+ A
A -
تحقيق أكرم الفرجابي

أكد عدد من الكُتَّاب والمفكرين على ضرورة غرس ثقافة الاهتمام بالقراءة لدى الأجيال الجديدة وجعلها عادةً ملازمة لهم، وبالتالي ترك آثار إيجابية على سلوكيات الطلاب وأفكارهم واهتماماتهم، مشيرين إلى أن هذا الاهتمام يأخذ أشكالاً مختلفة، كالمسابقات في القراءة خارج المنهج، والمبادرات والأنشطة التي تتم داخل المدارس، وتجتمع على إعلاء قيمة القراءة في نفوس الطلاب، وجعلها أسلوب حياة.

وأوضحوا في حديثهم لـ الوطن أن القراءة هي أساس التعليم والمعرفة والثقافة، فهي تتيح للطلاب على اختلاف مستوياتهم الدراسية تنمية مهاراتهم وقدراتهم، وبالتالي يصبحون أكثر قدرة على فهم العالم والتواصل معه بسهولة ووعي، وشددوا على ضرورة القيام بالأنشطة التي تشجع على القراءة، مثل زيارة معارض الكتب والتعرف على ما بها من فعاليات تقدم بشكل جذاب يتناسب مع اتجاهات الأجيال الجديدة، فضلاً عن شراء كتب وقصص تحت إشراف المدرسين المتخصصين.

وضع الكتاب

بداية يجيب الكاتب والمفكر الأستاذ عبدالعزيز الخاطر، على سؤال ما هو السبب وراء تراجع الإقبال على المكتبات العامة ومعارض الكتب، وضعف نسب القراءة خارج المنهج بالنسبة للطلاب في قطر والعالم العربي، قائلا: لكي نجيب عن هذا السؤال، يجب أولاً أن نعرف أين تقع القراءة على سلم الوجود وتحقيق الذات في المجتمع، منوهاً بأننا نجدها في عالمنا العربي بشكل عام في مراتب دنيا على هذا السلم، لأسباب عديدة وكثيرة منها الذاتي الراجع للمجتمع، ومنها الموضوع الذي يرجع للأوضاع المحيطة، بما فيها وضع الدولة، والأيديولوجيا التي تحكمها.

أما فيما يتعلق بالإجابة عن سؤال هل معارض الكتب والمكتبات العامة التي تشرف عليها الدولة بشكلها التقليدي تستطيع المنافسة على جذب القراء الجدد، خاصةً في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة واتجاه الجميع نحو الكتب الإلكترونية، يوضح الخاطر أنه ليست معارض الكتب والمكتبات، وإنما وضع الكتاب ذاته لم يعد يشكل إغراءً يجذب القارئ بعدما تحول إلى سلعة، والملاحظ أن شركات التسويق بأشكالها لجميع المنتجات الأخرى تحوّلت إلى إنتاج الكتب فلم يعد الكتاب انتاجاً أنطولوجياً له بعد وجودي وحضاري بقدر ما هو لإشباع غريزة سوقية، مؤكدا أن النظام التعليمي المفترض يشجع على البحث والتقصي، اللذان بالتالي يؤديان إلى القراءة، لكن القراءة في حد ذاتها شغف ينشأ أو يتربى في البيت وتحتضنه العائلة.

معدلات القراءة

في المقابل يرى الكاتب والمفكر الدكتور عبد الحميد الأنصاري، انه لا يوجد تراجع كبير فيما يخص نسب القراءة خارج المنهج بالنسبة للطلاب في قطر والعالم العربي، بدليل أن دور النشر مازالت مستمرة في عملها، فإذا كان هنالك تراجع لكانت هذه الدور والمكتبات أعلنت إفلاسها، مبينا أن كميات الكتب التي تنشر تباعا بشكل سنوي في حالة تزايد مستمر، وبالتالي معدلات القراءة هي الأخرى أيضا في حالة تنامي مستمر، مشيرا إلى أهمية مسابقات القراءة على مستوى الوطن العربي، في غرس ثقافة الاهتمام بالقراءة لدى الأجيال الجديدة وجعلها عادة ملازمة لهم. وأوضح د. الأنصاري أن معارض الكتب بشكلها التقليدي مازالت تستقطب العديد من القراء الحريصين على اقتناء النسخ الورقية من الكتب وقراءتها والاستفادة منها، مبينا أن استمرارية المعارض وتزايد دور النشر والإصدارات الجديدة خاصة في مجال الأدب والرواية على سبيل المثال يؤكدان أن القراءة مازالت بخير، منوها بأن ليس كل القراء يحبذون الكتب الإلكترونية باعتبار أن الكتاب الورقي لا يزال يحتفظ بجاذبيته، والكتاب الإلكتروني ليس هو البديل الذي سيلغي الكتاب الورقي وإنما سيستمر بجانب الأخير لما يتمتع به من مزايا وامتيازات قد لا تتوفر في غيره.وحول الاتهام الذي ظل يلاحق النظام التعليمي، بأنه لا يشجع على القراءة، يشير د. الأنصاري إلى أن النظام التعليمي لا يستطيع أن يكون هو الرهان، قائلا: يفترض أن تقوم الدولة عن طريق وزارة الثقافة والجهات المختصة بتشجيع النشء على القراءة من خلال إقامة المسابقات ورصد الجوائز، منوها بأنه لدينا العديد من التجارب الناجحة التي تشجع على القراءة في الوطن العربي، لذلك لا نستطيع أن نحمل النظام التعليمي وحده مسؤولية التراجع في نسب القراءة، مبينا أن البيت أيضا له دور كبير في إعلاء قيمة القراءة في نفوس الأبناء وجعلها أسلوب حياة، ولكن الدولة بمؤسساتها المعنية مثل مكتبة قطر الوطنية ووزارة الثقافة وغيرها يجب أن تلعب دورا مهما من خلال استراتيجية واضحة لجذب النشء والشباب للقراءة والاطلاع، ومهمة الدولة أيضا أن تساهم في تيسير الحصول على الكتاب بسعر مناسب للجميع.

المكتبات المدرسية

بدوره يشير الدكتور ناصر جاسم المسلماني، طبيب وباحث في التراث والتاريخ، وعضو ملتقى المؤلفين القطريين، إلى أن النظام التعليمي يشجع على القراءة بدليل أن المدارس تهتم بالكتاب ومازال هنالك وجود للمكتبات المدرسية، التي تشجع الفئات السنية الصغيرة على الإنتاج القصصي والمشاركة في مسابقات القصة القصيرة، مبينا أن الرافد للمكتبة المدرسية هي معارض الكتب التي تنظمها الدولة بشكل سنوي، داعيا في الوقت نفسه إلى تطوير هذه المكتبات المدرسية حتى تستطيع المنافسة على جذب القراء الجدد، خاصةً في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة واتجاه الجميع نحو الكتب الإلكترونية، بالإضافة إلى طرح الجوائز التي تشجع الطلاب على القراءة.

وأوضح د. المسلماني أن وسائل التكنولوجيا الحديثة هي التي أدت إلى تراجع القراءة وتدني الإقبال على الكتب من الأجيال الجديدة، كونها أتاحت للشباب نشاطات أخرى عديدة عبر الشبكة العنكبوتية غير القراءة، بالإضافة إلى عناصر الجذب الممتعة التي يمكن أن يقضي فيها أغلب وقته، منوها بأن الكتاب في السابق كان خير جليس في الزمان، لكن اليوم مع سرعة إيقاع الحياة والعمل المتواصل، الذي يجعل الجميع في حالة لهاث متواصل من أجل الإيفاء بمتطلبات الحياة اليومية والقيام بالعمل المطلوب خلق صعوبة كبيرة في إيجاد وقت محدد للاطلاع على الكتب.

اهتمام بالغ

تعتبر دولة قطر من الدول التي تولي اهتماما بالغاً بالقراءة، حيث تعد مكتبة قطر الوطنية من أهم المشاريع الثقافية في قطر والمنطقة، وواحدة من أضخم المكتبات في العالم العربي، كونها تستوعب أكثر من مليون كتاب ودورية ومجلة، وتحتوي على أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا في عالم المعلومات والمكتبات، والاطلاع على ما يحويه من ذخائر الآداب والعلوم والمعرفة الإنسانية، بالإضافة إلى المجموعة التراثية، والمجموعات الخاصة للأطفال واليافعين، لذوي الاحتياجات الخاصة، في حين تقدم المكتبة مجموعة واسعة من الكتب باللغات الأخرى ومنها الفرنسية والألمانية والإيطالية والبرتغالية، والإسبانية، والروسية والبنغالية، والأوردية، والصينية وغيرها من اللغات الأخرى والتي تعكس التنوع الثقافي للسكان في قطر.

يذكر أن وزارة التربية كانت قد أطلقت «المكتبة المتنقلة» بالتعاون مع شركة مواصلات «كروة»، في مدرسة أم العمد النموذجية للبنين، تزامنا مع اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، الذي يوافق 23 إبريل من كل عام، بهدف خلق أجواء تعليمية ممتعة، والتنويع في طرح أساليب القراءة وتنميتها، وتعزيز التواصل الاجتماعي لدى طلاب المدارس الحكومية، من خلال مشروع «المكتبة المتنقلة» والتي هي عبارة عن حافلة تتسع لثلاثين طالبا، مقسمة لطابقين، وتحتوي على أقسام متنوعة، إذ جهز الطابق الأول بقسم القراءة، والذي يحتوي على العديد من الكتب ومصادر التعلم، وغيرها من الألعاب التفاعلية المتوفرة عبر الأجهزة اللوحية الذكية، بينما يحتوي الطابق الثاني على منطقة للمشاهدة، وفيها شاشة تلفاز ذكية تعرض من خلالها أسئلة تفاعلية للطلاب؛ مثل الأسئلة التاريخية عن دولة قطر، ومعالمها، وحكامها، وملاعب كأس العالم، وغيرها الكثير، ولتحقيق التفاعل المطلوب من انطلاق المكتبة المتنقلة، ستجول الحافلة على المدارس الحكومية والخاصة، وعلى المخيمات الصيفية، وأفضل عشرة معالم في دولة قطر، وأفضل ثلاثة مواقع للمناطق التعليمية، وذلك حسب الجدول وخطة التوزيع المقترحة، كما يمكن إعادة تشكيل الحافلة بما يتناسب مع المرحلة العمرية للطلاب؛ سواء المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية.

copy short url   نسخ
27/05/2024
95