لم يعد خافياً على أي متابع صغيراً كان أو كبيراً حقيقة ما يحدث في المشهد العربي الملتهب، وبات واضحاً للعيان تشكّل أضلاع محور الشر وأجندتها التي تعيش وتنتعش على أصوات القنابل والمدافع وتستمتع بإراقة الدماء في صفوف المدنيين والأبرياء، لتحقيق مكاسب قذرة، ومصالح خاصة على حساب دول شقيقة وشعوب مسالمة.
من عاصمة المؤامرات تقود أبوظبي المارقة الرياض المختطفة والقاهرة المستسلمة لتدمير مستقبل دول مجاورة في محيطنا العربي، كل ذنبها أن شعوبها تريد التغيير للأفضل والتعبير عن تطلعاتها بما يناسب هذه المرحلة، التي تشهد ثورة تكنولوجية وصناعية، فيما أنظمتها الحاكمة أو ميليشياتها المتمردة والمدعومة من محور الشر لا تفهم إلا لغة القتل والتجويع والتدمير، فيما الأراضي العربية التي تحتاج لتطهير وتحرير يولونها الأدبار ويتحولون معها إلى نعام.. يدفنون رؤوسهم في التراب !
ما تقوم به أبوظبي مشروع على سيقان دجاجة من السهل تكسيرها وتنتيف ريشها، لأنه قائم على الظلم والباطل وشهوة مسؤول يعتقد أنه الاسكندر المقدوني.. وهو في حقيقة الأمر «كوتش» فاشل في كل المعارك التي خاضها سواء في اليمن، مهد العروبة، التي تحطمت فيها ميليشياته ومرتزقته، ووصولاً لمعركة «النعل» التي جرت فصولها بحضوره وفي معقله !
وبحثاً عن إنجاز يغطي فيه فشله المستمر منذ أربع سنوات، أشعل محور الشر فتيل النار في ليبيا ليصرف الأنظار عن هزيمته في اليمن وفشله في السيطرة عليها، ليستمر في هوايته المدمرة للدول العربية.
دون مقدمات وبلا سابق إنذار، وقبل أيام من انطلاق «الملتقى الجامع بين الفرقاء الليبيين» في مدينة غدامس جنوب غربي ليبيا بين 14 و16 أبريل، برعاية أممية، أطلق خليفة حفتر عمليةً عسكرية للسيطرة على طرابلس، ما أثار رفضاً محلياً ودولياً.
هذا المؤتمر عملت عليه البعثة الأممية منذ عام، وكما يقول المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، فإنها ليست في وارد التخلي عنه، لكن ما الذي حدث وأدى إلى هذا التحرك؟
«طعننا في الظهر وفاجأنا بتحركات ترجعنا للنظم الديكتاتورية والحكم الشمولي»، هذا ما يقوله فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني، مستندا إلى اجتماع أبوظبي، يوم 28 فبراير 2019، صحيح أنه لم يصدر أي بيان رسمي عن نتائج ذلك الاجتماع، لكن مصادر مطلعة قالت إن «السراج وحفتر اتفقا على أن يتولى السراج السلطة المدنية وتشكيل حكومة موحدة يصدِّق عليها البرلمان في غضون 24 ساعة، على أن يتولى حفتر رئاسة المؤسسة العسكرية»، وأن التفاصيل سيتم الاتفاق عليها خلال «الملتقى الجامع» الذي بات في مهب الريح.
هذه التطورات ما كانت لتحدث لولا «مستجدات إقليمية» دفعت بداعمي حفتر إلى تحريكه لمواجهة ما بدا أنه العودة الأقوى للربيع العربي، عبر ما رأيناه في الجزائر تحديدا، ولأن داعمي حفتر لا يمتلكون أي وزن مؤثر في الجزائر، فقد اختاروا حفتر على أمل إرباك الجزائر بحالة حرب على الحدود، يمكن عن طريقها، إعادة خلط الأوراق والسماح لقوى الثورة المضادة بإعادة ترتيب بيتها الهش والانقضاض على الحكم في الجزائر، وإعادة إنتاج النظام الذي أسقطه الشعب، وأيضا اغتصاب الحكم في ليبيا والسيطرة عليها دون أي شراكات مع الأطراف السياسية الأخرى.
هناك هدف آخر هو تونس، إذ أن سيطرة حفتر على طرابلس تحديدا سوف يشكل تهديدا للأمن القومي التونسي، ما يعزز فرص قوى الثورة المضادة لإجهاض التجربة الديمقراطية الأنجح حتى الآن.
حفتر هو مجرد دمية تحرك خيوطها أصابع أبوظبي السوداء، التي تنفق المليارات لإجهاض ثورات الربيع العربي، وبسبب موقع ليبيا فقد حظي حفتر بدعم هائل من إمارات الشر ومن يدور في فلكها لاستخدامه كمخلب قط كلما لاحت بوادر تغيير أو ظهرت إرادة شعبية جديدة، وقد بدا ذلك واضحا في الحالة الجزائرية، حيث تعتقد أبوظبي المارقة أن في مقدورها التأثير على أحداثها عبر تحريك رجلها في ليبيا من أجل إعادة خلط الأوراق والأولويات.
إبان خدمته في قوات القذافي، ترأس حفتر في خضم الحرب الليبية التشادية (1978-1987) وحدة خاصة، لكنه وقع في الأسر مع مئات العسكريين الآخرين، ليتبرأ منه نظام القذافي وقتها. ونقل من تشاد إلى الولايات المتحدة في عملية غامضة. وقدمت له واشنطن اللجوء السياسي، فنشط مع المعارضة في الخارج.
بعد عشرين عاما في المنفى، عاد حفتر في مارس 2011 إلى بنغازي ليشارك في الثورة ضد القذافي، ومع دخول قوى الثورة المضادة على الخط تلقى حفتر دعما كبيرا من دول بينها الإمارات ومصر ومنذ فترة قصيرة المملكة السعودية، حيث استقبله الملك سلمان في نهاية مارس، أي قبل أيام قليلة من إطلاق عمليته العسكرية ضد طرابلس.
منذ بروز حفتر على الساحة السياسية الليبية عقب الإطاحة بالقذافي، وهو يحاول أن يكون البديل السياسي والعسكري الهام في ليبيا، ويريد أن يصبح العنوان الوحيد للجماهيرية، تماما كما كان القذافي، وهو وجد الدعم والمساندة من جانب أبوظبي تحديدا، فمضى في حملته لإخضاع ليبيا بالكامل تحت سيطرته، من أجل تحقيق أجندة بعض الدول الإقليمية التي ترى وجود قوات غير قوات حفتر المدعوم منها يمثل خطراً على مشروعها الذي يهدف بالأساس إلى القضاء على الثورة الليبية، التي أزاحت فترة الحكم الأسود للقذافي، وإقصاء جميع الأطراف الأخرى التي هي من أساس وصلب المجتمع الليبي.
السؤال الآن: لماذا يفعل حفتر كل ما يفعله، وهو أحد ضحايا نظام القذافي الدكتاتوري؟
هناك من يرى أن عُقدة الهزيمة والأسر والفشل زمن حرب تشاد هي التي تقوده إلى هذه المعارك، إذ يحاول التعويض عن ذلك بتوظيف نفسه مخلباً لكل القوى الدولية والإقليمية المعادية لموجة التحولات العربية مثل الإمارات التي تلقفته ووجدت فيه الأداة المناسبة لتحقيق غاياتها، وبسبب تطورات الوضع في الجزائر جاء تحركه الأخير على أمل إحداث تغيير على الأرض يسمح بوأد ثورة الشعب الليبي ومكتسباتها وإجهاض أي محاولة جادة لبناء نظام ديمقراطي حقيقي في بلد عربي كبير ومؤثر وله ثقل هائل في محيطه وفي المنطقة ككل.
إذاً هي معركة كسر عظم، ويبدو أن أحداث الجزائر قد وحّدت جهود بعض القوى الإقليمية المتواطئة من أجل تكريس معادلة الأمر الواقع، ومنع ظهور أي قوى ديمقراطية حقيقية، ومع رغبة حفتر بلعب دور الرجل القوي عقب رحيل القذافي، وتقديم نفسه على أنه رأس حربة ضد مصلحة الشعب الليبي وجهود الأمم المتحدة تلاقت رغبات محور الشر، خوفاً من انتقال حمى التغيير إليها.
لكل ذلك فإن حفتر وجدها فرصة مواتية لإفشال أي تفاهمات سياسية في ليبيا تدفع نحو إرساء حياة مدنية، فاختار تحركه قبل أيام من عقد الملتقى الجامع الذي دعت إليه الأمم المتحدة، على أمل تحقيق نقاط سياسية بلغة السلاح.
المؤلم في هذا المشهد أن الدول الغربية لا تبدو معنيَّة بمعركة الديمقراطية ومناهضة الاستبداد التي تخوضها شعوب المنطقة العربية ضد أنظمتها القمعية، وإنما كل همِّها تأمين حدودها الجنوبية من تدفق موجة الهجرات البحرية، وتأمين مبيعات السلاح وغيرها من مصالح، صحيح أن هناك بيانات صدرت عن مجلس الأمن ومجموعة السبع وغيرها، إلا أنها ليست كافية على الإطلاق، وهي لم تعبر عن أي موقف رادع، مع أن هذه العملية ستقود إلى خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات.
في كل ما نرى فإن الدور الأسوأ تلعبه أبوظبي «الأمّارة بالسوء»، والتي تنفق ببذخ على تدمير إرادة الشعوب العربية الهادفة لنيل الحرية والكرامة، وهو أمر بغيض يثير الكثير من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية من وراء دعم الديكتاتوريات ومدها بالأموال والأسلحة للدفاع عن وجودها في وجه شعوبها.
إن ادعاءات الإمارات بمحاربة «المتطرفين» مردود عليها بقوة، إذ أن الأنظمة الديكتاتورية التي تدعمها أبوظبي والسعودية وإسرائيل، هي التي أنتجت تيارات التشدد والتطرف بسبب قمعها الوحشي لشعوبها، وتحركات حفتر في ليبيا هي المثال الأخير فحسب، كما أن سجلها والراكضين خلفها سجلاتهم ملطخة بالسواد في مجال تمويل الإرهاب وغسيل الأموال !
لقد انطلقت التحركات الشعبية العربية من قبل شباب متعلم ومدرك لاحتياجات الدول في هذا العصر، ودافعها كان إدراكها العميق بأن النظام السياسي العربي، لم يعد مقبولا أو يمكن الدفاع عنه، فهذه الأنظمة القمعية فشلت في تحقيق حتى القدر الأدنى من التنمية والاستقرار، ولن تستطيع الإمارات ولا مرتزقتها والمنتفعون من أموالها تحقيق أي شيء لوقفها.
آخر نقطة..
مشكلة الإمارات أنها خارج التاريخ، ومع ذلك تحاول أن يكون لها مكان فيه، ولم تجد لذلك سبيلاً سوى بنسج المؤامرات وتحريض الميليشيات للهجوم على الدول وتقويض الأمن والاستقرار ومنها التهديد الكرتوني الصادر من الطبل أو السطل قائد الشرطة الذي كل إنجازاته حماية البارات والفنادق في دبي، فيما دولته المتنمرة والمتمردة و«جنودها البواسل» ترتعد فرائصهم من مجرد ذكر «اليزر المحتلة» التي صدعوا العرب ببياناتها وكأنهم أسود تستعد للانقضاض فيما على الأرض هم أشبه بالدجاج.. وبيتهم من زجاج !
وعموما المكان المناسب لأعداء الشعوب من قتلة مارقين وسفاحين ومرتزقة مأجورين هو الدرج الأسفل من «مزبلة التاريخ».
من عاصمة المؤامرات تقود أبوظبي المارقة الرياض المختطفة والقاهرة المستسلمة لتدمير مستقبل دول مجاورة في محيطنا العربي، كل ذنبها أن شعوبها تريد التغيير للأفضل والتعبير عن تطلعاتها بما يناسب هذه المرحلة، التي تشهد ثورة تكنولوجية وصناعية، فيما أنظمتها الحاكمة أو ميليشياتها المتمردة والمدعومة من محور الشر لا تفهم إلا لغة القتل والتجويع والتدمير، فيما الأراضي العربية التي تحتاج لتطهير وتحرير يولونها الأدبار ويتحولون معها إلى نعام.. يدفنون رؤوسهم في التراب !
ما تقوم به أبوظبي مشروع على سيقان دجاجة من السهل تكسيرها وتنتيف ريشها، لأنه قائم على الظلم والباطل وشهوة مسؤول يعتقد أنه الاسكندر المقدوني.. وهو في حقيقة الأمر «كوتش» فاشل في كل المعارك التي خاضها سواء في اليمن، مهد العروبة، التي تحطمت فيها ميليشياته ومرتزقته، ووصولاً لمعركة «النعل» التي جرت فصولها بحضوره وفي معقله !
وبحثاً عن إنجاز يغطي فيه فشله المستمر منذ أربع سنوات، أشعل محور الشر فتيل النار في ليبيا ليصرف الأنظار عن هزيمته في اليمن وفشله في السيطرة عليها، ليستمر في هوايته المدمرة للدول العربية.
دون مقدمات وبلا سابق إنذار، وقبل أيام من انطلاق «الملتقى الجامع بين الفرقاء الليبيين» في مدينة غدامس جنوب غربي ليبيا بين 14 و16 أبريل، برعاية أممية، أطلق خليفة حفتر عمليةً عسكرية للسيطرة على طرابلس، ما أثار رفضاً محلياً ودولياً.
هذا المؤتمر عملت عليه البعثة الأممية منذ عام، وكما يقول المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، فإنها ليست في وارد التخلي عنه، لكن ما الذي حدث وأدى إلى هذا التحرك؟
«طعننا في الظهر وفاجأنا بتحركات ترجعنا للنظم الديكتاتورية والحكم الشمولي»، هذا ما يقوله فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني، مستندا إلى اجتماع أبوظبي، يوم 28 فبراير 2019، صحيح أنه لم يصدر أي بيان رسمي عن نتائج ذلك الاجتماع، لكن مصادر مطلعة قالت إن «السراج وحفتر اتفقا على أن يتولى السراج السلطة المدنية وتشكيل حكومة موحدة يصدِّق عليها البرلمان في غضون 24 ساعة، على أن يتولى حفتر رئاسة المؤسسة العسكرية»، وأن التفاصيل سيتم الاتفاق عليها خلال «الملتقى الجامع» الذي بات في مهب الريح.
هذه التطورات ما كانت لتحدث لولا «مستجدات إقليمية» دفعت بداعمي حفتر إلى تحريكه لمواجهة ما بدا أنه العودة الأقوى للربيع العربي، عبر ما رأيناه في الجزائر تحديدا، ولأن داعمي حفتر لا يمتلكون أي وزن مؤثر في الجزائر، فقد اختاروا حفتر على أمل إرباك الجزائر بحالة حرب على الحدود، يمكن عن طريقها، إعادة خلط الأوراق والسماح لقوى الثورة المضادة بإعادة ترتيب بيتها الهش والانقضاض على الحكم في الجزائر، وإعادة إنتاج النظام الذي أسقطه الشعب، وأيضا اغتصاب الحكم في ليبيا والسيطرة عليها دون أي شراكات مع الأطراف السياسية الأخرى.
هناك هدف آخر هو تونس، إذ أن سيطرة حفتر على طرابلس تحديدا سوف يشكل تهديدا للأمن القومي التونسي، ما يعزز فرص قوى الثورة المضادة لإجهاض التجربة الديمقراطية الأنجح حتى الآن.
حفتر هو مجرد دمية تحرك خيوطها أصابع أبوظبي السوداء، التي تنفق المليارات لإجهاض ثورات الربيع العربي، وبسبب موقع ليبيا فقد حظي حفتر بدعم هائل من إمارات الشر ومن يدور في فلكها لاستخدامه كمخلب قط كلما لاحت بوادر تغيير أو ظهرت إرادة شعبية جديدة، وقد بدا ذلك واضحا في الحالة الجزائرية، حيث تعتقد أبوظبي المارقة أن في مقدورها التأثير على أحداثها عبر تحريك رجلها في ليبيا من أجل إعادة خلط الأوراق والأولويات.
إبان خدمته في قوات القذافي، ترأس حفتر في خضم الحرب الليبية التشادية (1978-1987) وحدة خاصة، لكنه وقع في الأسر مع مئات العسكريين الآخرين، ليتبرأ منه نظام القذافي وقتها. ونقل من تشاد إلى الولايات المتحدة في عملية غامضة. وقدمت له واشنطن اللجوء السياسي، فنشط مع المعارضة في الخارج.
بعد عشرين عاما في المنفى، عاد حفتر في مارس 2011 إلى بنغازي ليشارك في الثورة ضد القذافي، ومع دخول قوى الثورة المضادة على الخط تلقى حفتر دعما كبيرا من دول بينها الإمارات ومصر ومنذ فترة قصيرة المملكة السعودية، حيث استقبله الملك سلمان في نهاية مارس، أي قبل أيام قليلة من إطلاق عمليته العسكرية ضد طرابلس.
منذ بروز حفتر على الساحة السياسية الليبية عقب الإطاحة بالقذافي، وهو يحاول أن يكون البديل السياسي والعسكري الهام في ليبيا، ويريد أن يصبح العنوان الوحيد للجماهيرية، تماما كما كان القذافي، وهو وجد الدعم والمساندة من جانب أبوظبي تحديدا، فمضى في حملته لإخضاع ليبيا بالكامل تحت سيطرته، من أجل تحقيق أجندة بعض الدول الإقليمية التي ترى وجود قوات غير قوات حفتر المدعوم منها يمثل خطراً على مشروعها الذي يهدف بالأساس إلى القضاء على الثورة الليبية، التي أزاحت فترة الحكم الأسود للقذافي، وإقصاء جميع الأطراف الأخرى التي هي من أساس وصلب المجتمع الليبي.
السؤال الآن: لماذا يفعل حفتر كل ما يفعله، وهو أحد ضحايا نظام القذافي الدكتاتوري؟
هناك من يرى أن عُقدة الهزيمة والأسر والفشل زمن حرب تشاد هي التي تقوده إلى هذه المعارك، إذ يحاول التعويض عن ذلك بتوظيف نفسه مخلباً لكل القوى الدولية والإقليمية المعادية لموجة التحولات العربية مثل الإمارات التي تلقفته ووجدت فيه الأداة المناسبة لتحقيق غاياتها، وبسبب تطورات الوضع في الجزائر جاء تحركه الأخير على أمل إحداث تغيير على الأرض يسمح بوأد ثورة الشعب الليبي ومكتسباتها وإجهاض أي محاولة جادة لبناء نظام ديمقراطي حقيقي في بلد عربي كبير ومؤثر وله ثقل هائل في محيطه وفي المنطقة ككل.
إذاً هي معركة كسر عظم، ويبدو أن أحداث الجزائر قد وحّدت جهود بعض القوى الإقليمية المتواطئة من أجل تكريس معادلة الأمر الواقع، ومنع ظهور أي قوى ديمقراطية حقيقية، ومع رغبة حفتر بلعب دور الرجل القوي عقب رحيل القذافي، وتقديم نفسه على أنه رأس حربة ضد مصلحة الشعب الليبي وجهود الأمم المتحدة تلاقت رغبات محور الشر، خوفاً من انتقال حمى التغيير إليها.
لكل ذلك فإن حفتر وجدها فرصة مواتية لإفشال أي تفاهمات سياسية في ليبيا تدفع نحو إرساء حياة مدنية، فاختار تحركه قبل أيام من عقد الملتقى الجامع الذي دعت إليه الأمم المتحدة، على أمل تحقيق نقاط سياسية بلغة السلاح.
المؤلم في هذا المشهد أن الدول الغربية لا تبدو معنيَّة بمعركة الديمقراطية ومناهضة الاستبداد التي تخوضها شعوب المنطقة العربية ضد أنظمتها القمعية، وإنما كل همِّها تأمين حدودها الجنوبية من تدفق موجة الهجرات البحرية، وتأمين مبيعات السلاح وغيرها من مصالح، صحيح أن هناك بيانات صدرت عن مجلس الأمن ومجموعة السبع وغيرها، إلا أنها ليست كافية على الإطلاق، وهي لم تعبر عن أي موقف رادع، مع أن هذه العملية ستقود إلى خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات.
في كل ما نرى فإن الدور الأسوأ تلعبه أبوظبي «الأمّارة بالسوء»، والتي تنفق ببذخ على تدمير إرادة الشعوب العربية الهادفة لنيل الحرية والكرامة، وهو أمر بغيض يثير الكثير من التساؤلات حول الدوافع الحقيقية من وراء دعم الديكتاتوريات ومدها بالأموال والأسلحة للدفاع عن وجودها في وجه شعوبها.
إن ادعاءات الإمارات بمحاربة «المتطرفين» مردود عليها بقوة، إذ أن الأنظمة الديكتاتورية التي تدعمها أبوظبي والسعودية وإسرائيل، هي التي أنتجت تيارات التشدد والتطرف بسبب قمعها الوحشي لشعوبها، وتحركات حفتر في ليبيا هي المثال الأخير فحسب، كما أن سجلها والراكضين خلفها سجلاتهم ملطخة بالسواد في مجال تمويل الإرهاب وغسيل الأموال !
لقد انطلقت التحركات الشعبية العربية من قبل شباب متعلم ومدرك لاحتياجات الدول في هذا العصر، ودافعها كان إدراكها العميق بأن النظام السياسي العربي، لم يعد مقبولا أو يمكن الدفاع عنه، فهذه الأنظمة القمعية فشلت في تحقيق حتى القدر الأدنى من التنمية والاستقرار، ولن تستطيع الإمارات ولا مرتزقتها والمنتفعون من أموالها تحقيق أي شيء لوقفها.
آخر نقطة..
مشكلة الإمارات أنها خارج التاريخ، ومع ذلك تحاول أن يكون لها مكان فيه، ولم تجد لذلك سبيلاً سوى بنسج المؤامرات وتحريض الميليشيات للهجوم على الدول وتقويض الأمن والاستقرار ومنها التهديد الكرتوني الصادر من الطبل أو السطل قائد الشرطة الذي كل إنجازاته حماية البارات والفنادق في دبي، فيما دولته المتنمرة والمتمردة و«جنودها البواسل» ترتعد فرائصهم من مجرد ذكر «اليزر المحتلة» التي صدعوا العرب ببياناتها وكأنهم أسود تستعد للانقضاض فيما على الأرض هم أشبه بالدجاج.. وبيتهم من زجاج !
وعموما المكان المناسب لأعداء الشعوب من قتلة مارقين وسفاحين ومرتزقة مأجورين هو الدرج الأسفل من «مزبلة التاريخ».