+ A
A -
كنا نرتعد معهم، ونرتجف لمصابهم، ونعتصر ألماً ونحن نرى صورهم المأساوية..
خيام تتطاير، ومياه تغمر ما بقي فيها، وجلّه أغطية لا تمنع صقيعا ولا تدفع مرضا.
أطفال في عمر الزهور يتضورون جوعا، ويعتصرون ألما، يحلمون دون جدوى بمأوى يقيهم الفقر والقهر والحرمان ويصحون على مطر وثلج وهواء بارد يكاد يعصف بأحلامهم وأعمارهم.
«15» طفلا سوريا لاجئا غالبيتهم من الرضع، قضوا جراء البرد القارس والنقص في الرعاية الصحية، بينهم «13» لم يبلغوا عمر السنة، وعمر أصغرهم ساعة واحدة فقط، حدث ذلك في مخيم الركبان، الواقع في جنوب شرقي سوريا، قرب الحدود مع الأردن، الذي يعاني من نقص حاد في المساعدات الإنسانية.
في بلدة عرسال اللبنانية كان الوضع أكثر سوءا، حيث يعيش أكثر من «60» ألف لاجئ موزعين على 126 مخيما، إما غطتها الثلوج، أو اجتاحتها المياه، مما جعل الكثير من سكانها يهجرونها بحثا عن الدفء، مع تقلص المساعدات الغذائية والمادية من جانب الأمم المتحدة وهيئات الإغاثة.
مياه الأمطار غمرت كل شيء، ولم يبق غطاء واحد لم تبلله، وسط درجات حرارة متدنية وصلت إلى ثماني درجات تحت الصفر، لاجئة سورية حكت قصتها المحزنة: «عندي ولد صغير معاق، ونحن منذ يومين تحت الثلوج والخيم انهارت علينا، وطفلي محمود بحاجة إلى دواء وعلاج، ولم يأت أحد لمساعدتنا، والبطانيات مبللة بالمياه»، وصرخت مستغيثة: «أين العرب.. أين الإسلام.. ليس لدينا المال لدفع إيجار الأرض.. سنُهجر مرة أخرى».
قصص مروعة تحدث بها اللاجئون، لكن المعاناة كانت أفظع من كل ما قيل، وما يمكن أن يقال.
وسط هذه الأجواء كانت قطر تتحرك عبر هيئاتها الإغاثية، تقدم الخيام والأغطية والأغذية ووسائل التدفئة، وأطلقت جمعية قطر الخيرية حملة واسعة على الهواء مباشرة لجمع التبرعات لصالح اللاجئين تحت شعار «أغيثوا عرسال»، انتهت بجمع أكثر من «214» مليون ريال، تُوجت بتوجيهات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، بتخصيص خمسين مليون دولار دعما للاجئين والنازحين السوريين الذين يعانون أوضاعا إنسانية صعبة جراء النزوح وبرد الشتاء القارس.
سوف تقدم دولة قطر هذه المنحة على شكل حزمة من المعونات الإغاثية العاجلة ومجموعة من البرامج التنموية، من خلال صندوق قطر للتنمية إلى الإخوة السوريين اللاجئين في كل من تركيا ولبنان والأردن، بالإضافة إلى النازحين في الداخل السوري.
وسيتم تقديم 20 مليون دولار، من المنحة، لدعم النازحين داخل الأراضي السورية، و10 ملايين دولار لبرامج دعم اللاجئين في كل من الأردن وتركيا ولبنان ليصل مجموع المبالغ للاجئين السوريين في الدول الثلاث إلى 30 مليون دولار.
وسيتم تخصيص خمسة ملايين ريال قطري من المنحة المقررة للاجئين السوريين في لبنان لدعم حملة الإغاثة في عرسال التي تشرف عليها جمعية قطر الخيرية.
وبالتزامن مع توجيهات صاحب السمو، وحملة «قطر الخيرية»، قام الهلال الأحمر القطري بتنفيذ عملية توزيع مساعدات غذائية وشتوية على مجموعة من الأسر المحتاجة في المملكة الأردنية، وذلك بالتعاون مع الهيئة الخيرية الأردنية، وبدعم من الخطوط الجوية القطرية ضمن حملة الشتاء الدافئ لعام 2018-2019.
وهدفت الحملة، التي أطلقها الهلال الأحمر القطري بالتعاون مع شركائه في العمل الإنساني، إلى التخفيف من معاناة الأسر الفقيرة، وتقديم كافة أشكال العون والمساعدة لها، لا سيما في ظل الظروف الجوية الباردة التي يشهدها الأردن حالياً، وذلك من خلال توزيع طرود غذائية ومدافئ على إجمالي 234 أسرة محتاجة في منطقة جرف الدراويش بمحافظة الطفيلة جنوبي الأردن.
مساعدة اللاجئين السوريين بدأت مع بدء أزمة اللجوء، وتصاعدت مع تزايدها، واستمرت دون كلل أو ملل بهدف التخفيف عنهم، والوقوف إلى جانبهم وقد كان من حسن حظنا جميعا كقطريين ومقيمين على أرض الأمن والأمان وقوف بلادنا هذا الموقف الأخلاقي المشرّف، من أجل التخفيف عن أشقائنا السوريين، في واحدة من أكثر المحن الإنسانية قسوة على الإطلاق.
حيثما دعت الحاجة، كانت قطر، وكلما استغاث شقيق لبت النداء، لا منّة ولا أذى، بل عمل دؤوب ومتواصل من أجل نجدة المحتاج، أينما كان، يحركها في ذلك واجبها الإنساني وإحساسها العميق بآلام الآخرين وأوجاعهم، لقد تابعنا جميعا كيف تحركت «قطر الخيرية» قبل نحو عام لإغاثة سكان الغوطة الشرقية الذين عانوا وقتها من حصار خانق وظروف إنسانية بالغة الصعوبة، وتمكنت هذه الجمعية الرائدة في العمل الإنساني، من الوصول للمتضررين رغم صعوبة العوائق التي كانت تحول دون ذلك، ووزعت مساعدات إغاثية عاجلة للمساهمة في تغطية الاحتياجات الأساسية لهم، اشتملت على سلال غذائية وإقامة مطبخ ميداني للوجبات الساخنة، استفاد منها آلاف الأشخاص، وقبل الغوطة في حلب وفي المناطق الحدودية وفي مخيمات الشتات.
المساعدات الإغاثية القطرية تصل إلى المنكوبين بجميع أنحاء المعمورة، وصار اسم قطر معروفاً في كل العالم بإغاثة المنكوب ومساعدة المحتاج وتضميد الجراح ونشر التعليم وتنمية الموارد وبناء المساجد وحفر الآبار وبناء المراكز الصحية.
بلغت المساعدات القطرية نحو ملياري دولار سنوياً في المتوسط، متجاوزةً نسبة المساعدات الإنمائية الرسمية المقررة على الدول متقدمة النمو المعروفة اختصاراً بـ «ADO»، وهذا المبلغ يمثل نسبة فاقت 0.7 % من دخلها القومي.
ومع أن قطر غير ملزمة قانونياً بسداد تلك النسبة، إنما تقوم بها انطلاقاً من إيمانها بأهمية دعم أجندة التعاون، وبرنامج تمويل التنمية، وهي تفعل ذلك لتحقيق الأمن والسلم الدوليين وحماية حقوق الإنسان والتنمية للجميع، تحقيقاً لمجتمعات مسالمة متكاملة لا يهمش فيها أحد، وقائمة على مؤسسات قوية تستند إلى المساءلة والكفاءة.
في نوفمبر الماضي تبرعت قطر بمساعدات مالية لـ 50 ألف أسرة فلسطينية، بعد أن تكفلت بصرف رواتب موظفي قطاع غزة، وبلغت قيمة المساعدة المالية 100 دولار أميركي لكل أسرة، بميزانية اجمالية بلغت خمسة ملايين دولار، من أجل منع التدهور الخطير الذي تشهده كافة القطاعات خصوصاً قطاع الإغاثة والصحة والقطاعات الخدماتية، وقبل ذلك بنحو تسعة أشهر وجه صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بتقديم تسعة ملايين دولار كمساعدات لقطاع غزة، تتضمن الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الغذائية والوقود لتشغيل مولدات المستشفيات في قطاع غزة.
لم تُشح بوجهها يوما أمام مُحتاج، ولم تتنصل من مسؤولية، ولم تبتعد غير آبهة، وهناك من يعاني ضنك الحياة، أكان قريبا أم بعيدا، حتى صار العمل الإنساني سمة من سماتها، وطبعا من طباعها، وخصلة من خصال الخير الكثيرة التي تميزها، مصداقا لقوله تعالى:
«لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ».
هذه قطر التي نفتخر بها، وبطباعها الخيرة، وخصالها الحميدة، وسماتها الطيبة، وهذه قيادتها التي نتشرف بالتكاتف معها والولاء لها، لذلك لم تكن غريبة توجيهات صاحب السمو بتخصيص خمسين مليون دولار دعما للاجئين والنازحين السوريين، كما لم تكن الأولى ولا الأخيرة، حيث الإحساس العميق بالواجب واحد من ركائزها الأخلاقيّة التي تُشكّل قيم المجتمع وفضائله، باعتباره الدافع نحو الخير والإصلاح والصلاح.
آخر نقطة..
في الوقت الذي هبّت فيه ?كعبة المضيوم لنجدة اللاجئين «المتجمدين» في سوريا وخارجها عبر توجيهات صاحب السمو التي هي بمثابة يد العون الحانية، تغطيهم بدفء من البرد والثلج، كانت دول الحصار «تغطي» على جرائم النظام وتهرول لفتح سفاراتها بدمشق حتى قبل الوصول لحلول للشعب السوري الشقيق.??
حملة «أغيثوا عرسال»، لفتة أخرى من لفتات الخير تجاه أشقاء نسفهم الظالم ونسيهم العالم، فيما قطر استمرت عينا ساهرة للتخفيف عنهم وقضاء حوائجهم وتيسير أمورهم، وهي تفعل ما تفعله ابتغاء وجه الله، فهي لا تخلط بين مبادئها الإنسانية ومواقفها السياسية، وإنما تقدم واجبها دون مقابل، وتحركها قيمها وعاداتها وإرثها القديم، باعتبارها نصيرة المظلوم و«كعبة المضيوم».
بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول
خيام تتطاير، ومياه تغمر ما بقي فيها، وجلّه أغطية لا تمنع صقيعا ولا تدفع مرضا.
أطفال في عمر الزهور يتضورون جوعا، ويعتصرون ألما، يحلمون دون جدوى بمأوى يقيهم الفقر والقهر والحرمان ويصحون على مطر وثلج وهواء بارد يكاد يعصف بأحلامهم وأعمارهم.
«15» طفلا سوريا لاجئا غالبيتهم من الرضع، قضوا جراء البرد القارس والنقص في الرعاية الصحية، بينهم «13» لم يبلغوا عمر السنة، وعمر أصغرهم ساعة واحدة فقط، حدث ذلك في مخيم الركبان، الواقع في جنوب شرقي سوريا، قرب الحدود مع الأردن، الذي يعاني من نقص حاد في المساعدات الإنسانية.
في بلدة عرسال اللبنانية كان الوضع أكثر سوءا، حيث يعيش أكثر من «60» ألف لاجئ موزعين على 126 مخيما، إما غطتها الثلوج، أو اجتاحتها المياه، مما جعل الكثير من سكانها يهجرونها بحثا عن الدفء، مع تقلص المساعدات الغذائية والمادية من جانب الأمم المتحدة وهيئات الإغاثة.
مياه الأمطار غمرت كل شيء، ولم يبق غطاء واحد لم تبلله، وسط درجات حرارة متدنية وصلت إلى ثماني درجات تحت الصفر، لاجئة سورية حكت قصتها المحزنة: «عندي ولد صغير معاق، ونحن منذ يومين تحت الثلوج والخيم انهارت علينا، وطفلي محمود بحاجة إلى دواء وعلاج، ولم يأت أحد لمساعدتنا، والبطانيات مبللة بالمياه»، وصرخت مستغيثة: «أين العرب.. أين الإسلام.. ليس لدينا المال لدفع إيجار الأرض.. سنُهجر مرة أخرى».
قصص مروعة تحدث بها اللاجئون، لكن المعاناة كانت أفظع من كل ما قيل، وما يمكن أن يقال.
وسط هذه الأجواء كانت قطر تتحرك عبر هيئاتها الإغاثية، تقدم الخيام والأغطية والأغذية ووسائل التدفئة، وأطلقت جمعية قطر الخيرية حملة واسعة على الهواء مباشرة لجمع التبرعات لصالح اللاجئين تحت شعار «أغيثوا عرسال»، انتهت بجمع أكثر من «214» مليون ريال، تُوجت بتوجيهات حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، بتخصيص خمسين مليون دولار دعما للاجئين والنازحين السوريين الذين يعانون أوضاعا إنسانية صعبة جراء النزوح وبرد الشتاء القارس.
سوف تقدم دولة قطر هذه المنحة على شكل حزمة من المعونات الإغاثية العاجلة ومجموعة من البرامج التنموية، من خلال صندوق قطر للتنمية إلى الإخوة السوريين اللاجئين في كل من تركيا ولبنان والأردن، بالإضافة إلى النازحين في الداخل السوري.
وسيتم تقديم 20 مليون دولار، من المنحة، لدعم النازحين داخل الأراضي السورية، و10 ملايين دولار لبرامج دعم اللاجئين في كل من الأردن وتركيا ولبنان ليصل مجموع المبالغ للاجئين السوريين في الدول الثلاث إلى 30 مليون دولار.
وسيتم تخصيص خمسة ملايين ريال قطري من المنحة المقررة للاجئين السوريين في لبنان لدعم حملة الإغاثة في عرسال التي تشرف عليها جمعية قطر الخيرية.
وبالتزامن مع توجيهات صاحب السمو، وحملة «قطر الخيرية»، قام الهلال الأحمر القطري بتنفيذ عملية توزيع مساعدات غذائية وشتوية على مجموعة من الأسر المحتاجة في المملكة الأردنية، وذلك بالتعاون مع الهيئة الخيرية الأردنية، وبدعم من الخطوط الجوية القطرية ضمن حملة الشتاء الدافئ لعام 2018-2019.
وهدفت الحملة، التي أطلقها الهلال الأحمر القطري بالتعاون مع شركائه في العمل الإنساني، إلى التخفيف من معاناة الأسر الفقيرة، وتقديم كافة أشكال العون والمساعدة لها، لا سيما في ظل الظروف الجوية الباردة التي يشهدها الأردن حالياً، وذلك من خلال توزيع طرود غذائية ومدافئ على إجمالي 234 أسرة محتاجة في منطقة جرف الدراويش بمحافظة الطفيلة جنوبي الأردن.
مساعدة اللاجئين السوريين بدأت مع بدء أزمة اللجوء، وتصاعدت مع تزايدها، واستمرت دون كلل أو ملل بهدف التخفيف عنهم، والوقوف إلى جانبهم وقد كان من حسن حظنا جميعا كقطريين ومقيمين على أرض الأمن والأمان وقوف بلادنا هذا الموقف الأخلاقي المشرّف، من أجل التخفيف عن أشقائنا السوريين، في واحدة من أكثر المحن الإنسانية قسوة على الإطلاق.
حيثما دعت الحاجة، كانت قطر، وكلما استغاث شقيق لبت النداء، لا منّة ولا أذى، بل عمل دؤوب ومتواصل من أجل نجدة المحتاج، أينما كان، يحركها في ذلك واجبها الإنساني وإحساسها العميق بآلام الآخرين وأوجاعهم، لقد تابعنا جميعا كيف تحركت «قطر الخيرية» قبل نحو عام لإغاثة سكان الغوطة الشرقية الذين عانوا وقتها من حصار خانق وظروف إنسانية بالغة الصعوبة، وتمكنت هذه الجمعية الرائدة في العمل الإنساني، من الوصول للمتضررين رغم صعوبة العوائق التي كانت تحول دون ذلك، ووزعت مساعدات إغاثية عاجلة للمساهمة في تغطية الاحتياجات الأساسية لهم، اشتملت على سلال غذائية وإقامة مطبخ ميداني للوجبات الساخنة، استفاد منها آلاف الأشخاص، وقبل الغوطة في حلب وفي المناطق الحدودية وفي مخيمات الشتات.
المساعدات الإغاثية القطرية تصل إلى المنكوبين بجميع أنحاء المعمورة، وصار اسم قطر معروفاً في كل العالم بإغاثة المنكوب ومساعدة المحتاج وتضميد الجراح ونشر التعليم وتنمية الموارد وبناء المساجد وحفر الآبار وبناء المراكز الصحية.
بلغت المساعدات القطرية نحو ملياري دولار سنوياً في المتوسط، متجاوزةً نسبة المساعدات الإنمائية الرسمية المقررة على الدول متقدمة النمو المعروفة اختصاراً بـ «ADO»، وهذا المبلغ يمثل نسبة فاقت 0.7 % من دخلها القومي.
ومع أن قطر غير ملزمة قانونياً بسداد تلك النسبة، إنما تقوم بها انطلاقاً من إيمانها بأهمية دعم أجندة التعاون، وبرنامج تمويل التنمية، وهي تفعل ذلك لتحقيق الأمن والسلم الدوليين وحماية حقوق الإنسان والتنمية للجميع، تحقيقاً لمجتمعات مسالمة متكاملة لا يهمش فيها أحد، وقائمة على مؤسسات قوية تستند إلى المساءلة والكفاءة.
في نوفمبر الماضي تبرعت قطر بمساعدات مالية لـ 50 ألف أسرة فلسطينية، بعد أن تكفلت بصرف رواتب موظفي قطاع غزة، وبلغت قيمة المساعدة المالية 100 دولار أميركي لكل أسرة، بميزانية اجمالية بلغت خمسة ملايين دولار، من أجل منع التدهور الخطير الذي تشهده كافة القطاعات خصوصاً قطاع الإغاثة والصحة والقطاعات الخدماتية، وقبل ذلك بنحو تسعة أشهر وجه صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بتقديم تسعة ملايين دولار كمساعدات لقطاع غزة، تتضمن الأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الغذائية والوقود لتشغيل مولدات المستشفيات في قطاع غزة.
لم تُشح بوجهها يوما أمام مُحتاج، ولم تتنصل من مسؤولية، ولم تبتعد غير آبهة، وهناك من يعاني ضنك الحياة، أكان قريبا أم بعيدا، حتى صار العمل الإنساني سمة من سماتها، وطبعا من طباعها، وخصلة من خصال الخير الكثيرة التي تميزها، مصداقا لقوله تعالى:
«لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ».
هذه قطر التي نفتخر بها، وبطباعها الخيرة، وخصالها الحميدة، وسماتها الطيبة، وهذه قيادتها التي نتشرف بالتكاتف معها والولاء لها، لذلك لم تكن غريبة توجيهات صاحب السمو بتخصيص خمسين مليون دولار دعما للاجئين والنازحين السوريين، كما لم تكن الأولى ولا الأخيرة، حيث الإحساس العميق بالواجب واحد من ركائزها الأخلاقيّة التي تُشكّل قيم المجتمع وفضائله، باعتباره الدافع نحو الخير والإصلاح والصلاح.
آخر نقطة..
في الوقت الذي هبّت فيه ?كعبة المضيوم لنجدة اللاجئين «المتجمدين» في سوريا وخارجها عبر توجيهات صاحب السمو التي هي بمثابة يد العون الحانية، تغطيهم بدفء من البرد والثلج، كانت دول الحصار «تغطي» على جرائم النظام وتهرول لفتح سفاراتها بدمشق حتى قبل الوصول لحلول للشعب السوري الشقيق.??
حملة «أغيثوا عرسال»، لفتة أخرى من لفتات الخير تجاه أشقاء نسفهم الظالم ونسيهم العالم، فيما قطر استمرت عينا ساهرة للتخفيف عنهم وقضاء حوائجهم وتيسير أمورهم، وهي تفعل ما تفعله ابتغاء وجه الله، فهي لا تخلط بين مبادئها الإنسانية ومواقفها السياسية، وإنما تقدم واجبها دون مقابل، وتحركها قيمها وعاداتها وإرثها القديم، باعتبارها نصيرة المظلوم و«كعبة المضيوم».
بقلم : محمد حمد المري
رئيس التحرير المسؤول