قبل فترة أعدت قراءة المشهد الإيراني من جديد، كان الهدف فهم التحولات الاجتماعية والثقافية في إيران، والتي تُمثل انتفاضتي 2009 و2018، أحد مؤشرات الفكر الجديد، الذي تعيشه الجارة القلقة والمقلقة إيران، ورغم كل الضجيج والمشروع الحقيقي لإدارة ترامب للتصعيد على إيران، إلّا أن الحقيقة والتي تبرز شواهدها اليوم، أن السقف لن يصل إلى العسكرة.
وأن المواجهة ضمن الحرب الباردة، التي تضمنت تقاطعات مصلحية كبرى للقطبين، والتي حققت عبرها طهران مصالح وتقدمت مناطق عديدة، فإضافة لسوريا كان سفاهة قرار تفجير الأزمة الخليجية، ثروة ثمينة لإيران، وثروة أثمن لواشنطن، خاصة في إنشاء نادٍ خليجي إسرائيلي متفاعل.
ولقد ظل الموقف من تقدير السياسة الإيرانية، قائماً بين الملاعنة والتوظيف الصراعي، الطائفي الاجتماعي، تبنته الرياض وعواصم أخرى، منذ 1980 والذي وظفه الغرب بذكاء واستثمر فيه، وهذا لا يقلل من كوارث التدخل الإيراني، لكن الأزمة كانت في عدم احترام قوة هذا الخصم وذكائه، وأن نيران الحقول التي تشعلها السياسة الخليجية الغبية، أكلت من دُورِهِم كما يفعلون اليوم مع أهل قطر، ولم تتضرر السياسة الإيرانية الذكية.
فلنلاحظ اليوم مسألة مهمة تغيب عن الكثير، هل الرتم الإعلامي لحديث المؤسسات الإيرانية اليوم، في أعلى مستوى من ناحية التوجه الأميركي في الكونغرس لمحاسبة السعودية، وتأثير السياسات الأخيرة لولي العهد، على مواقف الساسة الأميركيين خارج البيت الأبيض؟
الحقيقة أن خطاب الاستثمار الإيراني، أقل بكثير من المتوقع، بل هناك انسحاب نسبي يراقب المشهد بحذر. تاريخياً جمعتنا في الخليج بفارس، علاقات متداخلة لقرون، حملت صراعاً سياسياً وعسكرياً صعباً، مثّلت فيه الدولة الجبرية ودولة أئمة عمان، منعطفه البارز، لكن هذه العلاقات كان لها رصيد من التداخل الاجتماعي والتعايش في السلوك والتعامل التجاري، لم ينقطع حتى اليوم، وفكرة شيطنة الإنسان الإيراني، بناء على قوميته أو مذهبه، ليست عنصرية وحسب، ولكنها خطاب جاهلي وتخلف حضاري، ولا يمنع من أن تطلق سياسة تهزم إيران في ميدان المواجهة الحقيقية، لكن ليس على حساب التوتر الطائفي، أو الصراع القومي.
وبناء على هذه الشراكة الحدودية والتداخل السياسي، فالخليج العربي، ظل محتاجاً لنوع من التوازن بين ضفتيه، والذي حين يغيب يقوى النفوذ الغربي، على حساب مصالح أهل المنطقة ذاتهم، لكن هذه الشراكة تنخفض مساحتها للضرورة، وتتوسع بحسب ما لدى الخليج العربي من نقاط قوة واستقلال عن واشنطن، يتم التفاهم به مع إيران، وهو ما لم يتحصّل لدول الخليج، ليس لعجزها، ولكن لأخطاء السياسة التي قادتها السعودية.
وكان هناك توجه حقيقي، للعاهل السعودي الراحل الملك عبدالله في هذا الملف، أنهاه تقدير الرياض للخبث الإيراني في سياستها، وكان الحل أن يُفهم الخبث السياسي، ويواجه بسياسة ذكية لا أن يُقطع حبل التفاهم معها، خاصة بأن العقل القومي لفارس، وإن بقي الإسلام جامعاً، إلّا أنهُ أكان محافظاً أو إصلاحياً أو «شاهنشاهي»، فله طبيعته التفكيرية الموحدة.
والمشكلة الثانية هنا، هي أن القطيعة والتصعيد رغم كل جرائم إيران في المنطقة، لم تخدم أهل الخليج ولا الشعوب المتضررة، وزادت في التباعد بين الشعب الإيراني، وبين شعب الخليج العربي، وأسوأ منه، أن نعتقد نحن الشرقيين، أنه لا مساحة لشراكتنا وتعزيز تعايشنا، وصناعتنا الحضارية المختلفة عن الغرب، والتي لها خصوصية قيمية، وخاصة من يجمع بينهم الإسلام قبل الطوائف والمذاهب.
ولذلك فإن فقدان التوازن، يُصعّب أي حوارٍ سياسي لصالح المنطقة، ويخفف أزمة التدخل الطائفي الذي تسعى به إيران، ضمن استراتيجية مشروعها القومي، وقد ساهم في التوتر المشروع الوهابي المقابل، الذي تبنته الرياض وصعدته منذ قيام الثورة الطائفية في إيران، ولكن سيبقى هذا الحوار مهماً، بقدر المصلحة الكلية المشتركة لأهل الخليج في ضفتيه، وبحسب ما يمكن أن تُردع به رياح الحروب واستنزاف ما بقي من نفط وثروة يغرف منه الغرب.
ولنا عودة للحوار المختلفبقلم: مهنا الحبيل
وأن المواجهة ضمن الحرب الباردة، التي تضمنت تقاطعات مصلحية كبرى للقطبين، والتي حققت عبرها طهران مصالح وتقدمت مناطق عديدة، فإضافة لسوريا كان سفاهة قرار تفجير الأزمة الخليجية، ثروة ثمينة لإيران، وثروة أثمن لواشنطن، خاصة في إنشاء نادٍ خليجي إسرائيلي متفاعل.
ولقد ظل الموقف من تقدير السياسة الإيرانية، قائماً بين الملاعنة والتوظيف الصراعي، الطائفي الاجتماعي، تبنته الرياض وعواصم أخرى، منذ 1980 والذي وظفه الغرب بذكاء واستثمر فيه، وهذا لا يقلل من كوارث التدخل الإيراني، لكن الأزمة كانت في عدم احترام قوة هذا الخصم وذكائه، وأن نيران الحقول التي تشعلها السياسة الخليجية الغبية، أكلت من دُورِهِم كما يفعلون اليوم مع أهل قطر، ولم تتضرر السياسة الإيرانية الذكية.
فلنلاحظ اليوم مسألة مهمة تغيب عن الكثير، هل الرتم الإعلامي لحديث المؤسسات الإيرانية اليوم، في أعلى مستوى من ناحية التوجه الأميركي في الكونغرس لمحاسبة السعودية، وتأثير السياسات الأخيرة لولي العهد، على مواقف الساسة الأميركيين خارج البيت الأبيض؟
الحقيقة أن خطاب الاستثمار الإيراني، أقل بكثير من المتوقع، بل هناك انسحاب نسبي يراقب المشهد بحذر. تاريخياً جمعتنا في الخليج بفارس، علاقات متداخلة لقرون، حملت صراعاً سياسياً وعسكرياً صعباً، مثّلت فيه الدولة الجبرية ودولة أئمة عمان، منعطفه البارز، لكن هذه العلاقات كان لها رصيد من التداخل الاجتماعي والتعايش في السلوك والتعامل التجاري، لم ينقطع حتى اليوم، وفكرة شيطنة الإنسان الإيراني، بناء على قوميته أو مذهبه، ليست عنصرية وحسب، ولكنها خطاب جاهلي وتخلف حضاري، ولا يمنع من أن تطلق سياسة تهزم إيران في ميدان المواجهة الحقيقية، لكن ليس على حساب التوتر الطائفي، أو الصراع القومي.
وبناء على هذه الشراكة الحدودية والتداخل السياسي، فالخليج العربي، ظل محتاجاً لنوع من التوازن بين ضفتيه، والذي حين يغيب يقوى النفوذ الغربي، على حساب مصالح أهل المنطقة ذاتهم، لكن هذه الشراكة تنخفض مساحتها للضرورة، وتتوسع بحسب ما لدى الخليج العربي من نقاط قوة واستقلال عن واشنطن، يتم التفاهم به مع إيران، وهو ما لم يتحصّل لدول الخليج، ليس لعجزها، ولكن لأخطاء السياسة التي قادتها السعودية.
وكان هناك توجه حقيقي، للعاهل السعودي الراحل الملك عبدالله في هذا الملف، أنهاه تقدير الرياض للخبث الإيراني في سياستها، وكان الحل أن يُفهم الخبث السياسي، ويواجه بسياسة ذكية لا أن يُقطع حبل التفاهم معها، خاصة بأن العقل القومي لفارس، وإن بقي الإسلام جامعاً، إلّا أنهُ أكان محافظاً أو إصلاحياً أو «شاهنشاهي»، فله طبيعته التفكيرية الموحدة.
والمشكلة الثانية هنا، هي أن القطيعة والتصعيد رغم كل جرائم إيران في المنطقة، لم تخدم أهل الخليج ولا الشعوب المتضررة، وزادت في التباعد بين الشعب الإيراني، وبين شعب الخليج العربي، وأسوأ منه، أن نعتقد نحن الشرقيين، أنه لا مساحة لشراكتنا وتعزيز تعايشنا، وصناعتنا الحضارية المختلفة عن الغرب، والتي لها خصوصية قيمية، وخاصة من يجمع بينهم الإسلام قبل الطوائف والمذاهب.
ولذلك فإن فقدان التوازن، يُصعّب أي حوارٍ سياسي لصالح المنطقة، ويخفف أزمة التدخل الطائفي الذي تسعى به إيران، ضمن استراتيجية مشروعها القومي، وقد ساهم في التوتر المشروع الوهابي المقابل، الذي تبنته الرياض وصعدته منذ قيام الثورة الطائفية في إيران، ولكن سيبقى هذا الحوار مهماً، بقدر المصلحة الكلية المشتركة لأهل الخليج في ضفتيه، وبحسب ما يمكن أن تُردع به رياح الحروب واستنزاف ما بقي من نفط وثروة يغرف منه الغرب.
ولنا عودة للحوار المختلفبقلم: مهنا الحبيل