في كتاب «المجالسة وجواهر العلم» للقاضي الفقيه أبي بكر الدينوري:
قال الحسن البصري: وقفت على بائع ثياب في مكة أشتري ثوبا، فجعل يمدح ويحلف ويروج بضاعته بالأيمان، فتركته، وقلت: لا ينبغي الشراء من مثله، واشتريت من غيره.
ثم حجبت بعد ذلك بسنتين، فقصدته، فلم أجده يمدح ويحلف.
فقلت له: ألست الرجل الذي وقفت عليه منذ سنتين؟
قال: بلى.
قلت: وأي شيء أخرجك مما أرى، لا أراك تحلف وتمدح؟
فقال: كانت لي امرأة إذا جئتها بالقليل احتقرته، وإذا جئتها بالكثير قللته.
فماتت، فتزوجت امرأة بعدها، فإذا أردت الذهاب إلى السوق، أخذت بثيابي..
ثم قالت لي: اتق الله، ولا تطعمنا إلا طيبا، إن جئتنا بقليل كثرناه، وإن لم تأتنا بشيء أعناك بمغزلنا.
في الأصل أن كل إنسان مسؤول عن صلاحه وفساده، وليس لأحد أن يعلق خيباته على شماعة أحد. الزوج لا شك معين أو معيق، ولكن آسيا بنت مزاحم وهي واحدة من سيدات أهل الجنة الأربع كانت متزوجة من فرعون وهو أحد أشهر الكفار في التاريخ. والزوجة أيضا معينة أو معيقة، ولكن نوحا عليه السلام وهو شيخ المرسلين، وأطول الدعاة عمرا ووقتا في تعبيد الخلق بخالقهم كان متزوجا من امرأة كافرة على دين قومها، وحين صعدت الحيوانات إلى السفينة التي بناها، اختارت هي الغرق.
ولكن لا ينكر عاقل أثر الشريك في استقامة المرء أو ضلاله، السباحة بعكس التيار مرهقة، ونحن نعلم النهاية المشرقة لآسيا زوجة فرعون ولكننا لا نعلم شيئا عن مشقة الطريق قبل بلوغ هذه النهاية، على أية حال هي فارقت الدنيا مصلوبة.
ونحن نعلم أن نوحا عليه السلام من أولي العزم من الرسل، ولكننا لا نعلم شيئا عن مشقة أن يخرج الرجل ليصلح المجتمع وفي بيته شيء من هذا الخلل لم يستطع أن يصلحه. إنها لحياة مضنية أن تكون أنت في واد وشريك عمرك في واد.
في كتاب مناقب الإمام الشافعي الذي كتبه الإمام البيهقي، أن الشافعي قال: سمعت بعض أصحابنا ممن أثق به قال: تزوجت لأصون ديني، فذهب ديني، ودين أمي، ودين الجيران.
اختاروا شركاء العمر بتأنٍّ، فهم مسؤولون عن كثير من السعادة أو التعاسة التي ستحصلون عليها. الانتظار خير من قرار خاطئ متسرع، وأن يفوتك القطار خير من أن يحملك إلى وجهة تعيسة.
من حق الشاب أن يطلب الفتاة الحسناء، ومن حق الفتاة أن تطلب الشاب الوسيم، هذا ليس عيبا ولا حراما، فالأصل أن الزواج للعفة، والرغبة في الشريك من أهم مقوماتها. ولكن علينا ألا ننسى أن كل شيء نأخذ منه نألفه نهاية المطاف ويصبح عاديا مهما كان أول الأمر مبهرا. لهذا اختاروا أولا الأخلاق والدين، فكم من شاب اختار الجمال فقط فجعلته تلك الحسناء يكره جنس النساء.
وكم من فتاة اختارت الوسيم فقط فما عادت بعد ذلك لسوء خلقه تطيق النظر في وجهه.
إذا وجدتم الإيمان والأخلاق فابحثوا عن بقية الصفات، وإذا لم تجدوهما فاقلبوا الصفحة. لا تلقوا بأيديكم إلى نار ستحرقكم، وإياكم أن تراهنوا على تغيير الشريك، الفتاة التي لم يردعها وعيد ربها، ولم يربها أهلها، فلن تغيرها أنت، والشاب الذي لا يأتيك مؤمنا خلوقا منذ البداية لا تغامري بنفسك معه، نادرا ما يتغير الناس.