لا شيء في الوجود البشري أعظم من الحرية، بدليل أن خالق هذا الكون الفسيح خلقنا أحراراً من الداخل. يمكنك أن تجبر إنساناً تحت تهديد السلاح على خلع ملابسه أو فعل أي شيء تقريباً، لكن ليس بمقدورك أن تجبر أحداً على محبتك أو احترامك بالقمع والإرهاب والتهديد؛ لأن قلوب الناس جميعاً خُلقت حرة أبية.
منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا، تزخر الحياة بالعبيد بينما يندر الأحرار في كل زمان ومكان؛ لأن الحرية ليس مطلباً سهلاً، بل وجهة تستلزم رحلة طويلة من التضحيات الجسام، والشجاعة الحقيقية في مواجهة الأخطار والتحديات وكل ما يحول بين المرء وغايته الكبرى.
في أي مكان كنت أو زمان ستلحظ دائماً أن المجتمع والناس من حولك والأنظمة السياسية في كثير من البلدان، يحاولون السيطرة عليك، وتوجيهك إلى حيث تصب مصالحهم، والإبقاء عليك في دائرة العبودية حتى يسهل التحكم بك. حتى عقلك نفسه يحاول باستمرار التحكم فيك من خلال الأفكار السلبية والأنماط السلوكية الروتينية التي تبقيك في منطقة الراحة بدلاً من الانطلاق لاستكشاف العالم، والتحرر من النمطية والتكاسل والركض اليومي البائس خلف المتع الآنية.
رغم أن الأمر واضح كعين الشمس، إلا أن غالبيتنا يتقبلون التلاعب العقلي الذاتي والخارجي بدلاً من السعي لاكتشاف الحقيقة وإسدال الستار عن المخبوء، لعيش حياة متحررة من القيود والأغلال. انظر إلى حياتك اليوم، هل أنت غارق معظم الوقت في ذكريات الماضي وهواجس المستقبل؟ هل تفعل كل ما يطلبه الآخرون وتخشى أن تخالف الغالبية؟ هل تقبل تلك الحياة البسيطة بدلاً من السعي لعيش حياة أكثر وفرة؟ هل يسيطر عليك إدمان نفسي أو جسدي معين؟
إذا كنت كذلك بالفعل، فأنت تلعب دور العبد بكل ما للكلمة من معنى. وهذا يعني أنك حتى الساعة أسير نفسك والمجتمع من حولك. فإذا كنت تقضي معظم يومك في البكاء على ما فات وانقضى، والخوف مما سيأتي به المستقبل المجهول، ولا تجرؤ على مخالفة محيطك في أي قول أو فعل، وتحيا حياة لا تشبه أحلامك في شيء؛ فأنت بلا أدنى شك سجين بأغلال لا تعد ولا تحصى.
يتساءل الكثيرون حول سبب تعاستهم اليومية، وهم لم يدركوا بعد أن العبودية لا تجلب لصاحبها سوى التعاسة. فكيف لإنسان مقيد داخلياً وخارجياً أن يستشعر طعم السعادة والنجاح؟!
في اللحظة التي تتحرر فيها من قيودك الداخلية المتمثلة في الإدمان والحزن والخوف وسيطرة الأفكار السلبية على ذهنك، إلى جانب البدء في التحرر من أغلال المجتمع شيئاً فشيئاً؛ تبدأ شمس السعادة بالإشراق على وجودك، وتتعدد مصادر النجاح في واقعك حتى تشعر وكأن الدنيا تفتح أبوابها لك على مصراعيها، بعدما كنت على يقين في الماضي أن كل الأبواب موصدة في وجهك.
لكن حتى تتحرر وتبدأ حياتك من جديد، عليك أولاً أن تعرف ما هي القيود التي تكبّلك وتعيقك عن التقدم إلى الأمام. اجلس مع نفسك في مكان هادئ، وابدأ في مراجعة أفكارك اليومية المعتادة، وتصرفاتك الروتينية، ونمط حياتك ككل، حتى تضع يدك على مكمن المشكلة، وتكتشف ما يقيدك داخلياً وخارجياً. بعد أن تعرف ما هي الأشياء التي تقيدك، تبدأ رحلة التغيير في اللحظة التي تتخذ فيها قراراً حازماً بأنك لم تعد تريد مواصلة العيش على نفس الشاكلة، وبأنك ترغب بكل جوارحك في أن تتحرر من سجن الذات والواقع لتخوض رحلة مختلفة. من بعدها تبدأ الرحلة الحقيقية. فلا تستسلم في وسط الطريق، ولا تيأس إذا لاحت المشكلات في الأفق، ولا تسمح لأحد بأن يحد من تقدمك؛ بل دافع عن أحلامك، وواصل مشوارك حتى تنال الحرية التي تنشدها، وتبلغ النجاح الذي تطمح إليه. تذكر دوماً أن من ينشد الحرية فعليه انتزاعها من فم الأسد، وهذا يتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة والجسارة، واستعداداً لفعل أي شيء في سبيل هذا المسعى النبيل. فكن على قدر الحلم والمسؤولية.