الدوحة- قنا- يحرص أهالي قطر وغيرهم من دول الخليج والعالم العربي على تطييب المجالس والمنازل باستمرار، خاصة في الأعياد والمناسبات المهمة، وذلك انطلاقا من حرصهم على تطبيق السنة النبوية بالتطيب، ليس في الملبس أو البدن فقط، بل في المكان أيضا.
والتطيب والتطييب سنة نبوية، كما روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال «ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم» (رواه مسلم)، وكان صلوات الله وسلامه عليه يحب الطيب، ويأمر به، خاصة في يوم الجمعة، كما ورد في السنة المطهرة.
ومن هنا يوجد اهتمام خاص بتطييب المجالس والمنازل في قطر خلال كل الأوقات، غير أنه في الأعياد يكون الأهالي أكثر حرصا على ذلك، باعتباره من التقاليد والعادات الطيبة والأصيلة في المجتمع.
وعن العود والبخور والتطيب، قال السيد عبدالعزيز البوهاشم السيد الباحث في التاريخ والتراث، لوكالة الأنباء القطرية قنا، إن للعود تاريخا خاصا مع المجالس القطرية والخليجية بشكل عام، ووجوده أساسي لتطييب الضيوف، وهو أمر تتناقله الأجيال على الرغم من ارتفاع سعره، حيث يوجد منه أنواع فخمة جدا، وهناك شغف كبير لدى البعض باقتناء الأفضل.
وأوضح أن هناك فرقا بين العود ودهن العود والبخور، فالعود يكون عبارة عن قطع خشبية مأخوذة من ساق شجرة العود وجذورها، فهو من الشجرة الطبيعية، وهذا يستخدم في تطييب المجالس، أما البخور فيتم تصنيعه من مواد طبيعية، إلى جانب مواد عطرية وزيوت وخشب وغيرها، وبمرور الوقت، تمت إضافة المزيد من المواد إلى البخور لتعزيز رائحته وقدرته على الاحتراق لأطول فترة ممكنة، لافتا إلى أن النساء قديما كن يصنعنه في البيوت، ويستخدم أكثر في البيوت، أما دهن العود فهو زيت عطري ذو رائحة مميزة وزكية، ويستخرج من شجرة العود، ويتم استخدامه من قبل الرجال والنساء.
وأشار إلى أن تاريخ تجارة البخور والعود قديم في المنطقة العربية، حيث كانت تجارته رائجة في السابق وساهمت في تعزيز التبادل الثقافي، منوها إلى أن هناك العديد من أنواع العود مثل الكمبودي، والهندي، والفيتنامي، وغيرها، وإلى أن المضيف يقدم العود من طرف المدخن ويدور على الضيوف مرتين أو ثلاث مرات، وبذلك تظل رائحة العود عالقة بالثياب والغترة والبشوت مدة طويلة.
وحول التطورات الحديثة ووجود معطرات إلكترونية، قال السيد «نؤيد التطور، لكن في المجالس طبيعة خاصة للارتباط بتراثنا حتى إن بعض المكابس (المداخن) لها أسعار باهظة، نظرا لقيمتها التاريخية، فالمكبس يعد رمزا من التراث الشعبي لدول الخليج العربي ويصنع من الفخار، وكذلك من الخشب، ويكون مكسيا بطبقة معدنية، أو من المعدن وله أحجام مختلفة وأشكال مربعة أو دائرية، وبعضها يحمل تصاميم جذابة».
من جهتها، قالت نورة محمد النعمة الباحثة في التراث الشعبي، في تصريح لـ قنا، إن أهل الخليج والعرب اهتموا بالبخور والعود منذ زمن طويل، وله أهمية خاصة لديهم لارتباطه بالأفراح والمسرات، مشيرة إلى أن البخور كان في السابق يتم صنعه يدويا ومحليا بأيدي الأمهات والجدات، لكن بكميات قليلة، وكان معظمه يستورد من الدول المجاورة مع اختلاف المسميات حسب كل دولة.
ونوهت إلى أن طريقة تحضيره كانت تتم بطرق بسيطة، وتستخدم في صنعه أعواد الخشب الذي يقطع لقطع صغيرة ويتم طحنه، ثم يمزج بالماء والسكر ليزيد تماسكه مع إضافة العطور حسب رغبه كل شخص، ثم يكور باليد ويعرض في الشمس لفترة حتى يجف، وهذا حسب ما رأيت من جدتي عندما كانت تصنع البخور لنفسها.
وأوضحت أن العود يختلف عن البخور الذي يوليه أهل قطر والخليج اهتماما خاصا، فالعود يستخلص من أنواع أخشاب معينة من الأشجار بعد مرض هذه الأشجار وتغير لونها، حيث تفرز مادة زكية الرائحة، كما أن العود منه الجيد ومنه الرديء، وتختلف أنواعه حسب البلد الذي يجلب منه، ويعد من الأشياء الثمينة والغالية لدى أهل قطر، بدليل حفظه في أماكن قد تكون خاصة في صناديق وعلب تختلف من شخص لآخر وحسب نوعية العود، فالغالي منه قد يحفظ منه في صناديق قد تكون حديدية حاله حال الذهب والألماس.
وأشارت نورة النعمة إلى أن العود قد يستعمله الرجال في المناسبات الرسمية، مثل الأعياد واحتفالات الأعراس، وعند الزيارات المختلفة وأيام الجمع قبل الصلاة، وغيرها، فلا يخلو أي مجلس قطري من العود ورائحته العطرة في المكان، منوهة بأن العود يتم استعماله بشكل يومي تقريبا من جانب معظم أهل قطر، وعادة يومية لا تستغني عنها المرأة القطرية، بالإضافة إلى المناسبات المختلفة مثل الأعراس والأعياد، وعند وجود الضيوف، وقد يكون حتى لتعطير المنزل لتصبح رائحته عطرة جميلة.. وقالت الباحثة في التراث الشعبي إن هناك فرقا بين استعمال البخور والعود، فالعود يستعمل في جميع المناسبات، أما البخور فلا يستعمل في جميع المناسبات، وله أوقاته الخاصة، وقد يكون استعماله في المنزل فقط، ولا يمكن أن يقدم في المبخرة للضيف، مثله مثل العود المعطر لا يقدم للضيوف إلا نادرا.