+ A
A -
محسن محمد صالح كاتب فلسطيني

كلما أطال نتانياهو الحرب على غزة، صار وضعه أسوأ حالا، وكلما زاد عنادا و«فهلوة» ضعفت فُرصهُ وانكشفت أوارقه، وكلما أراد أن يهرب من حصيلته البائسة نحو أهداف وآمال موهومة، وجد نفسه في حالة أكثر بؤسا؛ وكلما صارت المقاومة أقدر على فرض شروطها، وإجبار نتانياهو على النزول عن الشجرة.

إنه الهروب إلى الأمام، الذي قد يطيل عمره وعمر حكومته السياسي قليلا، ويؤجل دفع أثمانٍ واستحقاقاتٍ قادمة؛ ولكنه هروب سيؤدي إلى خسائر أكبر، وإلى سقوط أكثر دويا وإلى فشل أعظم عارا.

وفَّر مشروع الهدنة الذي وافقت عليه حماس، مخرجا معقولا لإنهاء الحرب على غزة. ولم تُدخِل حماس وقوى المقاومة سوى تعديلات محدودة تضبط تماسك النصوص وتؤكد الضمانات، وفي الوقت الذي تضمن فيه المشروع وقف الحرب، والانسحاب الكامل لقوات الاحتلال، وعودة النازحين، وإدخال كافة احتياجات القطاع ولوازم الإعمار، وتحقيق صفقة تبادل جادة للأسرى؛ باعتبارها المطالب الأساسية للقوى الفلسطينية؛ فقد تساهلت حماس في الجوانب التكتيكية والشكلية، من حيث مُدد الهدنة ومراحلها، وتدرج الانسحاب الإسرائيلي وآليات إنقاذ صفقة الأسرى.

كانت موافقة حماس «ضربة معلم» حشرت الطرف الإسرائيلي في الزاوية، واعترف مسؤولون أميركان أن ردّ حماس كان جديا وأن فيه تغييرا طفيفا. وبالرغم من الاهتمام الأميركي الحثيث ومتابعة أعمدة السياسة الخارجية ومدير المخابرات الأميركية؛ فقد فضّل نتانياهو أن يتابع عجرفته وعناده، وأن ينكشف ظهرُه، أمام جمهوره وأمام أقرب حلفائه العالميين، وأن يظهر عدم جديته في الدخول في الهدنة وإنهاء الحرب، بل وتعمَّد الإعلان أن اجتياح رفح سيتم باتفاق وبدون اتفاق. وعاد نتانياهو للتأكيد على رفض الاتفاق المعروض، والحديث عن أن جيش الاحتلال في طريقه للقضاء على «الكتائب الأربع» لحماس في رفح، وتكرار أن هدف الدخول إلى رفح هو القضاء على حماس وإعادة الرهائن.

نتانياهو المُنكَشِف سياسيا، والذي لم يعد لديه ما يُقنع به جمهوره وحلفاءه بجدوى الحرب وإطالة أمدها؛ لجأ إلى محاولة تخفيف الاعتراضات العالمية ومخاوف أقرب داعميه، في التأكيد على أن الهجوم على رفح سيكون محدودا ومؤقتا، وسيسعى لتجنب المدنيين، وسيهدف إلى تقليص قدرة حماس على تهريب الأسلحة.

يُدرك نتانياهو وتحالفه المتطرف، بعد أن استنفد كل ما لديه من عدوانية ووحشية، أنه قادم لا محالة إلى الاعتراف بالحقائق كما هي، ولا يستطيع أن يهرب إلى الأبد من الواقع، كما يدرك أنه قادم لا محالة لدفع استحقاقات معركة طوفان الأقصى واستتباعاتها.{ عربي 21

copy short url   نسخ
14/05/2024
5