الدوحة /قنا/ تتنوع المآدب في شهر رمضان الفضيل، فتجتمع فيه كل الخيرات والعطايا والمنح الربانية.. فهو الشهر الذي حاز دون سائر الشهور، الرحمة والمغفرة والعتق من النار، ويبتهج المسلمون من كل الأعراق والأصقاع بقدومه مرة كل عام.

فإذا كان الصائم يتقوى إيمانيا على إتمام صيامه بالإتيان بالطاعات والقربات والابتعاد عن المحرمات وتطهير روحه مما علق بها من ذنوب وخطايا خلال العام. فإن هذه الروح ينبغي لها جسدا سليما يستطيع الإتيان بالعبادات والقربات في راحة من غير تعب ولا وهن، بتغذية سليمة تعين البدن على القيام بوظائفه الحيوية.

ومثل سائر شعوب الأرض، تفخر قطر بأكلاتها وأطباقها الشعبية التي لا يجد عنها المواطن بديلا على مأدبة الإفطار أو الغبقة والسحور، فتزين مائدته، وتتهادى رائحتها الزكية عبر الفرجان والدروب قاطعة مسافة تعد بمئات السنين.

وتتفرد الأكلات الشعبية، حيث إن لها مكانتها التي لا تزحزحها بقية الأطباق التي أتت بها رياح العولمة، أو بفعل عملية التثاقف بين الدول والشعوب التي ألغت المسافات والحدود في كل شيء.

ومن الرائدات القطريات اللاتي حملن مشعل التعريف بالمطبخ القطري، إقليميا وعالميا، الشيف عائشة التميمي، المؤلفة ومعدة ومقدمة برامج طبخ، والتي راكمت تجربة لعشرات السنين، سواء بتقديم برامج الطبخ على تلفزيون قطر وقناة الريان، أو عبر عدد من الفضائيات، فضلا عن تجربتها في الطبخ على متن الخطوط الجوية القطرية على الدرجتين الأولى ورجال الأعمال.

وفي هذا الصدد قالت الشيف عائشة التميمي في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/: "نظرا لما لمسته في الآونة الأخيرة من إقبال كبير على الأطباق الشعبية التي قدمتها لأسرتي وللجاليات الأجنبية المختلفة في عدد من الفعاليات، لما لها من مذاق خاص ومميز نسترجع من خلالها نكهة الماضي، فإني آثرت أن أقتسم تجربتي مع العالم من خلال كتابي الموسوم بـ/موائد شعبية قطرية/، والذي تم تدشينه في معرض رمضان للكتاب في نسخته الثانية (2023)"، منوهة بهذا الخصوص بأنها تعمل دائما على نشر ثقافة المطبخ القطري والتعريف بمكوناته سواء عن طريق المشاركة في المهرجانات أو المعارض العالمية.

وأكدت أن الطعام جزء مهم من مكونات الحضارة والإرث الثقافي لكل شعب من شعوب العالم، وهو من عناصر التراث، مشيرة إلى أن المطبخ ليس طبقا وطعاما فحسب، وإنما هو موروث اجتماعي يزخر بالتجارب الحياتية المستلهمة من الماضي، وخصوصا عندما يقترن بشهر رمضان الفضيل، حيث يكون الثريد والهريس سيدي الأطباق على المائدة القطرية في هذا الشهر.

وأوضحت الشيف القطرية عائشة التميمي، أنها شاركت في سلسلة من المعارض والملتقيات العالمية لتسويق وترويج ثقافة المطبخ القطري وفنون الطبخ بشكل عام، منها مهرجان /إكسبو ميلان ـ إيطاليا/ للأغذية لتدريب الطهاة الإيطاليين على المأكولات القطرية الشعبية عام 2015، إضافة إلى طهي المأكولات القطرية الشعبية لألف شخص في روسيا ومهرجان قطر الدولي للأغذية، وغير ذلك الكثير من المعارض.

وعن خصوصية الأطباق القطرية الرمضانية قالت: "إن المائدة القطرية على الرغم من تنوع الأكلات، فإنها لا تخلوا من الثريد والهريس، كونهما من الأكلات الصحية والمشبعة، موضحة أن الثريد ورد في فضله الكثير خاصة في السنة النبوية، وكان يتم طهيه بالحليب أو بمرق اللحم، لكن في قطر يتم طهيه بمرق اللحم مع الخضار، وتكون حباته كبيرة، وهذه خاصية الثريد القطري، مشيرة إلى أنه يتم إعداده بواسطة خبز الرقاق، حيث كان يتم إعداده في المنزل، على /التاوة/، وتوضع كل مجموعة في كيس، ووقت إعداد الثريد يتم اختيار الرقاق على حساب عدد الأسرة، ليوضع عليه المرق، ويكون اللحم مع الخضار".

وأثناء حديثها عن أكلة /الهريس/، أشارت عائشة التميمي إلى أنها تتكون من حبوب القمح، حيث ينبغي مراعاة أن يكون الحب كاملا، ويكون مع أطيب أنواع لحم الضأن، مشيرة في الوقت نفسه، إلى أنه على الرغم من بساطة الطبخ، فإنه يأخذ وقتا طويلا لأنه ينضج على نار هادئة، وقالت عن ذلك: "كانت أمهاتنا الأوليات يطبخنه على الحطب ثم الفحم، وحاليا على الغاز أو المواقد الكهربائية، وذلك حتى ينضخ اللحم بشكل كامل، بعد أن يكون تم سلقه أولا، بعد أن يتم غسل القمح ونقعه في ماء منذ الليل، ليتم وضعه على نار هادئة قد تستمر ست ساعات، حيث يتم لفه بالخيش قديما حتى يحتفظ بالبخار الذي يساعد على النضج الكامل".

ولم تخف الشيف القطري ما لحق أدوات الطهي حاليا من تطور، حيث إن هناك من يستخدم القدر الضاغط لتقليل زمن الطهي، منبهة بأن الهريس الجيد هو الذي يصنع على نار هادئة. ولاحظت أن هناك اختلافا عن القدماء بعد اكتمال النضح، فالقطريون قديما كانوا يستخدمون مضربا خشبيا لضرب الهريس وطحنه ليكون ناعما، موضحة أن تميز هريس سيدة عن أخرى كان بمدى ضربه جيدا، فكانت هذه السيدة هي الماهرة في المطبخ، بخلاف الأخرى التي لا تطحنه جيدا.

إلى ذلك، لفتت إلى ارتباط القطريين بالأكلات الشعبية في رمضان، سواء في الفطور أو السحور أو الغبقة التي تتميز كذلك بالأطباق الرئيسية والحلويات الخاصة القطرية، ومنها: البرنيوش (المحمر) الذي يصنع من الخبز المكرمل بالسكر، ويميل لونه إلى الاحمرار، وترجع قصته إلى أيام الغوص فكانوا يأخذون دبس التمر، ويتم غليه ويوضع فيه الخبز، ليتطور بعد ذلك فيتم إعداده بالسكر، ويقدم هذا فقط مع السمك، وهو من الأطباق الرئيسية في شهر رمضان.

وتقدم عائشة التميمي محاضرات فن /الإتيكيت/ -التعامل وآداب السلوك- في الجامعات والمراكز الشبابية في قطرـ وللطهاة والسيدات، إضافة لدورات طبخ افتراضية لمراكز الشباب والشابات. ودورات طهي وإتيكيت خاصة للأطفال في أكاديمية الطبخ التي أسستها عام 2018.

وحازت عائشة على المركز الأول في جائزة أفضل أسرة منتجة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية عام 2011، كما فازت بجائزة المرأة المتميزة لعملها الاجتماعي في العالم العربي 2018.