كثيرون هم من يبحثون عما يحفزهم، فتراهم يشترون كتب التنمية الذاتية ويشاهدون مقاطع فيلمية تحفيزية أو يحاولون كتابة الفوائد التي سيجنونها نظير العمل الجاد، علها تثير فيهم الحماسة والدافعية. بيد أن محاولات أغلبهم تبوء بالفشل، فما أن ينتهي الواحد فيهم من قراءة الكتاب أو مشاهدة المقطع المصور حتى يشعر بأن الحافز قد طار وحلق بعيداً عنه.
لا ننكر في هذا المقال مدى أهمية المؤلفات القيمة في مجال تطوير الذات، ومقدار الفائدة التي يمكن أن يحصل عليها المشاهد من متابعة محاضرة على لسان رائد من رواد النجاح. لكن بعض الناس لا تنفع معهم كل أساليب التحفيز الإيجابية، ولا الإغراءات المادية منها أو المعنوية. فتناول الحلويات بشكل يومي إلى حد التخمة، والجلوس بتكاسل دون عمل كل يوم، وإضاعة الوقت على متابعة التلفاز أو الدردشة مع الأصدقاء، يحفزهم أكثر مما تحفزهم أهداف بعيدة المدى، مهما بلغت من أهمية.
في هذه الحالة بالذات، ماذا يفعل الإنسان حتى يحصل على التحفيز اللازم؟ الإجابة ببساطة هي الخوف. طالما أن الطريقة التقليدية التي تقتضي التفكير في الفوائد التي ستجنيها من إنجازك للمشروع الفلاني أو نجاحك في امتحانات الجامعة.. إلخ لم تنفع في دفعك للقيام بالعمل المطلوب، فلمَ لا تجرب استخدام الخوف لتحفيزك.
في الواقع، غالباً ما يُنظر إلى الخوف على اعتبار أنه عاطفة سلبية تثبط عزيمة الإنسان، وتعيق تقدمه، وتقف حائلاً بينه وبين تحقيق النجاح. لكن، كما هو الحال مع الحياة عموماً، فلكل شيء سلبي جوانب إيجابية تتكشف لنا في حال أعملنا عقلنا قليلاً، وتوقفنا لبعض الوقت نتأمل ما يجري بحيادية وذهن متقد.
هذا يعني أننا بمجرد أن نوسع مداركنا ونرى الصورة كاملة بدلاً من التركيز على الجوانب السلبية للخوف أو الأحداث المعتمة، نستطيع أن نستخلص الإيجابيات من قلب المشكلات، ونحول الخوف الذي يحاول السيطرة علينا إلى حماسة جياشة، بدلاً من تركه يتحكم بنا ويدفعنا إلى التقاعس عن العمل والاستسلام في وسط الطريق.
يمكن أن يغدو الخوف حافزاً قوياً لأنه يجعلنا غير مرتاحين، ويثير فينا الرغبة في الابتعاد عما يسبب لنا الإزعاج والقلق والتوتر. الخوف من الفشل على سبيل المثال، يمكن أن يكون محفزاً يدفعك لبذل أقصى طاقتك حتى تتجنب موقفاً أو وضعاً لا تريد أن تكون فيه أو تصل إليه. والخوف من الرسوب في الامتحان يمكن أن يدفع أكثر الطلاب كسلاً إلى إجبار نفسه على الدراسة حتى لا يخفق ويجد نفسه محط سخرية الأقرباء والمعارف، أو يضطر لدخول معهد أو كلية في مجال لا يطيقه. والخوف من البقاء في نفس الوظيفة التي تكرهها إلى آخر عمرك، يمكن أن يحفزك لفعل المستحيل في سبيل تغيير منصبك الوظيفي أو حتى إيجاد عمل جديد تحبه وبراتب أفضل.
في عالم التسويق، يعمد المسوقون إلى استخدام الخوف كحافز، حيث يعرضون سيناريو معين يستحضر إحساس المشاهِد بالخوف، ثم وسط المشكلة يبرز الحل المتمثل في استخدام منتجات أو خدمات معينة، يشعر المتابع أنه باقتنائها فقط سيحصل على الراحة والسعادة. وعلى هذا المنوال، يُستخدم الخوف لبيع كل شيء تقريباً.
من هذا المنطلق، لماذا لا نطبق هذه القاعدة على أنفسنا، ونستخدم الخوف لصالحنا بدلاً من أن نتركه يستخدمنا ويعيق تقدمنا. فإذا كنت تشعر بفتور الهمة وعدم الرغبة في الدراسة مثلاً، يمكنك أن تستدعي خوفك من الظهور بمظهر الفاشل والكسول أمام أصدقائك وأقربائك في حال رسوبك في الاختبارات النهائية، فتجعل الخوف يحفزك على الدراسة. وإذا كنت تخاف الفقر والعوز، فهذا خير دافع ومحفز بوسعه أن يثير حماستك للاجتهاد والعمل الدؤوب في سبيل تغيير وضعك المادي وتحسين حياتك.