إن قرار محكمة العدل الدولية هو أفضل قرار في تاريخ القضية الفلسطينية لاستقلاليته وإلزاميته وإجراءاته التطبيقية. وقد حان الوقت للبناء عليه والتقدم إلى جميع المؤسسات القضائية الدولية؛ طلبا لجميع أنواع التعويضات التي تتيحها القوانين عما أصابنا من أضرار خلال 75 عاما وما يصيبنا الآن.

من المؤكد أن التعويض وحق العودة لا يتعارضان، بل هما مكملان لتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. فالسعي للحصول على التعويضات لا ينفي أو يقلل من حق الفلسطينيين الأساسي في العودة إلى وطنهم، إذ أن حق العودة هو حق غير قابل للتصرف منصوص عليه في القانون الدولي، وأعادت تأكيده العديد من قرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك القرار 194.

لذلك، ينبغي النظر إلى التعويض كوسيلة لمعالجة الضرر المادي والنفسي الذي لحق بالفلسطينيين نتيجة التهجير والاحتلال وهو ليس بديلاً عن حق العودة، وليس ثمناً لمصادرة الوطن، بل شكلا من أشكال التعويض عن الأضرار والمعاناة التي عانى منها الفلسطينيون على مدى سبعة عقود من الصراع والظلم.

إن المثال الذي ضربته ألمانيا، بتوقيعها على ثلاث اتفاقيات لتعويض اليهود يشكل سابقة لمعالجة المظالم التاريخية وتقديم التعويضات للمتضررين.

وأرى أنه ومن خلال التقدم بطلب إلى المؤسسات القضائية الدولية، يستطيع الفلسطينيون تأكيد حقوقهم والمطالبة بمجموعة كاملة من التعويضات التي يحق لهم الحصول عليها. ولا يشمل ذلك التعويض عن الخسائر المادية والشخصية والعامة فحسب، بل يشمل أيضًا الاعتراف بالأثر الأخلاقي والنفسي العميق للتهجير والاحتلال.

علاوة على ذلك، فإن السعي للحصول على التعويضات يبعث برسالة قوية إلى المجتمع الدولي حول مدى إلحاح وأهمية معالجة محنة الشعب الفلسطيني، ويؤكد الحاجة إلى المساءلة والتعويض في السعي إلى إيجاد حل عادل ودائم للصراع.

كما أن سعي الفلسطينيين للحصول على التعويض، يؤكد حقوقهم بموجب القانون الدولي، كما يؤكد الاعتراف بكرامتهم وإنسانيتهم وقيمتهم الأصيلة، لذا أراها خطوة ضرورية نحو تضميد جراح الماضي وبناء مستقبل أكثر إنصافًا وعدلا.

وقبل كل شيء، يجب أن يعالج التعويض عن الأرواح والخسائر المادية الشخصية التي يتكبدها الفلسطينيون نتيجة التهجير. وبالإضافة لذلك ينبغي أن يشمل التعويض أيضاً المنافع المادية العامة التي حرم منها الشعب الفلسطيني نتيجة للاحتلال. وعلاوة على ذلك، يجب أن يتناول التعويض أيضًا التأثير الأخلاقي الشخصي للنزوح على الأفراد والمجتمعات، فإلى جانب الخسائر الملموسة في الممتلكات وسبل العيش، فإن للنزوح آثارا نفسية وعاطفية عميقة، بما في ذلك الشعور بعدم الأمان والخسارة والصدمة.

وأقول في الختام إن معالجة هذه الخسائر أمر ضروري لإعادة إعمار وتنمية المجتمع الفلسطيني، وضمان حصول شعبنا العظيم على الموارد والبنية التحتية اللازمة للتنمية المستدامة والازدهار.