+ A
A -

الرواية التفصيلية التي سردها غازي القصيبي عن الزعيم الليبي معمر القذافي غريبة ومشوقة متفقة بحسب ما هو مشتهر عن أطوار القذافي ومواقفه المسرحية التي وثقت عنه بالفعل مع الدول العربية أو غيرها، يُلاحظ على غازي هنا أنهُ مقابل الميل والتبرير للرئيس التونسي الحبيب بو رقيبة، فهو لم يجد أي مساحة اعتذار لمغامرات القذافي، وكانت سخريته المدللة بمواقف حقيقية، سنداً كافياً للقارئ وهو يتابع بشغف أحداث مذكرات الوزير المرافق. تؤكد هذه الشهادة تاريخ معاناة الشعب الليبي، وفهم لماذا ولد المشهد في ليبيا على هذه الكومة من الصراعات، وانفجار القبلــــيات والمــــناطقية بعد ثورة فبراير، فلم يكن الفراغ يشـــــمل البنية العمرانية فقط، ولكن بنية الدولة المدنيـــة الدستورية والمجتمعية، كــان القذافي يُدير الدولة عبــــر فنـــتازيا تقوم على تقديس ذاته، وتجريب أفكاره (النوعية) في حمقها، على أهل ليبيا وعلى محيط تدخلاته العربية والأفريقية الواسعة، ويصب عليها من ثروة الشعب لصناعة امبراطورية مزعومة من قش. وهنا يروي غازي حكاية فريدة في زيارته للسعودية بعد تقارب في العلاقات، كان سببها بحسب شهادة القصيبي موقف الملك خالد من زيارة السادات لإسرائيل، كما أن سياق القصة يشير إلى اهتمام القذافي بهذه العلاقة، رغم التباين الهائل في محاور الدولتين وطريقة الحكم بين الأسرة السعودية وبين ثورة الفاتح. كان القذافي يرفض ترتيبات البروتوكول الرسمية للدول، ولكن حين يصل إلى هذه الدول، قد يلتزم بنظام التشريفات، في زياراته للسعودية خلال حكم الملك خالد، قررت عائلته أن تذهب إلى التسوق في الرياض، التي كانت تعتبر ضمن مخازن التسوق الكبرى، لحجم ما يرد إليها حتى لو كانت بعيدة في ذلك الزمن، عن نماذج المولات. أصّر القذافي وبشدة على أن تذهب زوجته وأطفاله مع طاقم المربين أو الخدم الخاص، دون أي حراسة أو تأمين ورفض مرافقة الحرس الملكي المكلف، في حينها كانت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في موقع الدعم وقبضتها قوية والناس تحسب لها حساب. وبحسب رواية غازي أن إحدى المربيات الأجنبيات، المرافقة لأطفال القذافي تعرضت للمساءلة والتوبيخ من «المطوع» بسبب لباسها القصير وعدم تغطية شعرها وهذا مخالف للقوانين السعودية التي تشدد على ضرورة الإحتشام في الأماكن العامة، غضبت الأسرة، واستعانت بمرافقيها للعودة للسكن، ورويت الحكاية لمعمر القذافي، فانفجر غضبه، وهدد بأنهُ سيعلن فشل الزيارة ويغادر الرياض، تدخل الديوان الملكي وحاول تهدئة الموقف، وشرح للوفد بأن الأمر ليس متعمداً ومخصوصاً بأسرة الزعيم القذافي، لكن الغضب ظل مستعراً، حينها ذهب الأمير فهد إلى القذافي وشرح له وجهة نظر الدولة مبينا في الوقت نفسه إنه غير ممكن استدعاء (المطوّع) بحسب طلب القذافي للقائه. لم يهدأ معمر حينها ولكن الملك خالد في اجتماع خاص قال له: سنتفهم موقفك في إعلان فشل الزيارة ولن نغضب من مغادرتك المفاجئة، لكن كن على علم أن الرئيس السادات سيفرح بذلك وتكون خاسراً، بسبب تقارب موقف القذافي مع الملك خالد ضد مشروع السادات الإسرائيلي، حينها اقتنع القذافي بالتراجع وإكمال الزيارة. موقف عجيب وحكايات تتغير، المهم أن العلاقات استمرت وطلب القذافي من الملك رد الزيارة التي حضرها أيضا غازي القصيبي ضمن الوفد المرافق، وهي حكاية أخرى من حفلة الاستقبال التي تهتف بصخبٍ لمعمر، إلى مقر الوفد المقطوع عنه الهاتف في الغرف، والمشاريع التي طرحها معمر القذافي، وكان حينها بحسب إصراره في تعريفه الرسمي مواطن ليس له أي منصب، وأن الحكم يُدار من اللجان الشعبية. غادر الوفد وتغيرت العلاقات السعودية الليبية، لكن من أشرب الكأس المر في حياة القذافي ومن أثّر صنعه بعد رحيله هم شــــعب عمر المختار الكريم، اللهم هيئ لهم أمر رشد تنهض به ليبيا إلى أعلى مصاف الدول.

copy short url   نسخ
31/07/2022
180