دعوة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، التي جاءت في تعليق سموه أمس عبر موقع التواصل الاجتماعي «X» على افتتاح النسخة الرابعة من منتدى قطر الاقتصادي، لتقديم مقترحات مبتكرة من أجل تجاوز تحديات القضايا الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، تأكيد جديد على الدور الكبير الذي تلعبه قطر باعتبارها منصة عالمية لطرح الأفكار البنّاءة والحلول للأزمات العالمية والمشاكل السياسية والاقتصادية التي عجزت دول كبرى في كثير من الأحيان في حلها.
منتدى قطر الاقتصادي، الذي يشهد في دورة هذا العام توسيع المشاركة، على اعتبار أنه من أهم المنصات في المنطقة، فتح أمس العديد من الملفات المهمة والساخنة، في مقدمتها أمن المنطقة، والتحذير من أن الحروب بالمنطقة تهدد بطريقة مباشرة الأمن الإقليمي ولن تكون هناك إمكانية توقع واستباق لما سيحدث.
يمثل المنتدى منارة للحوار الاقتصادي، ليس فقط لقطر بل للمنطقة بأكملها، وهو بات بمثابة بوصلة حقيقية، ليس من أجل الوقوف على تحديات الحاضر فحسب، وهي ماثلة للعيان بهمومها الكثيرة والكبيرة، وإنما لاستشراف المستقبل أيضا ومحاولة التأسيس لواقع مختلف يلبي تطلعات المنطقة بغد أفضل عبر تحقيق التنمية المستدامة، باعتبارها حجر الأساس للنهوض والتقدم.
صحيح أن المنتدى يحظى بأهمية اقتصادية في المقام الأول، لكن ذلك لا يلغي البعد السياسي المعقد والمتشابك ليس للمنطقة وحدها، ولكن للعالم بأسره، وهو بهذا المعنى فرصة مهمة لصنّاع القرار من جميع أنحاء العالم لتشكيل مستقبل اقتصادي أكثر استدامة وديناميكية، كمقدمة لحلول ومعالجات سياسية أيضا.
أمن المنطقة، كان محور حديث معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، خلال افتتاح منتدى قطرالاقتصادي أمس، حيث أعرب معاليه عن قلقه العميق من تصعيد الحرب واستمرارها وعدم اليقين لدى بعض السياسيين الذين يواصلون الحرب دون أي اتجاه أو وجهة يذهبون إليها، بما يعزز مخاطر اتساع رقعة الحرب، قائلا «الأمن جوهري في المنطقة وعلينا أن نحافظ عليه قدر الإمكان».
نقاط عديدة خرج بها اليوم الأول للمنتدى، من بينها طرح رؤية موحدة لوقف القتال الدائر حاليا في قطاع غزة، وهو المطلب الذي تبنته دولة قطر، والمتمثل في ضرورة الوصول إلى اتفاق، ووضع حد للفظائع التي ترتكب بحق المدنيين، والتفاوض على اتفاق للإفراج عن الرهائن.
عملية التفاوض طويلة ومجهدة- كما أكد معالي رئيس الوزراء- فقد تم رصد بعض الزخم خلال الأسابيع الماضية، ولكن لسوء الحظ لم تتجه الأمور بالاتجاه المناسب، فالأوضاع حاليا تمر بحالة جمود، خاصة بعدما حدث في رفح، وفي هذا الصدد قال معاليه «لم نتوقف عن دورنا كوسيط رغم مواجهتنا العديد من التحديات في الأسابيع القليلة الماضية، والتي دفعتنا لإجراء إعادة تقييم.. فلم نكن نريد أن يتم استغلالنا كوسيط، وأردنا التوضيح للجميع أن دورنا يقتصرعلى الوساطة، وهذا ما نفعله، وسنواصل فعله، وأعتقد أننا حققنا تقدما كبيرا.
وما يجعل عملية التفاوض صعبة هو وجود اختلافات جوهرية، فهناك جانب يود إنهاء الحرب، وبعد ذلك الحديث عن الرهائن، والطرف الآخر يريد إطلاق سراح الرهائن ومواصلة الحرب، وطالما ليس هناك نقطة تفاهم بينهما، فلن تصل المفاوضات إلى نتيجة، وهو أيضا ما أكد عليه معالي رئيس الوزراء بأن ما يحصل في قطاع غزة يقضي بأن نقول له «كفى».. فإذا نظرنا إلى الكارثة في غزة، نجد أن معظم التقارير تؤكد أن إعادة الإعمار تتطلب 40 إلى 50 ملياردولار، وستستمر حتى 2040، وهذا ما تبينه الصور فقط، أي ما يشكل 10 إلى 20 بالمائة من الدمار الفعلي، بالإضافة إلى مخاطر امتداد رقعة الحرب أو العنف في المنطقة، وهذا ما رأيناه في البحر الأحمر وفي لبنان، وسيزداد مع استمرار الحرب».
من بين النقاط المهمة أيضا، تطرق معالي رئيس الوزراء لمكتب حركة حماس في الدوحة، حيث شرح بالتفصيل أهمية المكتب في العاصمة القطرية، مؤكدا أن المكتب كان بمثابة قناة تواصل بينهم والإسرائيليين والأميركيين، وقد أكدت هذه القناة أنها فعالة بالنظر إلى الصراعات المختلفة منذ عام 2014 حتى اليوم، مبينا معاليه أن هذا المكتب اضطلع بدور رئيسي، بما في ذلك عمليات الإفراج عن الرهائن، (109 رهائن) بفضل الوساطة القطرية في المفاوضات، وهي عملية الإفراج الوحيدة خلال الحرب الجارية ولم تكن نتيجة الضغط أو العمل العسكري.
الظرف الحالي، وتصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يتطلب وسيلة للتواصل، ورؤية قطر، ووجهة نظرها ترى ضرورة وجود إمكانية لنفاذ للأطراف كافة من أجل حل الصراع، وهو ما يؤكد أهمية مكتب حماس في الوقت الراهن، وهنا لابد من التأكيد على أن قطر ليست طرفا في الصراع، ومبادئها، وسياساتها التي تدعم الفلسطينيين بتطبيق حل الدولتين لم تتغير، وطالما لديها القدرة على المساعدة، ستساعد، فقد فعلت ذلك بين العديد من الأطراف، ومن ثم فبقاء مكتب حماس أمر حتمي وضروري.
معالي رئيس الوزراء، تطرق في حديثه أيضا عن مدى تأثر العلاقات القطرية- الأميركية بنتائج انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، وقدم معاليه ردا شافيا عن تلك العلاقة، حيث أكد أنه لا توجد اختلافات كبيرة بين رئيس أميركي جمهوري كان أو ديمقراطي، فيما يخص الشرق الأوسط، حيث تم العمل مع الرئيس ترامب خلال رئاسته، وكانت هناك مقاربات ورؤى مشتركة معه بخصوص بعض المسائل الإقليمية، غير أنه لم يتم التوصل لنقاط اتفاق في أحيان أخرى، تماما كما هو الحال مع الرئيس بايدن، ضاربا المثال باتفاق أفغانستان الذي جرى خلال إدارة ترامب، وعملية الإجلاء مع الرئيس بايدن، وكذلك ما يخص وقف إطلاق النار في غزة ومجالات أخرى، والأمر لقطر لا يختلف لأنه تربطها علاقات طويلة الأمد مع الإدارة الأميركية بغض النظر عن رئيسها، والعلاقة بين المؤسسات هي أساس العلاقة بين البلدين.
لقد أصبح هذا المنتدى من أكثر منتديات الأعمال تأثيرا في المنطقة، يشهد على ذلك حجم وطبيعة المشاركين والمتحدثين الرئيسيين وصناع القرار المتميزين، وما سمعناه من الدكتور أنور إبراهيم رئيس وزراء ماليزيا، في الجلسة الحوارية أمس عن تقدير بلاده لجهود الوساطة التي تبذلها دولة قطر، وغيرها من الشركاء لوقف الحرب في غزة، وتعزيز السلام في المنطقة، وتعامل قطر بطريقة جيدة في جهود الوساطة وإجراء المحادثات، وتقديره لهذه الجهود، يؤكد مرة جديدة على الدور الهام الذي تنهض به قطر، وعلى أهميته الكبيرة عالميا.
محمد حجي رئيس التحرير المسؤول