يطلُّ علينا شهرُ شوَّال من كلِّ عامٍ حاملاً معه ذكرى غزوة أُحد، ففي السابع منه للسنة الثالثة من الهجرة الشريفة سلَّ الإسلام سيفه في ثاني غزواته المشهودة!
قبلها بأيام رأى النبيُّ ﷺ في المنام كسراً في سيفه، فأوّلها بمقتل أحد أقاربه، فكان استشهاد أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب.
انقضتْ غزوة أحد، أما دروسها فما زالت صالحة لكل زمان ومكان، ومنها:
1 - قد يخسرُ الحقُّ معركةً ولكنه نهاية المطافِ يكسبُ الحربَ، علينا أن لا ننشغلَ بالنصرِ والهزيمةِ بقدر انشغالنا في أن نكون في صفِّ الحق فعلاً وبعيداً عن صفِّ الباطل فعلاً! نحن نهاية المطاف لن نُسأل عن النتائج وإنما عن السَّعي، ولن نُسأل عن الوصول وإنما عن المسير، قتلى المسلمين في غزوة أُحد شُهداء في الجنّة رغم هزيمتهم، وقتلى المشركين جِيَفٌ في النّار رغم انتصارهم، فالعبرة ليست في البقاء على قيد الحياة وإنما بالبقاء على المنهج أو الموت عليه، وإنَّ أصحاب الأخدود أُبيدوا عن بكرة أبيهم ولكنّهم قد حطُّوا رحالهم في الجنّة بعد أن امتطوا صهوة اللهب، والماشطة وأولادها كان الزيتُ المغليُّ مركبهم نحو الخلود!
2 - معصية أمر واحد من أوامر النبيِّ ﷺ أدَّتْ إلى الهزيمةِ يوم أحد، فلا تُمني الأمةُ نفسها بالنصر بغير طاعة أوامر نبيها، لا نصر إلا بالطاعة. فإن لاذت الأمة باللهِ نصرها ولو قلّتْ أسبابها المادية، وإن ابتعدتْ عنه تركها لما بين يديها من أسباب!
3 - النصر والهزيمة مجرد طقس، أما الإيمان مناخ، لا يجعلكم تقلب الطقس تشكون في صحة المناخ! نعم هُزِمَ المسلمون ولكنّهم كانوا على حقٍّ، وانتصر المشركون ولكنّهم كانوا على باطل!
4 - هزيمة تجعلك تلجأ إلى الله، خير من نصر يجعلك تطغى، وسبحان من يؤدب عباده بما يكرهون ليجعلهم له كما يُحب! ولو انتصرَ المسلمون يوم أُحد رغم مخالفتهم أمر النبيِّ ﷺ لُهدَمَ في نفوسهم، ونفوس كل المسلمين من بعدهم، أهم درسٍ في الإسلام: طاعة الله ورسوله!
5 - القتل واحد، ولكن العاقبة ليست سواء: قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار!
سُنّة للهِ ماضية، في كل زمان ومكان، في نزالٍ وقتال، اُنظروا للأمر من هذه الزَّاوية يهن المصاب!
6 - في الأزمات تظهرُ معادن الناس، هناك انكشفَ ابن سلول، وهناك أيضاً صدقَ أنس بن النضر ربه، فأنزل فيه «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه…»
الأزمات كاشفات، تُميطُ الأقنعة وتُظهر الوجوه الحقيقية للنّاس!
فالحمدُ للهِ الذي يرسلُ علينا الأزمات كي لا يُبقينا مخدوعين!
7 - النصر والهزيمة ساعة وساعة، يُهزم الحق في جولةٍ كي لا تمتلئ صفوفه بالمنافقين، وبعبَّادِ النّتائج! ويكسبُ في جولةٍ كي لا يشك أصحابه في سلامة المنهج، وصحة الطريق!
8 - وَضْعُ الرماةِ على الجبل يخبرك إلى أي حدٍّ كان النبيُّ ﷺ يأخذ بالأسباب، لم يقل أنا نبيٌّ وسأنتصر على أية حال، كان يأخذ بالأسباب ما استطاع، ولكنه يعقد ثقته برب الأسباب لا بالأسباب!
9 - القائد لا يحتمي بجنده بل يتقدمهم، وعندما أصابَ الصحابةُ الهلعَ، كان عليه الصلاة والسلام ثابتاً يرمي «أُبي بن خلف» بالحربة فيخور أمامه كالثور ويقع ميتاً!
فلا يستكثرنَّ أحدٌ نفسه على الله، ولا يرضَ بمقعدِ التّنظير ليُبرِّرَ قعوده مع الخوالف!
فقتال غزَّة اليوم على مثال المثال هو جهاد دفعٍ، وجهاد الدّفع فرضُ عينٍ كالصلاة، لا يسقطُ عن أحدٍ إن قام به غيره!
فإن قعدتَ، فعلى الأقل فليسلمْ منكَ من قام به نيابةً عنكَ!
أما التنظير، ولبس عباءة المُفكّر، فإنه أقبح ما يكون في حضرة الدّم!
10 - إن أشد ما في يوم أحد من وجع، لا نزول الرماة مع أنه موجع، ولا استشهاد حمزة مع أنه يفطر القلب، ولكنه الدم الذي سال من النبيِّ ﷺ يوم شجوا رأسه وكسروا رباعيته/ مقدمة أسنانه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: «كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وكسروا رباعيته»، واللهِ إن كوكباً سال فيه دم رسول الله لهو كوكب سوء!