هل هناك تناقض في مشروع الولايات المتحدة الجديد، الذي يستقطب عواصم عربية لاستراتيجية احتواء حديث مع إيران، وتزامنه مع خريطة التنسيق والشراكة القوية معها، في العراق وسوريا ومجمل المشرق العربي؟ يبدو الجواب السريع هنا أن هناك تناقضا، لكن الحقيقة غير ذلك، فمهمة هذا المحور الجديد في مفهوم الاستراتيجية الأميركية، مختلف عن أوهام أو آمال بعض أطرافه، وهو ضمن قاعدة الكراسي المتحركة التي تسعى عبرها واشنطن والغرب، لإخراج إيران من مواضع لا تحتاجها فيه، أو تقليص حضورها.
لتقليم طموحها الجامح بعد دورة التقدم العسكري الجديد لها في اليمن والعراق وسوريا، وإن بقي حسم هذا الصراع نهائياً معلقاً، لكنه في المجمل يشهد تقدماً كبيراً، أمام انهيار فكرة ردع إيران والتوافق الأميركي معها، ببطاقات قوة وهزائم ميدانية لخصومها العرب.
هذا من حيث رؤية واشنطن لتنظيم الشراكة والصراع مع الحليف الإقليمي، والذي لا يُقلل أبداً من مستوى ومساحة شراكتهما التي تبتلع المشرق العربي، أما مع هذه الأطراف العربية فإن خطة واشنطن تختلف وتتموضع بصورة جديدة نجملها في الآتي:
1 - تحرص واشنطن اليوم على احتواء أي موقف عربي ضمن حراك استراتيجي مركزي تُديره، ولا تقبل من حيث المبدأ بأي حراك استراتيجي مستقل في كل المشرق العربي، فضلا عن منطقة الخليج العربي، وحساسية مشروعها الجديد مع موسكو وطهران والذراع الكردي الضارب لها.
2 - توقف حرب اليمن عند المنعطف الحالي، وأجواء استيعابه دوليا، وهو يؤشر لإحراز اختراق إيراني، يدفع الولايات المتحدة إلى إرجاع قواعد اللعبة القديمة، وإقناع حلفاء عرب بحيوية مشروعها، لتطويق إيران.
3 - هذا المشروع كان يكذب على العرب في كل منعطفاته، لكن تكرار استدراجها لهم، يخضع لمخاوفهم من تخلي واشنطن عن الحلفاء العرب، ومحاولة مشاركتها في أي مظلة إقليمية، بأمل تحييدها عن ملفاتهم الداخلية، ومستقبلها السياسي.
مع ملاحظة أنه ليس بالضرورة أن يكون مستوى الشراكة لأعضاء المشروع الجديد واحدة، وقد يكون هناك توافقات سرية لواشنطن بين عضو عربي أو عضوين لا يُعلن للآخرين، حتى انجاز المهمة المرحلية المقدرة أميركيا.
4 - وقد جرى في المشهد السوري عملية من هذا النموذج، لتحقيق اختراق مزعوم من الجنوب لثوار مختارين في جبهة درعا، انتهت إلى كشف ظهر حلفاء واشنطن العرب، بأيدي واشنطن وبشراكة من نظام سياسي، فسرب للأسد الخطة، وقد صُرّح بذلك الإحباط إعلاميا وسبب صدمة كبيرة للدول الأخرى.
5- نموذج خديعة درعا، هو المرشح لتكراره في هذا المشروع السياسي الجديد، وبالتالي تخسر دول إقليمية عربية كبرى المزيد سياسيا واستراتيجيا، في حين مضبطة المشروع المركزي بين واشنطن وطهران وموسكو وكُرد الصفقة، تحصد عملياتها العسكرية سياسيا في سوريا، كما هو في المشهد العراقي.
إن المستوى الذي وصل إليه الوطن العربي، من التشرذم، وانهيار أي بنية مستقرة لأي توافقات لأمنه القومي، بات في وضعه الأسوأ، بل إن ثوابت الأمن العربي ومبادئه المشتركة تذهب مع الريح، ورسميا وعبر خطاب إعلامي معلن.
كما صدر مؤخراً من الرئيس السيسي في تقاربه الأخير مع تل ابيب وحصار غزة وروح العداء لفلسطين، أو كما جرى في الميدان السوري من تطابق موقف محور نظام دمشق وحزب إيران العميل في لبنان، مع الآلة الإسرائيلية العسكرية والأمنية تحت راية حلف موسكو في سوريا.
وبالتالي فإن لهاث بعض الدول العربية لأي شراكة مع واشنطن، بعد رفضها لأي تغيير لقواعد اللعبة في سوريا والعراق واليمن، لن يؤمّن أنظمتها السياسية ولا استقرارها القومي، فتقديرات الغرب لواقع المنطقة الاستراتيجي، لن تعود للوراء.
بقلم : مهنا الحبيل
لتقليم طموحها الجامح بعد دورة التقدم العسكري الجديد لها في اليمن والعراق وسوريا، وإن بقي حسم هذا الصراع نهائياً معلقاً، لكنه في المجمل يشهد تقدماً كبيراً، أمام انهيار فكرة ردع إيران والتوافق الأميركي معها، ببطاقات قوة وهزائم ميدانية لخصومها العرب.
هذا من حيث رؤية واشنطن لتنظيم الشراكة والصراع مع الحليف الإقليمي، والذي لا يُقلل أبداً من مستوى ومساحة شراكتهما التي تبتلع المشرق العربي، أما مع هذه الأطراف العربية فإن خطة واشنطن تختلف وتتموضع بصورة جديدة نجملها في الآتي:
1 - تحرص واشنطن اليوم على احتواء أي موقف عربي ضمن حراك استراتيجي مركزي تُديره، ولا تقبل من حيث المبدأ بأي حراك استراتيجي مستقل في كل المشرق العربي، فضلا عن منطقة الخليج العربي، وحساسية مشروعها الجديد مع موسكو وطهران والذراع الكردي الضارب لها.
2 - توقف حرب اليمن عند المنعطف الحالي، وأجواء استيعابه دوليا، وهو يؤشر لإحراز اختراق إيراني، يدفع الولايات المتحدة إلى إرجاع قواعد اللعبة القديمة، وإقناع حلفاء عرب بحيوية مشروعها، لتطويق إيران.
3 - هذا المشروع كان يكذب على العرب في كل منعطفاته، لكن تكرار استدراجها لهم، يخضع لمخاوفهم من تخلي واشنطن عن الحلفاء العرب، ومحاولة مشاركتها في أي مظلة إقليمية، بأمل تحييدها عن ملفاتهم الداخلية، ومستقبلها السياسي.
مع ملاحظة أنه ليس بالضرورة أن يكون مستوى الشراكة لأعضاء المشروع الجديد واحدة، وقد يكون هناك توافقات سرية لواشنطن بين عضو عربي أو عضوين لا يُعلن للآخرين، حتى انجاز المهمة المرحلية المقدرة أميركيا.
4 - وقد جرى في المشهد السوري عملية من هذا النموذج، لتحقيق اختراق مزعوم من الجنوب لثوار مختارين في جبهة درعا، انتهت إلى كشف ظهر حلفاء واشنطن العرب، بأيدي واشنطن وبشراكة من نظام سياسي، فسرب للأسد الخطة، وقد صُرّح بذلك الإحباط إعلاميا وسبب صدمة كبيرة للدول الأخرى.
5- نموذج خديعة درعا، هو المرشح لتكراره في هذا المشروع السياسي الجديد، وبالتالي تخسر دول إقليمية عربية كبرى المزيد سياسيا واستراتيجيا، في حين مضبطة المشروع المركزي بين واشنطن وطهران وموسكو وكُرد الصفقة، تحصد عملياتها العسكرية سياسيا في سوريا، كما هو في المشهد العراقي.
إن المستوى الذي وصل إليه الوطن العربي، من التشرذم، وانهيار أي بنية مستقرة لأي توافقات لأمنه القومي، بات في وضعه الأسوأ، بل إن ثوابت الأمن العربي ومبادئه المشتركة تذهب مع الريح، ورسميا وعبر خطاب إعلامي معلن.
كما صدر مؤخراً من الرئيس السيسي في تقاربه الأخير مع تل ابيب وحصار غزة وروح العداء لفلسطين، أو كما جرى في الميدان السوري من تطابق موقف محور نظام دمشق وحزب إيران العميل في لبنان، مع الآلة الإسرائيلية العسكرية والأمنية تحت راية حلف موسكو في سوريا.
وبالتالي فإن لهاث بعض الدول العربية لأي شراكة مع واشنطن، بعد رفضها لأي تغيير لقواعد اللعبة في سوريا والعراق واليمن، لن يؤمّن أنظمتها السياسية ولا استقرارها القومي، فتقديرات الغرب لواقع المنطقة الاستراتيجي، لن تعود للوراء.
بقلم : مهنا الحبيل