ابعد عنهم قبل أن يبعدوك

لبينا دعوة للقصر..فدخلت إلى قاعة المدعوين برفقة سفير تونسي، واستاذ سياسة ومستشار ناجح..وحين مررنا بالقرب من الطاولة التي يجلس عليها سيد القصر..وتصادف ان مدير اعماله الذي أعرفه يجلس إلى جواره فهمس في أذن سيده..ثم ناداني باسمي ودعاني للجلوس عل طاولة السيد..وكم شعرت بالزهو وقد انتفخ صدرى كما ديك الصباح..والآخرون يكادون يزلقونني بأبصارهم لولا دعاء علمتني إياه جدتي مقرونا بالاخلاص والمعوذتين. تناولنا الغداء.. وسألني سيد القصر..هات ما عندك.. وفاجأني الطلب..فليس عندي شيء..فخطر في بالي حديث للعلامة التونسي عبد الفتاح مورو حين ذهب للقاء الملك فهد بن عبد العزيز طيب الله ثراه.. وقال حين تجالس الملوك حتى ولو كنت سياسيا بارعا فلا تحدثهم في السياسة وانما ابحث عن الظرافة في هذا الموقف والملوك اهل السياسة ولا يحبون احدا غيرهم يتحث فيها امامهم....فقلت يا سيدي يا صاحب الجلالة ما عندى هي رواية ظريفة وموقف نبيل حصل بين اميرة النمل والملك سليمان..عندما عبر وادي النمل وقد اكتسى بلون السواد..فقد كان النمل يلتف حول اميرته..فتقدمت منها وقالت مرحبة اهلا بك في وادي النمل وكم تحطم منه وجندك كل يوم..ولكن مقامك يدعوني ان اقدم لجلالتك حبة القمح هذه قد تراها صغيرة..لكن وزنها اكبر من وزني 100 مرة... العلامة مورو الحكاية يقول “عندما ذهبت تلبية لدعوة الملك جلست في جزء من القصر انتظارًا للقاء الملك، واستأذنت للخروج لشراء هدية له، وذهبت إلى أحد محلات الخزف الصيني وطلبت شراء مزهرية لا يزيد ثمنها على 500 ريال”. وبيّن أنه عندما قدمها للملك روى عليه قصة مفبركة للقاء سيدنا سليمان بملكة النمل التي اهدته حبة قمح، قائلة: «يا سيدي هذه الحبة قدر وزني 100 مرة وبذلت في إحضارها جهد كبير»، للإشارة إلى أن المزهرية التي أحضرها لا تساوي قدر الملك فهد ولكن هذه التي كانت في استطاعته. وكنت أحمل محفظة جديدة مطرزة قلت هذه يا سيدي ما استطعت حمله اليك من فلسطين.. ضحك سيد القصر..وتناهت ضحكته إلى صديقي المستشار الذي حين التقينا قال لي..وقد كسبت قلبه في رواية..انصحك ان تبتعد عملا بحكمة اؤمن بها «ابعد عن الملوك قبل ان يبعدوك» حقا.. من لم يكن ظريفا دائما..فلا يقترب من الملك..فبعض الملوك يفهمون ان انطلاق لسانك في مجالسهم قد يصبح امرا عاديا في غير مجالسهم..ومن ثم يكون الطرد أو بالتقطيع. كلمة مباحة خليلُكَ أنت لا مَن قلتَ خِلِّي وإن كثُرَ التجملُ والكلام
بقلم: سمير البرغوثي