+ A
A -

أعطى أبو الطيب الطبري حذاءه إلى إسكافي ليصلحه، وكان الإسكافي كثير الأشغال كثير الأعذار، وكان كلما رأى أبا الطيب قادماً إليه تذكر الحذاء، ووضعه في الماء ليوهمه أنه سيصلحه عما قريب. وكان أبو الطيب حين يرى هذا لا يشك أنه سيقوم بإصلاحه فعلاً.ولما طال العهد بهما على هذه الحال، قال له أبو الطيب: يا هذا إنما أعطيتك الحذاء لتصلحه لا لتعلمه السباحة..! يبدو أن بعض الأشياء لا تتغير على ظهر هذا الكوكب، فالملاحظ والمعاش اليوم أن إخلاف الوعود في أهل الحرف والمهن يكاد يكون سمةً عامةً، إلا من رحم ربي منهم. تقطع الكهرباء في بيتك فتتصل بأحدهم، فيقول لك: عشر دقائق أكون عندك.. وتمضي الساعة والساعتان والثلاث ولا يحضر، وهذا الوقت يكفي أديسون لاختراع مصباح كهربائي، فتبقى أنت في الظلمة، لأن أخانا بالله في ورشة أخرى ولا يريد أن يطير الزبون- الذي هو أنت- من يده..يكون عند الميكانيكي عشر سيارات للتصليح، فلا يقول لك إنه منشغل، يطلب منك أن تركن سيارتك، وترجع بعد ساعة، ولو استلمتها منه آخر النهار فقد أوتيت حظاً عظيماً، ولديهم قدرة على اختراع الأعذار تجعلك تصدق أحدهم مع إيمانك أنه يكذب.ما كنت أعرف أن على هذه الأرض هذه الكمية من الكذب وإخلاف المواعيد إلا حين شرعت ببناء منزلي كنت أركض وراء أحدهم كأنه سيعمل لي صدقة لا سيتقاضى أجره.لا أفهم ما المانع في أن يعتذر أحدهم عن ورشة جديدة إن كان لديه أخرى يعمل بها، أو ما المانع أن يخبر أحدهم أحدنا عن الوقت الحقيقي الذي سيتم فيه إنجاز عمله، كل ورشة تفتح له ذراعيها يرمي نفسه بها، يحضر ويضع فيها عدة بسيطة، ويعمل شيئاً يسيراً ثم ينصرف إلى غيرها، وبهذا يكون قد حجزها، فلا هو أخذها ولا تركها لغيره، كالذي يخطب فتاةً ويسافر ليحصل على جنسية ثم يعود، يتركها كالمعلقة لا متزوجة ولا مطلقة، لا هي له ولا لغيره. قليلٌ من الصدق يرحمكم الله، فإن الله يبارك بالقليل من الرزق مع الصدق، ويمحق الكثير منه مع الكذب..

copy short url   نسخ
28/07/2022
80