حجز برنامج «تأملات» الذي تعرضه شاشة قناة الجزيرة مكانه في قلوب متابعي الجزيرة، واستطاع البرنامج في وقت قصير أن يحظى بنسب متابعة ومشاهدة عالية، نتيجة الجهد الكبير الذي يقوم به فريق عمل البرنامج من إعداد وتقديم وتحضير وعمليات بحث مطولة.وينتظر الجمهور كل أسبوع أحدث حلقات البرنامج ليستمتعوا بجماليات اللغة وسحرها، وكانت آخر حلقات البرنامج قد نالت إشادة وتفاعلا من الجمهور، وتطرقت لشاعر سطّر حياته في شعره، فكان صادقا وواقعيا في مجونه وعبثه وفي زهده، حظي بمكانة عند الخليفة هارون الرشيد، رغم أنه أدخله السجن أكثر من مرة، وقال عنه الإمام الشافعي «لولا مجونه لأخذت عنه العلم»، هو الشاعر الحسن بن هانئ، وكنيته «أبو علي»، ويعرف بأبي نواس، وقد حلق بأفكاره متحديا الخريطة التي أطرها الشعر التقليدي بموضوعاته وكلاسيكيته لبناء مفهوم جديد خارج عن المقاييس، إذ أسس لشعره منهجا خاصا به، وشكل أسلوبه قدرة فائقة على مخاطبة واقع المجتمع العباسي وعلى كشف شخصيته بوضوح. وقال محمد صالح مقدم البرنامج: ولد أبو نواس في منتصف القرن الثاني الهجري في الأهواز من أب عربي وأم فارسية. مات والده وهو صغير، فصرفته أمه إلى عطار يشتغل عنده في أسواق البصرة، ولكن أبا نواس راح إلى جانب عمله يتردد إلى مجالس العلم، فخالط «المسجديين». ثم تعرف إلى خلف الأحمر، فكان يراجعه في الشعر ومعانيه، وفي الوقت نفسه توثقت صلته بمجان عصره في البصرة والكوفة، أمثال والبة بن الحباب ومطيع بن إياس، وحماد، فتخرج على مذهبهم في التهتك والمجون.وأضاف: انتقل إلى بغداد بعد خروجه سنة كاملة إلى البادية ليقوم لسانه على العربية الصحيحة. وربطته بالبرامكة صلات متينة، وله قصائد في مدحهم، كما حظي ببعض العطاء من الخليفة هارون الرشيد، إلا أنه أنزله السجن أكثر من مرة. ولكن الحياة ضحكت لأبي نواس عندما ضمه الأمين (ابن هارون الرشيد) إلى مجلسه، فانقطع إليه وأصبح شاعره المقرب.وتابع: امتلك أبو نواس ثقافة فكرية متنوعة، متناقضة، متمردة على الخصوصيات الاجتماعية التي كانت سائدة في عصره، ويتضح ذلك في دعوته إلى الانعتاق من كل ما يرفضه العقل، لكنه كان محافظا على الصياغة الأصيلة للغة العربية. فقال عنه الإمام الشافعي «لولا مجون أبي نواس لأخذت عنه العلم».وأكمل: حقق الشاعر توازنا في شخصية جمعت بين الجد والهزل، فكان شاعرا متنوعا، يطرق كل موضوعات الشعر. وقيل إنه كان يعشق جارية اسمها جنان، وكان ولعا بها، ثم افترقا. ومن شعره فيها: ولي قلب ينازعني إليها.. وشوق بين أضلاعي حثيث، رأت كلفي بها ودوام عهدي.. فملتني، كذا كان الحديثوأضاف: وقد عكست شخصية أبي نواس البيئة العباسية بكل ما شهدته من تناقضات، وحاول بشعره التعبير عن تجربة وجدانية فكرية، حضارية انطلاقا من تفاعله مع مجتمعه وعصره. كما استفاد من البيئة العباسية الثقافية، وهو ما برز في عمق المعاني والجدل الكلامي واستخدام المنطق النفسي الذي يعكس فهمه الطبيعة البشرية:فقل لمن يدعي في العلم فلسفة.. حفظت شيئا، وغابت عنك أشياء، لا تحظر العفو إن كنت امرأ حرجا.. فإن حظركه في الدين إزراء.كما انحاز إلى التجديد عبر ربط الشعر بالحياة وتطورها، وهو القائل في رده على إبراهيم النظام:دع عنك لومي، فإن اللوم إغراء.. وداوني بالتي كانت هي الداءوقد توفي أبو نواس عام 198 هجرية، وذلك بعد ضعف شديد أصابه في جسده وحزنه لمقتل الأمين، ووجدت تحت وسادته قصيدة يقول فيها:يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة.. فلقد علمت بأن عفوك أعظمما لي إليك وسيلة إلا الرجا.. وجميل عفوك، ثم إني مسلم