أكد عدد من علماء الدين، على ضرورة تهيئة النفس وإعدادها للاستفادة من شهر الصيام، لافتين إلى أن خير ما يقوم به الإنسان في شهر رمضان هو توبة لله وعزم على العمل، منوهين بأن الشهر الفضيل فرصة لفتح صفحة جديدة من الإيمان، فالواجب على المسلمين جميعاً، وهم يستقبلون الشهر الكريم، أن يتحللوا من مظالم العباد، وأن يردوا إليهم حقوقهم، وأن يقدموا بين يدي هذا الوافد الكريم النية الصالحة.
وأشاروا في حديثهم لـ الوطن إلى أهمية أن يغتنم المسلمون فرصة شهر رمضان المبارك، بالتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بالطاعات والأعمال الصالحة والإحسان، لأنه شهر الخير والجود والعطاء، فهو شهر تغمر فيه الرحمة قلوب المؤمنين، وتجود فيه الأيادي المحسنة بالعطاء للفقراء والمحتاجين، فإذا دخل رمضان على المسلم يجب أن يغتنمه بالصيام والقيام وتلاوة القرآن والاستغفار والدعاء.
صون للجوارح
بداية يؤكد فضيلة الداعية أحمد البوعينين، أن الصيام مدرسه لتهذيب للنفوس وصون للجوارح، مشيراً إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، فالصيام وجاء لك من الحرام، مؤكداً أن رمضان فرصة عظيمة لكسب الحسنات ولتحقيق الهدف الاسمي من الصيام تحقيق التقوي: والحكمة من الصيام هي التقوى، مستدلاً بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) مستعرضاً قول النبي، عليه الصلاة والسلام: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). وأشار إلى أن الصيام كتب من أجل التقوى والخوف وتهذيب السلوك، والحكمة من رمضان هي التقوى وقد عرف علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، التقوى، وقال: (هي الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والشفاعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل) وسئل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: (أما سلكت طريقاً ذا شوك ماذا عملت به قال شمرت واجتهدت)، وحث على استقبال رمضان بالصفح والتسامح والعفو قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) صدق الله العظيم.ودعا فضيلته إلى تصحيح النية بأن نصوم شهر رمضان نبتغي من الصيام الأجر ولا يكون صيام شهر رمضان عادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول، (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له).. كذلك قال عليه الصلاة والسلام (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له)، قائلا: يجب أن يكون شهر رمضان بداية للتغير والمحافظة على قراءة القران وحضور الجماعات في المسجد وصلاة التراويح وإكمالها مع الإمام والإكثار من الصدقة وصلة الأرحام وصون اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب ومراقبه الله تبارك وتعالي وعدم التهاون في الإفطار بدون عذر او مرض او سفر ولنعلم بأن أجر الصيام من الله (كل عمل ابن ادم له إلا الصوم فإنه لي وانا اجزي به) فعلينا ان نجتهد طيلة الشهر المبارك ونكثر الاجتهاد في العشر الأواخر.
مدرسة للتقوى
من جانبه يقول فضيلة الداعية د. عبد الله السادة، إن رمضان مدرسة للتقوى والرحمة والغفران والعتق من النيران، متناولاً قدر الشهر ووصفه بأنه سيد الشهور، فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألفِ شهر، وقد ثبت في الصحيحَين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن صام رمَضان إيمانا واحتسابًا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلةَ القدر إيمانا واحتسابا غفِر له ما تقدَّم من ذنبه)، لافتاً إلى أن بلوغ رمضان نعمة عظيمة، وفضل كبير من الله تعالى، حتى إن العبد ببلوغ رمضان وصيامه وقيامه يسبق الشهداء في سبيل الله الذين لم يدركوا رمضان، محذراً من انتهاك حرمتِه، وتدنيس شرفِه، وانتقاصِ مكانتِه، داعياً جموع المسلمين إلى الحفاظ على غاية الصوم من الزلل، ومن ذهاب أجر العمل، موضحاً أن الصائم أولى بحسناته من أن يذهبها لصوص الحسنات، وأن هذه الحسنات رصيد وجواز للعبور إلى مرضاة الله وتقواه، وقال: (احذروا كل الحذر أن تصوموا عما أحل الله لكم في غير رمضان؛ وتفطروا على ما حرمه عليكم في رمضان). وأشار فضيلته إلى ضرورة استشعار الفضل العظيم والأجر الكبير المترتب على الصيام لأن تجديد النية أمر مهم، فبعض الناس تعود على الصيام ولم يستشعر الأجر والثواب المترتب على الصيام، مؤكداً أن الصيام له فعل محمود في القلب؛ فهو يلين القلب القاسي من ذكر الله، ويجلو صدأ الغفلة، ويكسر حدة الغضب في القلب، ويجبر القلوب المنكسرة لعظمة الله، ويغلق أبواب الشهوات المحرمة، ويفتح أبواب المسارعة إلى الطاعات، ويشعر القلب بقرب الرب، وتلك حقيقة التقوى، كما أن رمضان شهر الخير والجود والعطاء، فهو شهر تغمر فيه الرحمة قلوب المؤمنين، وتجود فيه الأيادي المحسنة بالعطاء للفقراء والمحتاجين، فإذا دخل رمضان على المسلم يجب أن يغتنمه بالصيام والقيام وتلاوة القرآن والاستغفار والدعاء.
ميدان للتنافس
من ناحيته يشدد فضيلة الداعية عبد الله محمد النعمة، على أن رمضان موسم عظيم جعله الله سبحانه وتعالى ميدانا يتنافس فيه المتنافسون ومضمارا يتسابق فيه الصالحون، ومجالا لتهذيب النفوس وتزكية القلوب، لافتا إلى أنه شهر الصيام والقيام، وشهر القرآن والذكر والدعاء، وشهر الجود والكرم والعطاء، وشهر يتقرب فيه المسلمون إلى الله بأنواع الطاعات وصالح الأعمال والقُربات، جاء في الحديث الصحيح الذي يعد أصلا في جواز تهنئة الناس بعضهم بعضا برمضان، فقد أخرج أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «لما حضر رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه أتاكم رمضان، شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها، فقد حرم». وقال فضيلته في الصيام تحقيق التقوى والعبودية لله في أسمى صورها، وقهر النفوس وإذلالها وتربيتها على حسن الاستجابة والامتثال لأوامر الله وتربية الضمائر على مراقة الله وخشيته «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، في الصيام مواساة للفقراء ومشاطرة للمساكين إذ يتعظ المسلم بصيامه وحاجته إلى الطعام والشراب أياما، يبقى أياما معدودة وساعات محدودة، يشعر بحال الفقراء والمساكين، وأصحاب الحاجات، قيل ليوسف عليه السلام أتجوع وأنت على خزائن الأرض، قال إني أخاف أن أشبع فأنسى الجائع، كيف لا يا عباد الله، وشهر رمضان شهر الجود والعطاء وخير الناس عباد الله من ينتظرون رمضان بفارغ الصبر، تزداد فرحتهم بدخوله، فيشمرون عن ساعد الجد، ويجتهدون في الطاعة بشتى أنواعها، من صيام وقيام وتلاوة للقرآن، وتسبيح واستغفار، وذكر وتصدق وإحسان.
فضائل الشهر
بدوره دعا فضيلة الداعية د. محمد بن حسن المريخي إلى اغتنام فضائل الشهر الكريم، بالاستكثار من العمل الصالح، فقد فتح الله لكم أبوابه في شهركم هذا، أينما تولوا وجوهكم فثمة باب مشرع من العمل الصالح في رمضان، ولا مجال في هذا الشهر الكريم لغير العمل الصالح ولا يهلك في رمضان إلا هالك، لأن الله تعالى يغلق أبواب الجحيم ويفتح أبواب الجنة ويصفد الشياطين ويحال بينها وبينك من الوسوسة والإغواء والاضلال وايقاع الفتن والتخريب وهدم الأعمال الصالحة، مؤكداً أن الصيام جنة يستجن بها العبد مــــــــن النار، مستدلاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ يَوْماً فِـــــي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَـــــرِيفًا)، وقال في حديث: (رأيــــت رجلا من أمتي عطشا، كلما دنا من حوض مُنع وطُرد، فجاءه صيامه شهر رمضان فأسقاه ورواه)، مؤكداً على القيام حتى في البيوت ففيه خير كثير وأجر عظيم.
وأوضح د. المريخي أن رمضان فيه بركة للأبدان والبلدان والمجتمعات، لافتاً إلى أن الله تعالى بشر أهل القيام بخير كثير كما في قوله: (تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ)، وقال صلى الله عليه وسلم: (أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ)، مشدداً على قراءة القرآن العظيم كلام رب العالمين وتدبروه واتلوه آناء الليل وأطراف النهار ففيه الرحمة والبركة والرفعة، وكما قال تعالى: (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، ومن قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، هو حــــبل الله المتين طرفه عند الله وطرفه الثاني عندكم، منوهاً بأن الدعاء في رمضان له خاصية فقد جاء الأمر به بعد آية الصيام، وفي هذا إشارة إلى أهميته ومنزلته ومقامه فقال الله تعالى بعد آيات الصيام: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)، وقال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).