+ A
A -

في كتابِ «مرآة الجِنان» لليافعي أن سُفيان الثوري كانَ شديد الإنكار على أبي جعفر المنصور لِمَا أحدثَ في أمرِ الخِلافةِ، فأهدرَ المنصور دمه، وجعلَ يطلبه ليقتله!فهربَ سُفيان الثوري إلى اليمن مُبتعداً بنفسه، وما زالَ يتنقلُ من قريةٍ إلى قرية، يُحدِّثهم بحديثِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُعلِّمُهُم أمور دينهم، فيُكرموا وفادته وهُم لا يعرفونه! ولمَّا آوى إلى بعضِ القُرى ذات ليلة سُرِقَ فيها لبعضِ الناسِ شيء، فاتَّهموه لأنه غريب، وأتوا به إلى مَعِن بن زائدة وكانَ والياً للمنصور على اليمن، وقالوا: إنَّ هذا سرقَ متاعنا وأنكرَ!فقالَ له مَعِن: ما تقول؟فقال: ما أخذتُ لهم شيئاً.ورأى مَعِن بن زائدة بفراستِهِ المعروفةِ أنَّ هذا الوجه ليس بوجهِ سارق، فقالَ لمن حوله: قوموا عني فلي معه كلام!فلمَّا قاموا قال له: من أنتَ؟قال: عبد الله. فقال له: ابن من؟فقال: ابن عبد الله. فقال له مَعِن: كُلُّنا عباد الله، أولاد عباد الله، ما اسمك؟فقالَ له: سُفيان بن سعيد الثوري! فقالَ له مَعِن: أنتَ الذي يطلبُكَ أمير المؤمنين؟فقال: نعم!فصمتَ مَعِن لحظة، ثم قالَ له: مثلُكَ لا أُسلِّمه أنا، اذهبْ حيثُ شئتَ!الشركةُ التي فيها ظُلم لستَ مطالباً في تركها، ولكنكَ مُطالَب أن لا تشترك في الظلم، وأن لا تكون ذراعاً فيه!والوظائفُ العامةُ للناسِ جميعاً، لستَ مسؤولاً إن لم يكُنْ الحاكم خليفة راشداً، أنتَ مسؤولٌ أن تكونَ راشداً في نفسك، ثم أمر الناس إلى الله! كُلُّنا نعجزُ عن إصلاحِ أشياء كثيرة في الواقعِ الذي نعيشه، ولكننا جميعنا نعرفُ أنه يُمكنُ لنا أن نكون مستقيمين في واقعٍ أعوج!الحياةُ تحتاجُ إلى تسديدٍ ومُقاربة، إلى أن نتقي الله ما استطعنا، إلى أن ننأى بأنفسنا عن الظُلم والخطأ، فلا أحد منا سيُسأل عن دينِ الناس وعدلهم، ولكننا جميعنا سنُسأل عن ديننا وعدلنا نحن! فسدِّدوا وقاربوا! ثم كُنْ لمَّاحاً، بعض الأشياء ليستْ كما تبدو، وبعض البشر وراءهم حكايات كثيرة، لا ترَ في المشهدِ إلَّا ما تراه عيناك، اُنظُرْ بعقلك، وتأمَّل، شيءٌ من التدبُّرِ في الأمور، قليلٌ من الفراسة، اِتبعْ إحساسكَ أحياناً تَصِلْ إلى الحقيقة!

copy short url   نسخ
02/08/2022
170