«قالوا إجا (جاء) العيد.. قلت العيد لصحابه.. شو نفع العيد للي مفارق أحبابه.. العيد يا يُما لما بلادنا بتعود وأرجع على أرض الوطن وأبوس ترابه.. يا يُما لو جاني العيد اسألوا وين الغوالي.. الناس بتلبس ثوب جديد يما وأنا أشيل من الردم عيالي».
في الثمانينيات من القرن الماضي كتب الشاعر الفلسطيني أبو عرب كلمات أغنية العيد، لتصبح من أشهر أغاني العيد التراثية الفلسطينية التي تحاكي الحزن المقدسي الذي لا ينتهي، تمر الأعياد والحزن مقيم، مرة في القدس، ومرة في جنين، ومرة في الشيخ جراح، وأخيرا في غزة، المدينة التي غادرها أهلها وفي قلوبهم هواؤها وماؤها وأرضها وذكريات لم تمحها آلة الحرب، من غزة للقاهرة انتقلت النساء والأطفال وانتقل معهم الكعك الفلسطيني ومعمول غزة.
في موسم عيد الفطر، لا يفارق الكعك والبسكويت أي مائدة مصرية منذ الساعات الأولى من صباح العيد، تعددت طرق صنع الكعك منزليا، واختلف المصريون بين جودة الكعك المنزلي ذي النكهة المصرية المميزة، وبين المباع جاهزا في محال الحلويات على اختلاف مستوياتها، لكن هذا العام انضم المعمول الفلسطيني والكعك الغزي لقائمة تفضيلات المصريين في صناعة كعك العيد، بعد أن وجدت نساء غزة المتضررات من الحرب في موسم الفطر، فرصة من أجل كسب العيش والبدء في البحث عن عمل يغنيهم عن المساعدات.
إيمان تستبدل الهندسة بخبز الكعك
تقول إيمان أحمد «جئت إلى مصر في أواخر يناير/ كانون الثاني، بعد أن قصف بيتنا واستشهدت أختي وعائلتها، ولأن أمي مصرية فقد خرجت عائلتنا من غزة عبر التواصل مع الخارجية المصرية».
إيمان في الثلاثينيات من عمرها، وما تبقى من عائلتها 15 فردا فقط، أخ وشقيقتان وأبناؤهما، حياتها كانت مستقرة في غزة، حيث كانت تعمل إيمان مهندسة زراعية، وشقيقتاها إحداهما ممرضة والأخرى مدرسة، بينما كان شقيقها يعمل بالتجارة، في لحظات انهار كل شيء، ولم يتبق للأسرة سوى جنسية الأم المصرية يتعلقون بها كقشة تنقذهم من الغرق «خرجنا من غزة إلى مدينة طنطا حيث شقيقتنا الكبرى المتزوجة بابن خالتنا المصري وتقيم هناك، واستأجرنا شقة لنعيش فيها جميعا بأقل الإمكانيات».
البحث عن عمل لأي من الأشقاء الأربعة لم يكن بالأمر السهل، الهندسة الزراعية تخصص غير عملي في مصر، والتمريض يحتاج إلى ترخيص مزاولة مهنة، أما التدريس فاختلاف المناهج الفلسطينية والمصرية وقف عائقا أمام وجود فرصة مناسبة في إحدى المدارس.
«منذ بداية رمضان فكرت في مشروع الكعك والمعمول الفلسطيني لموسم عيد الفطر وذلك لتمكني مع شقيقاتي من خبز الكعك بنتائج ممتازة»، تحكي إيمان للجزيرة نت عن الفارق بين الكعك والمعمول الفلسطيني ونظيره المصري «نحن نستخدم خلطة معينة من الشمر والينسون والمحلب وجوزة الطيب والمستكة وزيت الزيتون مع العجوة، فيضاف للكعك نكهة مختلفة عن الكعك المصري».
الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، كانا من الأسباب التي أرقت إيمان بعد البدء في تنفيذ المشروع، فتقول «تفاجأت بأسعار الخامات من الزبدة والسمن، فاثنان كيلو من الكعك يتطلبان خامات أساسية وزبدة بحوالي 1200 جنيه (الدولار الأميركي يعادل 47.55 جنيها مصريا) وهذه مبالغ كبيرة للغاية بالنسبة لنا في غزة».
من خلال مجموعات الجاليات الفلسطينية في مصر عبر موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، بدأت إيمان تروج لمشروعها الصغير، وتوالت عليها الطلبات من خارج طنطا، يتراوح سعر المعمول الغزي لدى إيمان بين 300 و350 جنيها، بحسب الحشوات المستخدمة، تقول إيمان إن السعر يعتبر متوسطا بين مستويات الأسعار في مصر بالإضافة لارتفاع سعر الخامات المستخدمة.
أم غانم أنقذها القدر مرتين
في القاهرة، بدأت أكثر من سيدة غزية مشروعها كعك العيد الفلسطيني، حالف الحظ أم غانم مرتين، مرة حين غادرت غزة قبل بداية الحرب بشهر مع زوجها وأبنائها لزيارة ابنها المقيم بالقاهرة للعلاج، قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كانت أم غانم تعد العدة لعودتها لتل الهوى، حيث تسكن في غزة، لكن تدخل القدر مرة أخرى، وتأجلت العودة لتجد السيدة الخمسينية نفسها عالقة بالقاهرة مع عائلتها دون أي مصدر للدخل.
«تركت بغزة 3 أولاد وابنتي القعيدة، ومعي 3 آخرون وزوجي»، تقول أم غانم للجزيرة نت إنها بدأت مشروعها كوسيلة وحيدة للعيش في مصر التي تفاجأت فيها بارتفاع الأسعار بصورة لم تتوقعها، وبمساعدة أهل الخير قامت أم غانم بشراء فرن وصاجات للكعك ومستلزمات العجن والخبز، وبدأت في تلقي طلبات المعمول والأساور الفلسطينية.