+ A
A -
هناك رابط لمثقفي الخليج العربي ذوي الروح العروبية، الحريصين على بقاء روح النهضة والمعهد العربي الأصيل، الذي تُمثله لنا عُمان منذ التاريخ الأول وعصر الأئمة، في مدافعة الاستعمار الغربي، وصولاً إلى عهد النهضة الجديد، الذي نجح بقيادة السلطان قابوس تحديداً، في خلق كيانية أخلاقية ونهضوية مدنية، أبقت بل واصلت حضور الروح الإسلامية، والمشاعر الإيمانية في أبناء الشعب.
وهذا ما يهمني بالضبط كباحث إسلامي مستقل في التجربة العمانية وليست القضية هي تعظيم أو التزكية المطلقة لكل الرحلة والذي نعرف جيداً أين نختلف كباحثين مستقلين وأين نتفق معه دون أن يحملنا هذا الخلاف الذي يتراوح في أركان البيت الخليجي بحسب الواقع الذي صنعته دوله لأبناء شعبها أولاً وللشراكة في نهضة القيم في بناء الإنسان الأصيلة في وجدان العمانيين ففسح لها مشروع النهضة مساراً حيوياً نراه اليوم مستمراً مع بقاء الطموح المشروع لشباب عُمان في بنية استكمال دستوري وشراكة شعبية مع العهد السلطاني الذي قاد بل أسس لهذه التنمية.
وهنا في ذكرى اليوم الوطني لعُمان، نهنئ السلطان قابوس وأبناء شعبه الأوفياء بالذكرى، وندعو لعمان بإخلاص ونحن نستحضر الثلاثية المهمة لرحلتها:
1- الاستقرار والسلام الاجتماعي.
2- النهضة المدنية الأخلاقية، بروح الإسلام.
3- السعي للنهضة العمرانية المستدامة.
وهذا لا يعني طبعاً أن عُمان وصلت إلى مستويات التطلع النهائية أو تجنبت كل الأخطاء في ظل صراع إقليمي دولي شرس أُدخله بغباء بعض الأنظمة إلى عمق الشارع الوطني الاجتماعي وعبر سياسة عنصرية مناطقية ومذهبية فمزق شمل وطنه قبل شمل الخليج العربي وهنا تُعرف وتتميّز التجربة العمانية وأين نضع الإشارة فيها بكل وضوح بغض النظر عن الخلاف مع بعض ملفات السياسة الخارجية بما فيها الموقف المعروف من تل أبيب التي لم يقف عند مسقط بل عبر كل الخليج بما هو أسوأ إلا ما ندر والذي لا يُسقط تقديرنا لتجربة النهضة العمانية.
وحديثي عن دور السلطنة الجديد، في ظل انهيار المجلس متصلٌ، بهذه الحصيلة النهضوية، فواقع المجلس اليوم، ليس معطلاً فحسب بل متصدّع ولاتزال مغامرة الخامس من يونيو 2017 مهيمنة على روحه كمؤسسة وسياسة إعلامية وعلاقات اجتماعية، ولن يُقر من صنعوا الأزمة اليوم في أبوظبي والرياض بذلك.
لكن من الواضح خاصة للرياض، أن الأزمة لاتزال تجر عليها كوارث لا تتوقف، وخاصة بعد عنق الزجاجة الحرج، الذي أعلنت فيه مسؤوليتها الجنائية، عن اغتيال الشهيد جمال خاشقجي، وصراعها العنيف الظاهر أو تحت الطاولة، مع أنقرة وواشنطن للوصول إلى تسوية تمنع تطوير الملف دولياً، بعد التهديد بتحميل ولي العهد المسؤولية السياسية عن الجريمة.
وبالتالي فالرياض بذاتها، بحاجة ضرورية لكسر هذا الأفق العدمي لمجلس التعاون الخليجي، وهنا يحتاج الأمر إلى أن تسعى الرياض بنفسها مع مسقط، للمساهمة في تفكيك الأزمة، والحصول على موافقة الدوحة على طيّها ووضع ضمانات لعدم تكرارها، وبالتالي سحب التعاطي الدولي للأزمة مستقبلاً والذي لا نعرف إلى أين سيقودنا، ليس لأجل الشهيد جمال، ولكن لأجل مستقبل المنطقة والسلم الأهلي في الدولة السعودية.
الذي سيظل في أزمته ما لم تصحح الرياض من علاقتها مع شعبها، وتطلق المعتقلين وتدشن عهدا دستوريا جديدا، يرد الاعتبار للشعب، وهو ما لم تتقدم فيه الرياض شبراً، رغم أن ذلك ضرورة قصوى لها.
إن حيوية الموقف العماني، وإرثه الدبلوماسي الضخم، وقناعة المحيط الدولي والإقليمي به، سيُساهم في تفكيك هذه الملفات، ثم الانطلاق إلى بنية ثقافية جديدة لهذا الإرث البائس للمجلس، وهي المهمة الثانية لعمان في المجلس الخليجي، إننا اليوم لو قُدّر لهذا المجلس أن يستمر، فأولى قضاياه هي قضية الأخلاق.
إن الانحطاط الأخلاقي الذي فجرته الأزمة، وتورطت به كل الأطراف، بعد أن فَرضت قواعد اللعبة القذرة مساحتها على الإعلام، فهنا الموقف العماني قادر بشخصيته، من وقف هذا المنزلق أولاً، ثم تفكيك الأزمة ثانياً.
ثم إطلاق مشروع أخلاق أهل الخليج، الذي لعمان مصداقية كبيرة فيه، فتسعى إلى تصحيح فوري لسحب عناصر المخابرات والمباحث المحرضة بين الشعوب ولغتها المروعة في الأزمة، ليكون البديل ثقافة سلوكية راقية، تنقذ أجيالنا الجديدة في الخليج العربي، بعد أن غمرتها أمواج الكراهية السوداء.
بقلم : مهنا الحبيل