خلال حياتنا نلتقي بالعديد من الأشخاص، سواء في إطار الحياة الشخصية الاجتماعية، أو في إطار العمل أو الدراسة. لتجمعنا الصداقة وأواصر المحبة مع البعض ممن يدخلون قلوبنا بلطف دون استئذان بعد أن نرتاح لهم. وتكبر تلك العلاقات شيئاً فشيئاً مع الأيام، ليحتل هؤلاء الناس جزءاً كبيراً من وجودنا. فهل هذا مدعاة للفرح؟
في الحقيقة، إن من النادر جدّاً أن تعثر على أناس يستحقون أن تعاشرهم هذه الأيام، خصوصاً في هذا العصر المتخم بمظاهر المادية والسطحية المفرطة إلى حد الجنون، حيث لم تعد للقيم الأخلاقية والمعاني السامية قيمة عالية الآن كما كانت عليه سابقاً أيام آبائنا وأجدادنا ومن سبقوهم!
إن التطور التكنولوجي الذي أدخل إلى حياة البشر الكثير من الرفاهية وتيسير سُبل العيش، أسفر في المقابل عن كم كبير من الألم والتداعيات الروحانية والفكرية؛ فهجرنا الكتاب، وأدرنا ظهورنا للأخلاق النبيلة، لنعزز في مقابلها كل شيء مرتبط بالمادة، ولنشيد في مقابل الحدائق الجميلة التي تأسر الأنظار أبنية شاهقة متطورة العمران، ونشجع السخافة ومروجي الأفكار البالية بدلاً من أن ندعم أصحاب المحتوى الهادف ونؤسس للعلم والمعرفة والمحبة الخالصة!
ضمن هذا الواقع الجديد، أصبح من الصعب للغاية أن تحظى بإنسان يحبك بصدق، ويقف إلى جانبك وقت الأزمات، ويرعى مصالحك كأنما هي مصالحه. لهذا كله، ندخل في معظم الأوقات في علاقات نأمل منها خيراً، إلا أنها تخفي وراء الستار مفاجآت غير سارة.
هذا حال معظم الناس، وليس هناك استثناءات أبداً. الفقير يمكن أن يصادق أشخاصاً يتبين له بعد حين أنهم ينحدرون به إلى الدرك الأسفل، بدلاً من دفعهم إلى الأمام، وكذلك الثري يمكن أن يرافق أناساً لا هم لهم سوى استغلاله وسحب الأموال من جيبه!
ولا تكمن المشكلة الحقيقية في اختيارك الخاطئ، بل في استمرارك ضمن علاقة تكتشف بعد مدة أنها تؤذيك أكثر مما تنفعك، لكنك تتذرع بشتى صنوف المبررات وتقنع نفسك بكل السبل حتى لا تغادر، خصوصاً في علاقات الحب المدمرة، التي وإن كانت تجرح صاحبها أكثر مما تمنحه السعادة التي يُفترض أن يشعر بها من يحب، إلا أنه يشعر بصعوبة بالغة في إنهائها بسبب المشاعر التي تربطه بالطرف المقابل، والتي لم تنشأ بين يوم وليلة!
حتى في الصداقة، يمكن أن تتعزز بعض العلاقات على مر الزمن؛ فيصعب على المرء الانسحاب من العلاقة حتى لو تأكد أن رفيقه لا يصلح أن يكون صديقاً، وأنه في الواقع أفضل حالاً من دونه. كل ذلك، لأن العواطف تلعب دوراً كبيراً في توجيه تصرفاتنا، بيد أن العاقل هو من يضع مشاعره على جنب، ويفكر بعقلانية.
إذا كنت تفكر في إنهاء علاقة ما لأنها تسمم حياتك، بعد أن اكتشفت دناءة أشخاص عاشرتهم طويلاً، فعليك ألا تتردد للحظة واحدة في فعل ذلك. فخير ألف مرة أن تخسر إنساناً لا يمثل الصداقة الحقة بأي شكل من الأشكال، على أن تجدد الأمل فيمن خان ثقتك عشرات المرات وما يزال. وخير مليون مرة أن تنسحب من علاقة حب لا تجلب لحياتك سوى التعاسة والتراجع من الناحية الفكرية والنفسية، مهما كانت المشاعر التي تكنها للطرف الآخر؛ من أن تحفز قبرك بيديك، وتزيد الحفرة عمقاً.
احذر من الأشخاص المسمومين، وتخلص من أي علاقة سامة مهما كانت قديمة العهد، وكن حذراً من الوقوع في شراك أمثالهم في المستقبل، ولا تغيّر حياتك ألف مرة من أجل أي أحد، بل غيّر ألف شخص من أجل حياتك.