية كانت فكرة جميلة تُضاف إلى عشرات الأفكار التي طبقها العثمانيون، واستطراداً جاحظياً، أقول أن اختزال عمر الخلافة العثمانية بالخمسين سنة الأخيرة حيث أصابها الترهل حال الدول عندما تبدأ تحتضر، ظلم وقلة مروءة أو في أحسن الأحوال جهل بالتاريخ !
وبالعودة إلى صاحبنا مدير الأباريق الذي أفضى إلى ما قدَّم، فإنه يوجد منه عينة في كل بيت، ومدرسة، ومستشفى، ووزارة، وورشة، ومحكمة، وجيش، وحارة ! ثمة أشخاص عندهم عقدة الإدارة، يشعرونك أن كل شيء يجب أن يمر من خلالهم وإلا سيبدو العمل ناقصاً !
من الأمراض الاجتماعية المستعصية التي نعاني منها هي تضخم «الأنا» وتورم الذاتية !
مدير الأباريق ليس إلا حلقة في سلسلة طويلة تكاد لا تنتهي، أذكرُ أننا ذهبنا منذ شهرين إلى البحر، غرسنا خيمة صغيرة تظلِّلنا، فجاء عامل البلدية ووجه إلينا بعض الملاحظات التي هي من صميم عمله مشكوراً عن ضرورة النظافة، والانتباه للأولاد، وبعد قرابة النصف ساعة حضر عامل آخر على ما يبدو أن مهمته أن يجوب الشاطئ ذهاباً وإياباً ويشرف على سير الأمور، فأعطانا ذات الملاحظات ولكن بطريقة أخرى، كان كأنما يقول لنا: أيها القوم أنا مدير البحر !
المهم من هذا كله، يكفي الناس ما عندهم من مدراء في أعمالهم فلا داعي أن ينصب كل إنسان نفسه مديراً حيث يعمل، بدءاً بخادم المسجد الذي يشعرك أحياناً أنه رضوان خازن الجنة وانتهاءً بالبواب الذي يؤز الناس أزاً كأنه مالك خازن النار !
بقلم : أدهم شرقاوي
استجاب الرجل للأمر خصوصاً أن وضعه لم يكن يسمح له أن يجري أي نوع من المفاوضات والنقاشات، ولكنه أثناء قضاء حاجته -أكرمكم الله- كان يفكر بفعل المشرف على الحمام العام، ويقول في نفسه: كلها أباريق، لماذا نهرني بهذا الشكل !
المهم أنه وهو في طريقه لمغادرة الحمَّام العام قال للمشرف عليه: أريد أن أعرف الفرق بين الإبريقين من بعد إذنك
فقال له: لا فرق بينهما .
فقال له الرجل: ولمَ نهرتني إذاً.
فقال له مشرف الحمام: أنا المسؤول هنا، وأنا أحدد أي إبريق تستخدم !
الحمامات العمومية كانت فكرة جميلة تُضاف إلى عشرات الأفكار التي طبقها العثمانيون، واستطراداً جاحظياً، أقول أن اختزال عمر الخلافة العثمانية بالخمسين سنة الأخيرة حيث أصابها الترهل حال الدول عندما تبدأ تحتضر، ظلم وقلة مروءة أو في أحسن الأحوال جهل بالتاريخ !
وبالعودة إلى صاحبنا مدير الأباريق الذي أفضى إلى ما قدَّم، فإنه يوجد منه عينة في كل بيت، ومدرسة، ومستشفى، ووزارة، وورشة، ومحكمة، وجيش، وحارة ! ثمة أشخاص عندهم عقدة الإدارة، يشعرونك أن كل شيء يجب أن يمر من خلالهم وإلا سيبدو العمل ناقصاً !
من الأمراض الاجتماعية المستعصية التي نعاني منها هي تضخم «الأنا» وتورم الذاتية !
مدير الأباريق ليس إلا حلقة في سلسلة طويلة تكاد لا تنتهي، أذكرُ أننا ذهبنا منذ شهرين إلى البحر، غرسنا خيمة صغيرة تظلِّلنا، فجاء عامل البلدية ووجه إلينا بعض الملاحظات التي هي من صميم عمله مشكوراً عن ضرورة النظافة، والانتباه للأولاد، وبعد قرابة النصف ساعة حضر عامل آخر على ما يبدو أن مهمته أن يجوب الشاطئ ذهاباً وإياباً ويشرف على سير الأمور، فأعطانا ذات الملاحظات ولكن بطريقة أخرى، كان كأنما يقول لنا: أيها القوم أنا مدير البحر !
المهم من هذا كله، يكفي الناس ما عندهم من مدراء في أعمالهم فلا داعي أن ينصب كل إنسان نفسه مديراً حيث يعمل، بدءاً بخادم المسجد الذي يشعرك أحياناً أنه رضوان خازن الجنة وانتهاءً بالبواب الذي يؤز الناس أزاً كأنه مالك خازن النار !
بقلم : أدهم شرقاوي