+ A
A -
يُحكى أنه في إحدى القُرى البعيدة كانت الأخبارُ تصلُ عن تطور المدينة، عن شوارعها ومستشفياتها وحدائقها ومرافقها.. فجمعَ مختارُ القرية الناسَ واتفقوا على إرسال وفد من رجال القرية ليعرفوا حقيقة الأخبار التي تصلهم.
تشكَّل الوفد على جناح السرعة، وانطلق نحو المدينة وعندما وصل اتفق أعضاؤه أن يتفرقوا ويلتقوا نهاية النهار في مكان محدد ليعودوا، وبالفعل عند المساء اجتمعوا وعادوا إلى القرية التي كان أهلها بانتظارهم على أحر من الجمر ليرفعوا إليهم تقريراً عما يوجد في المدينة، وعندما اجتمع الجميع في مضافة القرية، طلب المختار من أعضاء الوفد أن يرفعوا تقاريرهم.
قال الأول: في المدينة مساجد كبيرة، عالية المآذن، فاخرة السجاد، وفيها رائحة طيبة، إن المدينة مكان عامر بالإيمان!
قال الثاني: في المدينة ملاهٍ ومراقص، خمور وموسيقى، هناك لا يمكن للإنسان أن يشعر بالملل!
قال الثالث: في المدينة مطاعم فاخرة، تُقدم طعاماً لم تسمعوا به يوماً، أصناف كثيرة من اللحوم والدجاج والعصائر والحلوى!
قال الرابع: في المدينة مسارح ومكتبات وأماكن تُقام فيها فعاليات ثقافية!
دُهش أهل القرية من هذه التقارير المتفاوتة التي قدمها الرجال عن المدينة، لدرجة أنهم قد تساءلوا هل ذهبوا جميعاً إلى نفس المدينة؟!
عندها قال مختار القرية: نعم لقد ذهبوا إلى نفس المدينة ولكن كل واحد منهم رأى ما كان يبحث عنه!
هذه القصة الرمزية تصلح أن تكون مثالاً للحياة برمّتها، فكأن الناس جميعاً هم وفد القرية الذي ذهب لاستكشاف المدينة، وكأن المدينة هي الحياة على اتساعها!
تجلس مع أحدهم فيصور لك الحياة رحلة عذاب ممتدة من لحظة الميلاد إلى لحظة الموت، وآخر يخبرك أنها نزهة جميلة اسمها العُمر!
أحدهم يحدثك أن لا خير في الناس وأن لا تثق إلا بنفسك، وآخر يحدثك أن الطيبة موجودة، والخيِّرين تغص بهم طرق الحياة!
أحدهم يرى أن الوصول إلى الهدف يُبرر كل طريق نسلكها مهما كانت هذه الطريق خسيسة، وآخر يرى أن نُبل الطرق من نبل الغايات، وأنه تباً للوصول إن كان سيصل إلى غايته ملوثاً!
أحدهم يعمل للدنيا كأنه باقٍ فيها إلى الأبد، وكأنه حاز على الإنذار الذي حاز عليه إبليس «إلى يوم يُبعثون»! وآخر يرى أنها ليست إلا محطة عبور، وطريق لا تلبث أن تنتهي، ومزرعة نبذر فيها والحصاد هناك «يوم يقوم الناس لرب العالمين»!
الحياة ليست قطعة من العذاب، ولا هي رحلة سياحية، إنها بين بين... فيها من هذا وذاك! والناس ليسوا شياطين وليسوا ملائكة أيضاً، على أن فيهم من فاقوا الأبالسة شراً وفيهم من قارب الملائكة خيراً! والغايات لا تُبرر الوسائل إلا عند أصحاب مبدأ «أنا وبعدي الطوفان»! وطوبى لمن رفض وسيلة قذرة لأنه يرى أن خسارة نفسه لا يجبرها ربح العالم كله ولو ربحه! ولكن الشيء المؤكد أن كل إنسان في هذه الحياة يرى ما يبحث عنه!
بقلم : أدهم شرقاوي