يُحكى أن الأب كان يحاول أن يقرأ الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكف عن مضايقته، وحين ضاق بابنه الصغير ذرعاً، قام بقطع ورقة من الصحيفة كانت تحوي خريطة العالم، ومزقها قطعاً صغيرة كالأحجية، وأعطاها لابنه وطلب منه أن يعيد تركيب خريطة العالم وهو يظن بهذا أنه سيشغل ابنه عنه لأطول فترة ممكنة، ولكن لم تمضِ نصف ساعة حتى كان الصغير قد أعاد تركيب خريطة العالم! دُهش الأب مما فعله ابنه، لدرجة أنه سأله ما إذا كانت أمه تدرسه الجغرافيا خلال غيابه عن البيت! فقال الصغير: لا يا أبي، لقد كان على خلف الخريطة صورة إنسان، وعندما أعدتُ تركيب الإنسان، أعدتُ بناء العالم! بعيداً عن صحة القصة من عدمها، إلا أن القصص كالأمثال بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والعبرة بالمعنى، وإن أعمق ما سطرته البشرية من حِكم وخلاصة تجارب نجده يسير على ألسنة الحيوان والسباع والطير وما كليلة ودمنة منكم ببعيد، وعند الفرنجة فالأمر سيان ومن شاء فليقرأ مزرعة الحيوان لجورج أورويل! إذا أردنا أن نبني العالم، فعلينا أولاً أن نبني الإنسان، لستُ ضد الأبراج، ولا ضد ناطحات السحاب، ولا يزعجني التطاول في البنيان ما لم يكن على حساب الإنسان، لأن الاستثمار في الإنسان يبقى، أما الاستثمار في الأشياء فإنه سرعان ما ينقضي ويزول، بل وإني أعتقد أن الاستثمار في الأشياء بدل الإنسان سيجعل الأشياء معرضة للتهديد من قبل الإنسان غير المؤهل للحفاظ على الأشياء! الحدائق، الطرق، المباني، الجامعات، المستشفيات، المدارس كل هذه الأشياء إنما تكتسب فعاليتها من ثقافة الإنسان الذي يستخدمها، فعلى سبيل المثال كل سلال العالم لا تجعل إنساناً يلقي ورقة فيها ما لم تكن النظافة مغروسة فيه أولاً!هذه بديهية وعاها الإسلام العظيم باكراً، إن النقلة النوعية التي نقلها الإسلام للعرب في غضون سنوات قليلة كانت بسبب أن الإسلام أعاد بناء الإنسان، ثم إن الإنسان بطبيعة الحال أعاد بناء الأشياء! في البداية لم يشق الإسلام الطرق، ولا أقام المستشفيات، ولكن البشر الذين أعاد الإسلام صياغتهم وهيكلتهم هم الذين شقوا الطرق، وأقاموا حضارة الأندلس على سبيل المثال لا الحصر! صغِّروا الدائرة قليلاً، ما يصح مثالاً على الدول، يصح مثالاً على البيوت، إن أسوأ استثمار يستثمره الأبوان هو في الأشياء على حساب الإنسان، مع أن الإنسان أبقى من الأشياء، بل لا بقاء للأشياء إلا بوجود الإنسان الذي يعرف قيمتها!بقلم: أدهم شرقاوي
كتاب وأراء
إعادة بناء العالم !
أدهم شرقاوي
Dec 18, 2018
شارك