+ A
A -

مصطلح الاقتصاد عصب الحياة واقعي ومنطقي، فعندما يكون الاقتصاد قويا تنشط كل قطاعات الدولة وتصبح في أفضل حالاتها، ويكتمل دورها، والعكس صحيح، عندما يكون ضعيفا تضعف بقية القطاعات ويتناقص دورها، فكل تطور وتقدم وبناء متوقف على قوة النظام المالي والوضع الاقتصادي، وهذا واضح ومعلوم، ولا يحتاج إلى سرد من أدلة أو براهين، وإلا كيف تُبنَى مدرسة وجامعة، وكيف تُشيَّد بنية تحتية متطورة، وكيف تُجْرى عمليات التحديث ما لم يكن ثَمَّ اقتصادي قوي ومال موفور؟

ولأهمية الاقتصاد في حياة الإنسان صبّت الدول جل اهتمامها على تقويته وحمايته مما يضعفه، ويعد التضخم من أشد الآفات التي تُضعِف الاقتصاديات، وتثير مخاوف الحكومات، وهو ببساطة ارتفاع أسعار السلع والخدمات عن الحد الطبيعي في دورات الاقتصاد، مما يعني أن الأمر يتطلب المزيد من النقود لشراء نفس الأشياء، والواقع في عالم الاقتصاد أن ارتفاع معدلات التضخم أمر شائع جداً، إذ غالبا ما يحدث في معظم البلدان أن تميل الأسعار التي يتم قياسها بمؤشر أسعار المستهلك (CPI) إلى الارتفاع بنسبة 2 % سنوياً وهو الحد المسموح به، وأحيانا تتجاوز هذه النسبة، وعندئذ لابد من وقفة.

وقطر ليست استثناء، فمؤخرا أفادت البيانات الرسمية عودة ارتفاع معدلات التضخم، لكنه ارتفاع لا يبعث على القلق أو يثير المخاوف، لأنه وقتي أو آني، وليس مزمنا، فما يلبث أن يرتفع حتى ينخفض، بفضل إدارته بسياسات اقتصادية متوازنة، حريصة على المواءمة بين العرض والطلب، ونظام سياسي واضع في الاعتبار مصلحة المواطن قبل كل شيء، غير أنه يتحتم علينا دق ناقوس الخطر، أو التنبيه قبل أن يقع المحظور، وضرورة مراقبة معدلات التضخم، واتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من آثارها السلبية حتى لو كانت آنية.

ولإعطاء صورة أوضح عن وضع التضخم في قطر نعود إلى بيان جهاز التخطيط والإحصاء الصادر يوم الإثنين 15 أبريل الحالي، فقد أفاد أن معدل التضخم ارتفع خلال شهر مارس/ ‏آذار 2024 بنسبة 0.98 % على أساس سنوي، إذ سجل مؤشر أسعار المستهلك 106.67 نقطة، مقابل 105.63 نقطة في مارس/‏آذار العام الماضي، فيما تراجع على أساس شهري، ويعود سبب ارتفاع التضخم على أساس سنوي إلى ارتفاع أسعار 6 مجموعات في مقدمتها الترفيه والثقافة بـنسبة 8.48 %، بينما تراجع سعر 5 مجموعات جاءت الملابس والأحذية في صدارتها بـنسبة 3.58 %،

وعلى أساس شهري، فقد تراجع معدل التضخم بنسبة 1.40 % نظرا لتراجع أسعار 4 مجموعات أبرزها الغذاء والمشروبات بنسبة 4.74 %، بينما ارتفع سعر 4 مجموعات أخرى في مقدمتها الملابس والأحذية بنسبة 1.88 %، واستقر أسعار مجموعات: التبغ، والسكن، والمياه، والكهرباء، والغاز، وأنواع الوقود الأخرى، والصحة، والاتصالات.

وعليه فعند احتساب الرقم القياسي لأسعار المستهلك لشهر مارس/ ‏آذار 2024، بعد استبعاد مجموعة السكن، والماء، والكهرباء، والغاز، وأنواع الوقود الأخرى، نجده وصل إلى النقطة 109.56 منخفضاً 1.72 % على أساس شهري، بينما ارتفع بنسبة 1.90 % مقارنة مع نفس الشهر عام 2023، ولتبسيط الموضوع على غير المتخصصين، فعند المقارنة على أساس شهري يقصد مقارنة الأسعار في شهر مارس 2024 بالأسعار في الشهر الذي قبله أي فبراير 2024، أما عند المقارنة على أساس سنوي فالمقصود هو مقارنة الأسعار في مارس 2024 بأسعار مارس 2023.

ونظرة فاحصة على أسباب ارتفاع التضخم لدينا نجدها لا تختلف كثيرا عن الأسباب العامة للتضخم في كل اقتصاديات العالم، فمثلا في القطاعات التي ساهمت في ارتفاع التضخم نجد السبب يعود إلى أن حدود الطلب على السلع والخدمات تفوق حدود المعروض منها، مما أدى إلى زيادة في أسعارها، ولعلاج هذه المشكلة لابد من زيادة الإنتاج لتعويض المنقوص من هذه السلع، وهذا الحل في وطننا العربي أفضل من زيادة نسبة الفوائد على الإيداعات.

ولأن اقتصاديات الدول أصبحت متشابكة مع بعضها البعض ومعقدة عن ذي قبل، يمكن عند البدء في الإنتاج أن تبرز مشكلة يطلق عليها في علم الاقتصاد «تضخم تكاليف إنتاج السلع والخدمات»، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها رغم كثرة المعروض منها، وغالبا ما يكون التضخم في التكلفة ناتجا زيادة تكلفة المواد الخام أو الأجور المرتفعة أو الاضطراب في سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف الشحن، وارتفاع الضرائب وقيمة التأمينات.

في قطر لا يحتاج الأمر جهودا مرهقة للسيطرة على التضخم، لأن التسهيلات التي تمنحها الدولة للمستثمرين والمنتجين من شأنها تخفيف الأعباء عنهم، فأرباح المستثمر في قطر سواء كان قطريا أو أجنبيا تفوق نسب التضخم، وهذا هو المطلوب.

وفي كل الأحوال يظل التضخم في قطر ضمن الحدود الآمنة كما ذكرت آنفا رغم ارتفاعه، وبعيدا كل البعد عن التضخم المفرط الناتج عن زيادة المعروض النقدي المؤدي إلى انخفاض في قيمة العملة.

في الختام كان لابد من التطرق لهذا الموضوع لأن فهم الأنواع المختلفة من التضخم وتأثيراتها يُعد أمرا بالغ الأهمية بالنسبة لصانعي السياسات والمستثمرين والمنتجين المستهلكين والمدخرين على حد سواء.

copy short url   نسخ
01/05/2024
830