اللغة مفهوم واسع، باعتبارها نظاما من العلامات الاصطلاحية، الحاملة لرسالة من.. إلى.. ومادامت تقنيات بلوغ هذه الرسالة إلى المتلقي -على أحسن وجه- هو مَشْغَلُ البلاغة منذ القدم، ومنه أخذتْ اسْمَها، فإنَّ اتساعَ دلالة اللغة بذلك المفهوم الشامل، وتعدد وسائل التعبير، حسب التطور الحديث لطُرُق التواصل، وتقنياته، يقتضي اتساعَ مفهوم البلاغة، من بلاغة اللسان، إلى بلاغة الزي، وبلاغة الديكور، وبلاغة الإضاءة، وبلاغة الصورة.. وبلاغة الجسد عموما، وبلاغة الوجه بصورة أخص.
وإذا كان العرب -قديما- كانوا يمجِّدُون فصاحةَ اللسان وبَلاغَتَه، في الوقْت الذي يُمَجِّدُونَ فيه عدَمَ اسْتغلال لُغَةِ الجسد- في فُنون الخِطابة والمُناظرَة، والحِوار، ُمعْتَبرينَ أنَّ صمْتَ الجَسَدِ، ورَزَانَةَ أطْرَافِه، هو التَّجَلِّي الأسْمَى للبلاغة اللسانية، التي ينْبغي- في نظرهم- أنْ لا تحْتاجَ للاسْتعانةِ بغيْرها.. فإنَّهم كانوا يسْتَثْنُونَ -من لُغَةِ الجسَد- ما سمَّيْتُه هنا ببلاغةِ الوجْه، حيث كانوا يقولون: «أصْدَقُ حديثِ المَرْءِ مُحَيَّاهُ»، وما أطْلقوا على الوجْهِ المُحَيَّا إلا لأنَّه يُوَّزِعُ تَحَايَاهُ ورسائلَه -سلبيا وإيجابيا- على مَنْ يُقابله، وقد قال شاعرُهم: «بَشَاشَةُ وجْهِ المْرْءِ خَيْرٌ مِنَ القِرَى»، حيث تبْدو إشْرَاقةُ وجْه المُضِيفِ أفضَلَ وأفْعَلَ في نفْس الضيْفِ من أنواع مَوائدِ «القِرَى»، ومنْ فُيوض الترْحيب اللفْظيّ «العَبُوس».
وتعزيرا لبلاغة الوجْه، في التداول والتواصل، والتفاعل بيْن أفراد المُجتمع، اعتبر نَبَيُّنا-عليه السلام- أنَّ تبَسُّمَ بعضنا في وجه بعض صدقة، مثلما أن «الكلمةَ الطيبةَ صدقة».. وليس هذا التوجُّه والتوْجيه بغريب على رَسول البلاغة والتبْليغ، الذي كانت مُعْجِزَتُه بلاغيةً بالدرَجة الأولى، فتحدَّتِ العرَبَ -أمَّةَ الفصاحةِ والبلاغةِ والبيانِ- في صميم خُصوصيتهم، دونَ الأمَم الأخْرى، وفي هذا الإطار كان هذا النبيُّ الأفْصح- خِلافا للرُّؤْية العامة لدى العرب- يُعزِّزُ بلاغَتَه اللسانية، باسْتغلالِ بلاغةِ الجَسَد، فكثيرا ما يُعَلِّقُ رُواةُ الحديث النبويّ الشريف، بعبارة»: «وَقالَ بيَدِهِ هَكذا..».. لأنَّهم يعتبرونَ جُلَّ أعْضاءِ الجَسَدِ ألْسِنَةً إضافية، لها قوْلُها التعْبِيريُّ الدَّالُّ، ولا سيما ذبذباتُ الصوْت، جَهارَة وانْخفاضا، وانفعالاتُ الوجْه، وتلاوينُ تعْبيرَاتِه المُصَاحِبَة للمنْطوقات، والمُنَاسِبَة لها، فكلُّ هذا يدلُّ على أنَّ لغة الوجْه أكثرُ مصداقية -في دلالتها وتعبيرها- حتى من لغة اللسان.. لأنُّ الوجْه- في الغالب- مرآة لروح صاحبه.. والمنافقون وحدهم من يحاولون تشويش العلاقة الانعكاسية الطردية بين ظاهرهم وباطنهم، بين الروح والوجْه.
ونظرا لذلك فهي تعتبرُ مُخْتَلَّةَ البلاغة، لأنَّ الرسالة التي تُوَجَّهُ من طرفهم إلى المتلقي-هي رسالة- خاطئة- لا تبلغه على حقيقتها..
وفي ضوْءِ هذه الرُّؤْيةِ سبق أنْ ألمحْتُ إلى أنَّ جهازَ اللغةِ يَبْدُو مُعَزَّزًا بمَنْظومةٍ من التَّعابيرِ الانْفعاليةِ، تُجَسَّدُ في الكِتابةِ بعَلاماتِ الترقيم، وفي الإلقاءِ بعلاماتِ التنغيم الصوتية، إضافة إلى لغةِ الجسَد الحركية الإشارية، التي يُمْكِنُ أنْ أسمِّيها هنا بعلامات «التجسيم»، حيث إنَّ العلماء المعاصرين أعطوا للأبعاد غيرِ الملفوظةِ منْ تعابيرِ الكلامِ نسبةً أكثرَ من ثمانين بالمائة.
ومادام «لِكلِّ مَقامٍ مَقالٌ»، وحَدُّ البلاغة-أصْلا- هو «مُطابَقةُ المَقال، لمُقْتَضَى الحَال»، فإنِّي لاَ أقْصرُ «اللَّحْنَ» -في اللغة- على الإخْلالِ بقواعدِ الإعراب، والصرفِ، حسَبَ مَفْهُومِه التقْليدي، وإنَّما أعْتَبِرُ الإخْلالَ بكُلٍّ من الترقيم، والتنغيم، والتجسيم، وغيرها من رموز التعبير، وتقنيات الأداء الفني- لحنا أيضا.
وأي «لحْنٍ» في «بلاغة الوجْه» أفظعُ من أنْ ترى وجْهًا مُشرِقًا بالابتسام، وهو يتحدَّثُ عنْ مَجزَرة، أوْ زلزال...أو أيّ كارثة مأساوية؟! وأي خْرق لـ «بلاغةِ الوجْه» -أيضا- أبْشعُ من أنْ ترَى المُعَزِّي» يصافحُ المفْجوعينَ، هاشًّا باشَّا، دون مُراعاةٍ للفرْقِ بيْن مقاميْ: «المأتم»، و«العرس»؟!
وإذا كان العرب -قديما- كانوا يمجِّدُون فصاحةَ اللسان وبَلاغَتَه، في الوقْت الذي يُمَجِّدُونَ فيه عدَمَ اسْتغلال لُغَةِ الجسد- في فُنون الخِطابة والمُناظرَة، والحِوار، ُمعْتَبرينَ أنَّ صمْتَ الجَسَدِ، ورَزَانَةَ أطْرَافِه، هو التَّجَلِّي الأسْمَى للبلاغة اللسانية، التي ينْبغي- في نظرهم- أنْ لا تحْتاجَ للاسْتعانةِ بغيْرها.. فإنَّهم كانوا يسْتَثْنُونَ -من لُغَةِ الجسَد- ما سمَّيْتُه هنا ببلاغةِ الوجْه، حيث كانوا يقولون: «أصْدَقُ حديثِ المَرْءِ مُحَيَّاهُ»، وما أطْلقوا على الوجْهِ المُحَيَّا إلا لأنَّه يُوَّزِعُ تَحَايَاهُ ورسائلَه -سلبيا وإيجابيا- على مَنْ يُقابله، وقد قال شاعرُهم: «بَشَاشَةُ وجْهِ المْرْءِ خَيْرٌ مِنَ القِرَى»، حيث تبْدو إشْرَاقةُ وجْه المُضِيفِ أفضَلَ وأفْعَلَ في نفْس الضيْفِ من أنواع مَوائدِ «القِرَى»، ومنْ فُيوض الترْحيب اللفْظيّ «العَبُوس».
وتعزيرا لبلاغة الوجْه، في التداول والتواصل، والتفاعل بيْن أفراد المُجتمع، اعتبر نَبَيُّنا-عليه السلام- أنَّ تبَسُّمَ بعضنا في وجه بعض صدقة، مثلما أن «الكلمةَ الطيبةَ صدقة».. وليس هذا التوجُّه والتوْجيه بغريب على رَسول البلاغة والتبْليغ، الذي كانت مُعْجِزَتُه بلاغيةً بالدرَجة الأولى، فتحدَّتِ العرَبَ -أمَّةَ الفصاحةِ والبلاغةِ والبيانِ- في صميم خُصوصيتهم، دونَ الأمَم الأخْرى، وفي هذا الإطار كان هذا النبيُّ الأفْصح- خِلافا للرُّؤْية العامة لدى العرب- يُعزِّزُ بلاغَتَه اللسانية، باسْتغلالِ بلاغةِ الجَسَد، فكثيرا ما يُعَلِّقُ رُواةُ الحديث النبويّ الشريف، بعبارة»: «وَقالَ بيَدِهِ هَكذا..».. لأنَّهم يعتبرونَ جُلَّ أعْضاءِ الجَسَدِ ألْسِنَةً إضافية، لها قوْلُها التعْبِيريُّ الدَّالُّ، ولا سيما ذبذباتُ الصوْت، جَهارَة وانْخفاضا، وانفعالاتُ الوجْه، وتلاوينُ تعْبيرَاتِه المُصَاحِبَة للمنْطوقات، والمُنَاسِبَة لها، فكلُّ هذا يدلُّ على أنَّ لغة الوجْه أكثرُ مصداقية -في دلالتها وتعبيرها- حتى من لغة اللسان.. لأنُّ الوجْه- في الغالب- مرآة لروح صاحبه.. والمنافقون وحدهم من يحاولون تشويش العلاقة الانعكاسية الطردية بين ظاهرهم وباطنهم، بين الروح والوجْه.
ونظرا لذلك فهي تعتبرُ مُخْتَلَّةَ البلاغة، لأنَّ الرسالة التي تُوَجَّهُ من طرفهم إلى المتلقي-هي رسالة- خاطئة- لا تبلغه على حقيقتها..
وفي ضوْءِ هذه الرُّؤْيةِ سبق أنْ ألمحْتُ إلى أنَّ جهازَ اللغةِ يَبْدُو مُعَزَّزًا بمَنْظومةٍ من التَّعابيرِ الانْفعاليةِ، تُجَسَّدُ في الكِتابةِ بعَلاماتِ الترقيم، وفي الإلقاءِ بعلاماتِ التنغيم الصوتية، إضافة إلى لغةِ الجسَد الحركية الإشارية، التي يُمْكِنُ أنْ أسمِّيها هنا بعلامات «التجسيم»، حيث إنَّ العلماء المعاصرين أعطوا للأبعاد غيرِ الملفوظةِ منْ تعابيرِ الكلامِ نسبةً أكثرَ من ثمانين بالمائة.
ومادام «لِكلِّ مَقامٍ مَقالٌ»، وحَدُّ البلاغة-أصْلا- هو «مُطابَقةُ المَقال، لمُقْتَضَى الحَال»، فإنِّي لاَ أقْصرُ «اللَّحْنَ» -في اللغة- على الإخْلالِ بقواعدِ الإعراب، والصرفِ، حسَبَ مَفْهُومِه التقْليدي، وإنَّما أعْتَبِرُ الإخْلالَ بكُلٍّ من الترقيم، والتنغيم، والتجسيم، وغيرها من رموز التعبير، وتقنيات الأداء الفني- لحنا أيضا.
وأي «لحْنٍ» في «بلاغة الوجْه» أفظعُ من أنْ ترى وجْهًا مُشرِقًا بالابتسام، وهو يتحدَّثُ عنْ مَجزَرة، أوْ زلزال...أو أيّ كارثة مأساوية؟! وأي خْرق لـ «بلاغةِ الوجْه» -أيضا- أبْشعُ من أنْ ترَى المُعَزِّي» يصافحُ المفْجوعينَ، هاشًّا باشَّا، دون مُراعاةٍ للفرْقِ بيْن مقاميْ: «المأتم»، و«العرس»؟!