يمثل القرار الأخير الصادر عن محكمة العدل الدولية قرارا تاريخيا إن ثبت وإن هو تمكّن من آليات تطبيقه على الرغم من الخروقات المتعلقة به. فهو من جهة أولى يساوي بين الجلاد والضحية فيضع المقاومة الفلسطينية في نفس الكفة مع المحتل الغازي وهو أمر اعتبره كثيرون بحثا من المحكمة الدولية عن التوازن في قرارها حتى لا تغضب طرفا دون آخر.

لكن من جهة ثانية فإنها المرة الأولى تقريبا التي تُصدِر فيها هذه المؤسسة الدولية قرارا بجلب مجرميْن من كبار مجرمي الحرب وهما رئيس الوزراء ننتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالنت. إذا وضعنا جانبا محاولة المؤسسة الظهور بمظهر الحكم المعتدل والعادل بين طرفي النزاع فإن إصدار مذكرة التوقيف في حق القيادات الصهيونية تعتبر في حدّ ذاتها حدثا قانونيا ذا قيمة.

سبقت هذا القرار رسالة تهديد مباشرة من أعضاء في الكونغرس الأميركي يتوعدون فيها المحكمة وأعضاءها بالتضييق والمتابعة والمنع من دخول الولايات المتحدة مما يكشف الدعم اللامتناهي الذي يحظى به الكيان الصهيوني في الولايات المتحدة. وهو الأمر الذي أشار إليه المدّعي العام لمحكمة الجنايات الدولية والذي أشار في تصريح تلفزيوني إلى أن التهديدات التي وصلته أكدت له أن هذه المحكمة إنما صنعت من أجل الأفارقة ومن أجل روسيا ويقصد طبعا حكام إفريقيا والدول التي تحاول الخروج عن الهيمنة الغربية.

نحن الآن أمام قراءتين: أما الأولى فترى في هذه الإجراءات كما هو حال الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا إجراءات بيروقراطية للاستهلاك الإعلامي ولا قيمة إجرائية لها وغير قابلة للتنفيذ. في حين ترى القراءة الثانية أن ما حدث أمرٌ يمكن التأسيس والبناء عليه لأنه يمثل نقطة تحول نوعية في عمل المؤسسات الدولية.

من الصعب التنبؤ بمآلات هذه الإجراءات خاصة إذا علمنا أن دولة الاحتلال ليست عضوا فيها إضافة إلى أنها لم تلتزم ولم تطبق طوال تاريخها أية واحدة من القرارات الدولية الملزمة صادرة ضدها. إضافة إلى ذلك فإن الدول العربية لم تشكل قوة قانونية ضاغطة على المؤسسات الدولية من أجل محاسبة مرتكبي الجرائم ضد الشعب الفلسطيني ومن أجل منع تكرر هذه المذابح.

المعارك القانونية تشكل مجالا آخر من مجال المقاومة السلمية القادرة على إحداث الفرق مع العدوّ إن توفرت الإرادة السياسية وانتفت أسباب التشرذم والخلاف.