بيروت- رويترز- قضى الكاتب الجزائري واسيني الأعرج أكثر من ثلاثة أعوام في التنقيب عن المرحلة الأخيرة من حياة الأديبة اللبنانية مي زيادة إلى أن ضمّن هذا الجزء المرير في روايته الأحدث (ليالي إيزيس كوبيا.. ثلاثة مائة ليلة وليلة في جحيم العصفورية).
وتنطلق الرواية من البحث عن مخطوطات مفقودة كانت زيادة (1886-1941) قد دونتها أثناء وجودها في مصح عقلي شهير يقع في قلب مدينة بيروت وكان يسمى «العصفورية».
والعصفورية هو أول مصح للأمراض العقلية في لبنان، وجرى تشييده على أيدي أفراد من الإرساليات الأميركية في نهاية عام 1890 بإذن من السلطنة العثمانية. وكان في مطلع القرن الماضي أكبر مستشفى للأمراض العقلية في الشرق الأوسط. في عام 1972 توقف استعمال المصح ولكن ظلت كلمة «العصفورية» في ذاكرة اللبنانيين.
ويشير الأعرج في كتابه إلى أن أجيالا متعاقبة ركضت وراء تلك المخطوطات في كل اتجاه لأكثر من 70 سنة لكن دون جدوى ويتساءل عما إذا كانت ضاعت حقا أم أن القدر شاء غير ذلك فرماها في بقعة مظلمة ليجعل العثور عليها مستحيلا.
وبعد رحلة مضنية رافقته فيها الباحثة الكندية- اللبنانية روز خليل يتمكن الراوي من العثور على هذه المخطوطات لدى امرأة عجوز في مصر وطابق بعضها مع أوراق معدودات كان الكاتب قد وصل إليها عن طريق مقربين من الأديبة الراحلة في بلدتها الجبلية الفريكة وتحمل عنوان «ليالي العصفورية».
وبعبارة «أخيرا دونتك يا وجعي وهمّ قلبي» التي كتبتها مي زيادة على ظهر المخطوطة يدخل الروائي واسيني الأعرج إلى الأيام السود التي عاشتها زيادة حيث كانت تحتضر على مهل في المصح العقلي كما ينقل عنها ضمن مخطوطاتها المستعادة.
وتأتي الرواية على صورة واقع يصف اللحظات الأولى التي اقتيدت فيها الأديبة اللبنانية من مصر إلى بيروت عبر أحد أقاربها وتم سحبها بعنف إلى المصح العقلي فيما كانت تصر على أنها بكامل قواها العقلية وأنها «زجت ظلما في مستشفى المجانين العصفورية بهدف الاستيلاء على ميراثها العقاري والمالي».
ويصف الأعرج تلك اللحظات عبر المخطوطات التي تقول فيها مي «كنت داخل فراغ شبيه بدوار الموت، هل التي كانت بين أيديهم الحديدية هي مي الكاتبة المعشوقة من عشرات الرجال، المرأة الأنيقة التي تختار كلماتها وجملها وألبستها ومكياجها، أم كائن آخر من كوكب غير معلوم؟ حقيقة شعرت أنهم ذئاب كانت تفترسني أمام الجميع ولا من يحرك يده».
ويوغل الكاتب في السرد وفي نشر رواية تمتزج بالواقع عن المرأة المعذبة ممن تبقى لها عائليا ويقول نقلا عنها «مات الذين كانوا هنا وملؤوا الحياة علي، غادروا دفعة واحدة لدرجة أني أشعر أحيانا أنهم تخلوا عني بقصدية مسبقة أو أن الرب يعاقبني.. مات أخي صغيرا ثم أمي وأبي وتبعه الرجل الحالم والعاشق دوما الذي عوض أخي الميت، جبران (خليل جبران).. سحرني بلغته وسحره المدوخيّن، كان يريدني قريبة منه بينما هو فيّ جزء مني لكني رفضت أن أكون مجرد رقم في حديقة نسائه.. لو قادني القدر نحو ذراعي جبران كنت طحنته بغيرتي وافترقنا بسرعة بشكل بائس وحزين وحقد لا يُمحى. نعم أنا سيدة الأقدار الحارقة، ورجل نشأ في الحرية ومات فيها لا يمكنه أن يدرك حرائقي مهما تواضع معي، كان سندي وصديقي وأخي الذي لم تلده أمي وحبيبي الآخر وموته دمرني».
وبأسلوب سردي مشوق يعرض واسيني الأعرج مرحلة الأيام الثلاثمائة لأديبة مصر ولبنان ويحصي عليها أنفاسها الضيقة داخل المصح ويختار اسم «ايزيس كوبيا» الذي كانت تستخدمه كاسم مستعار.
يقع كتاب واسيني الأعرج في 351 صفحة وهو صادر عن دار الآداب في بيروت، ووقع الأعرج نسخا منه ضمن معرض بيروت الدولي للكتاب في وقت سابق من ديسمبر الجاري.
وقال الأعرج لرويترز على هامش حفل التوقيع إن كتابه يتناول الحياة الشخصية لأديبة استثنائية لف الغموض آخر سنواتها. ويضيف «سوف تستغربون أن كاتبا جزائريا من آخر الدنيا جاء ليكتب عن لبنانية ويبحث عن أماكن عاشت فيها من الناصرة في فلسطين إلى مصر ولبنان».
وقال «كانت لدي الحشرية لأن أذهب إلى الناصرة لأن معظم كتاباتها كانت تذكر فيها أصداء الكنائس والمآذن.. وحقيقة زرت منزلها هناك والمطل على المسجد الأبيض من جهة والكنيسة من جهة أخرى، وزرت السنديانة التي كانت تبقى تحتها».
ويستغرب الأعرج عدم الاهتمام اللبناني بالأديبة الراحلة قائلا «عندهم قيمة ثقافية مثل مي زيادة لا يأتون إليها ولو بشكل رمزي أو أن يصنعوا لها مزارا أو مقاما يليق بها لأن مي زيادة كانت أول أو ثاني امرأة في الوطن العربي ممن أسسن صالونا ثقافيا ناقشن فيه القضايا الكبرى مع كبار المثقفين من أمثال طه حسين والعقاد وجبران والريحاني».
ويعتبر الأعرج المولود في 1954 أحد أهم الروائيين العرب وأغزرهم إنتاجا لناحية الرواية العربية وقد ترجمت رواياته إلى 15 لغة.
وتنطلق الرواية من البحث عن مخطوطات مفقودة كانت زيادة (1886-1941) قد دونتها أثناء وجودها في مصح عقلي شهير يقع في قلب مدينة بيروت وكان يسمى «العصفورية».
والعصفورية هو أول مصح للأمراض العقلية في لبنان، وجرى تشييده على أيدي أفراد من الإرساليات الأميركية في نهاية عام 1890 بإذن من السلطنة العثمانية. وكان في مطلع القرن الماضي أكبر مستشفى للأمراض العقلية في الشرق الأوسط. في عام 1972 توقف استعمال المصح ولكن ظلت كلمة «العصفورية» في ذاكرة اللبنانيين.
ويشير الأعرج في كتابه إلى أن أجيالا متعاقبة ركضت وراء تلك المخطوطات في كل اتجاه لأكثر من 70 سنة لكن دون جدوى ويتساءل عما إذا كانت ضاعت حقا أم أن القدر شاء غير ذلك فرماها في بقعة مظلمة ليجعل العثور عليها مستحيلا.
وبعد رحلة مضنية رافقته فيها الباحثة الكندية- اللبنانية روز خليل يتمكن الراوي من العثور على هذه المخطوطات لدى امرأة عجوز في مصر وطابق بعضها مع أوراق معدودات كان الكاتب قد وصل إليها عن طريق مقربين من الأديبة الراحلة في بلدتها الجبلية الفريكة وتحمل عنوان «ليالي العصفورية».
وبعبارة «أخيرا دونتك يا وجعي وهمّ قلبي» التي كتبتها مي زيادة على ظهر المخطوطة يدخل الروائي واسيني الأعرج إلى الأيام السود التي عاشتها زيادة حيث كانت تحتضر على مهل في المصح العقلي كما ينقل عنها ضمن مخطوطاتها المستعادة.
وتأتي الرواية على صورة واقع يصف اللحظات الأولى التي اقتيدت فيها الأديبة اللبنانية من مصر إلى بيروت عبر أحد أقاربها وتم سحبها بعنف إلى المصح العقلي فيما كانت تصر على أنها بكامل قواها العقلية وأنها «زجت ظلما في مستشفى المجانين العصفورية بهدف الاستيلاء على ميراثها العقاري والمالي».
ويصف الأعرج تلك اللحظات عبر المخطوطات التي تقول فيها مي «كنت داخل فراغ شبيه بدوار الموت، هل التي كانت بين أيديهم الحديدية هي مي الكاتبة المعشوقة من عشرات الرجال، المرأة الأنيقة التي تختار كلماتها وجملها وألبستها ومكياجها، أم كائن آخر من كوكب غير معلوم؟ حقيقة شعرت أنهم ذئاب كانت تفترسني أمام الجميع ولا من يحرك يده».
ويوغل الكاتب في السرد وفي نشر رواية تمتزج بالواقع عن المرأة المعذبة ممن تبقى لها عائليا ويقول نقلا عنها «مات الذين كانوا هنا وملؤوا الحياة علي، غادروا دفعة واحدة لدرجة أني أشعر أحيانا أنهم تخلوا عني بقصدية مسبقة أو أن الرب يعاقبني.. مات أخي صغيرا ثم أمي وأبي وتبعه الرجل الحالم والعاشق دوما الذي عوض أخي الميت، جبران (خليل جبران).. سحرني بلغته وسحره المدوخيّن، كان يريدني قريبة منه بينما هو فيّ جزء مني لكني رفضت أن أكون مجرد رقم في حديقة نسائه.. لو قادني القدر نحو ذراعي جبران كنت طحنته بغيرتي وافترقنا بسرعة بشكل بائس وحزين وحقد لا يُمحى. نعم أنا سيدة الأقدار الحارقة، ورجل نشأ في الحرية ومات فيها لا يمكنه أن يدرك حرائقي مهما تواضع معي، كان سندي وصديقي وأخي الذي لم تلده أمي وحبيبي الآخر وموته دمرني».
وبأسلوب سردي مشوق يعرض واسيني الأعرج مرحلة الأيام الثلاثمائة لأديبة مصر ولبنان ويحصي عليها أنفاسها الضيقة داخل المصح ويختار اسم «ايزيس كوبيا» الذي كانت تستخدمه كاسم مستعار.
يقع كتاب واسيني الأعرج في 351 صفحة وهو صادر عن دار الآداب في بيروت، ووقع الأعرج نسخا منه ضمن معرض بيروت الدولي للكتاب في وقت سابق من ديسمبر الجاري.
وقال الأعرج لرويترز على هامش حفل التوقيع إن كتابه يتناول الحياة الشخصية لأديبة استثنائية لف الغموض آخر سنواتها. ويضيف «سوف تستغربون أن كاتبا جزائريا من آخر الدنيا جاء ليكتب عن لبنانية ويبحث عن أماكن عاشت فيها من الناصرة في فلسطين إلى مصر ولبنان».
وقال «كانت لدي الحشرية لأن أذهب إلى الناصرة لأن معظم كتاباتها كانت تذكر فيها أصداء الكنائس والمآذن.. وحقيقة زرت منزلها هناك والمطل على المسجد الأبيض من جهة والكنيسة من جهة أخرى، وزرت السنديانة التي كانت تبقى تحتها».
ويستغرب الأعرج عدم الاهتمام اللبناني بالأديبة الراحلة قائلا «عندهم قيمة ثقافية مثل مي زيادة لا يأتون إليها ولو بشكل رمزي أو أن يصنعوا لها مزارا أو مقاما يليق بها لأن مي زيادة كانت أول أو ثاني امرأة في الوطن العربي ممن أسسن صالونا ثقافيا ناقشن فيه القضايا الكبرى مع كبار المثقفين من أمثال طه حسين والعقاد وجبران والريحاني».
ويعتبر الأعرج المولود في 1954 أحد أهم الروائيين العرب وأغزرهم إنتاجا لناحية الرواية العربية وقد ترجمت رواياته إلى 15 لغة.