يسير الكون الفسيح من حولنا والعالم الذي نحيا فيه وفقاً لقانون السببية، الذي ينص على أن لكل شيء في هذا الوجود سبباً ومقابلاً. لا يظهر الخير من العدم ولا يكون الشر بلا مقدمات، لا نار بلا دخان ولا دخان بلا نار.
وعلى السياق ذاته، تعلمنا الفيزياء بأن لكل فعل رد مساوٍ له في القيمة ومعاكس له في الاتجاه. وفي الحقيقة، إن كل ما حولنا يسير على نفس المبدأ، لذلك يقال «إنك تحصد ما تزرعه»، إذ لا يمكن أن تزرع شجرة تفاح وتحصل على برتقال، ولا يمكن أن تزرع شجرة صفاف وتجد أمامك بعد حين شجرة سنديان، لأن ذلك يخالف سُنّة الكون.
أي شيء تقدمه في هذه الدنيا يعود إليك بطريقة ما، وله في الوقت نفسه مقابل. حتى تتفوق في المدرسة أو الجامعة يجب أن تدرس وتجتهد على طول العام الدراسي، وحتى تجني الكثير من المال ينبغي أن تصل الليل بالنهار وتعمل دون كلل أو ملل، وحتى تحظى بحب أبنائك لا بد أن تقدم لهم حبّاً في المقابل، وحتى تنال احترام الآخرين فعليك أن تتصرف كشخص جدير بالاحترام أولاً.
وعليه، فإن الحياة برمتها عبارة عن أخذ وعطاء، وليست مجرد أخذ كما يريدها الكثيرون ممن يظنون أنهم ليسوا ملزمين بتقديم شيء مقابل الحصول على شيء آخر. لذلك ترى الطالب الكسول الذي يظن أنه سينجح بالغش دون حاجة إلى الدراسة، والموظف المهمل الذي يظل يحلم براتب أعلى ومنصب وظيفي أفضل من غير أن يبذل جهداً في سبيل حلمه، والشاب الكسول الذي يريد الوصول إلى الحرية المالية لكنه ليس مستعداً للتضحية بغية تحقيق ما يطمح إليه.
وعلى هذا المنوال يعيش أناس كثر، ينظرون إلى الحياة على أنها عملية أخذ، فيبقون طوال عمرهم محرومين، لأنهم مهما قطفوا من ثمار النعم لا يشبعون من آفة الأخذ المرضي المستمر، دون إدراك أهمية العطاء في مقابل ما يأخذونه.
فكما أنك لا تستطيع أن تقف في الطريق وتجبر الناس على إعطائك المال، ولا أن تقنع شخصاً برأيك رغماً عنه، وتكسب ثقة الآخرين ومحبتهم من دون تقديم شيء في مقابل الحصول على هذه الثقة والمحبة، كذلك تماماً لا يمكنك أن تعتبر الحياة أحد ممتلكاتك التي تتصرف فيها كيفما تشاء، فتأخذ دون أن تعطي في المقابل شيئاً.
وليس في هذا القانون عيب كما يعتقد البعض ممن يعتبرون أن الحب يجب أن يكون غير مشروط، ليبرروا تصرفاتهم الرعناء والاستغلالية للآخرين من غير أن يقدموا لهم أي شيء بدورهم. إن ذلك ليس سوى نرجسية محضة وفهم خاطئ لمفهوم الحب وحقيقة الوجود.
إن قانون الأخذ والعطاء هو أشبه بقانون الظلام والنور، فلا نور بلا ظلمة، ولا ظلمة بلا نور، وبهما معاً تكتمل اللوحة، ومن خلالهما ندرك روعة تلك الأيام المشرقة التي تبعث البهجة في النفوس وسحر الليالي المظلمة حيث السكينة والسلام الروحي.
فإذا كنت ترغب بالسعادة والنجاح، لا بد أن تدرك بأنه عليك تقديم شيء في مقابل ما تتمناه، فتقدم في سبيل تحقيق أحلامك الوقت والجهد الكافي، وتقدم في سبيل الصحة التي تنشدها ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي منتظم، وتقدم من أجل الظفر بحياة أسرية ملؤها المحبة والتفاهم والاحترام، كامل الاحترام لشريك حياتك والمحبة الخالصة لأبنائك وتمنحهم من وقتك الكثير لتحظى بحبهم واحترامهم جميعاً.
أما أن تطالب الناس بتقديرك ومحبتك وأنت لا تفعل ما يستوجب ذلك، وتشكو للحياة حظك العاثر وأنك تحيا في فقر مستمر، بينما كل ما تفعله هو التذمر وعدم بذل أي مجهود يذكر في سبيل ما ترنو إليه، فهذا خاطئ.
إن من يعتاد على الأخذ دون عطاء، لن يكون سعيداً مهما فعل، بل سيدمن عادة الأخذ ولن يشبع مهما أخذ. أما من يعطي في مقابل أي شيء يأخذه، كتعبير عن شكره وامتنانه وفهمه العميق لنواميس الكون، مثل الذي يهب بعضاً مما يكسبه من مال كل شهر للفقراء والمحتاجين كتعبير عن امتنانه للخالق على ما منحه إياه من وفرة، فذلك فقط من بوسعه أن يكون راضياً سعيداً بحياته، لأنه يسير وفقاً للمبدأ القائل: «إذا أردت الحصول على شيء في هذه الحياة، فعليك أن تعطي شيئاً آخر في المقابل حتى تكتمل اللوحة».